رئيس جامعة أسيوط يستعرض تقريراً حول الأداء البحثي خلال 2023    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 2.73 مليار دولار خلال فبراير 2024    مصدر رفيع المستوى: رئيس المخابرات العامة يجري اتصالا مع رئيس المكتب السياسي لحماس    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    بيراميدز يفقد الشيبي في مواجهة فيوتشر    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    "تعليم القاهرة" تكشف التعليمات الخاصة بامتحان الشهادة الإعدادية    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    صدام جديد مع المخرج محمد رسولوف.. "بذرة التين المقدس" يثير غضب إيران    احتفالات شم النسيم 2024: نصائح لقضاء يوم ممتع ومليء بالفرح    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عجين "الفلاحة"
نشر في المساء يوم 21 - 12 - 2012

في أيام الزمن الجميل بالريف كان الفرن البلدي المبني من الطوب اللبن من الأساسيات في أي منزل. وصعود الدخان منه فوق أي بيت دليل خير وبركة. وكان "عجين الفلاحة" فناً ومعلمة ولابد من تدريب الفتيات علي إعداده. فقد كان من شروط الزواج أن تكون مدربة علي الخبيز.
الآن ومع انتشار التعليم والوظائف للجنس اللطيف. ترك عدد كبير من بنات الريف عادة "الخبيز" وأصبحن يقفن في طابور أمام الأفران.. مثلهن مثل المقيمات بالمدن.
"بركة البيت".. بكفرالشيخ
كفرالشيخ السيد عنتر:
المصريون من أكثر شعوب العالم تمسكاً بالعادات والتقاليد المتوارثة من قدم الأزل. ويبدو هذا واضحاً جلياً من خلال طقوس حياتهم اليومية وسلوكهم اليومي. بالإضافة إلي مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات المختلفة.. عادات الخبيز المنزلي. التي كان لها أصول متبعة وتتضافر الأسر لإنتاج خبز بلدي من أجود أنواع الأقماح قبل أن نستورده وقبل تلوثه. حيث كان الجميع يتهافت علي هذه العادة ويقام لها طقوس ومازال البعض يحتفظ بها حتي الآن وعلي سبيل المثال لا الحصر: صنع البيض بالمسلي البلدي مع رغيف خبز داخل الفرن. وآخر بالسكر والمسلي وهناك المفتقة التي تصنع من العسل الأسود والخبز الأسمر المزود بالردة ومن هنا أتت كلمة "اللت والعجن" التي تُقال علي سبيل السخرية ولها معني. حيث إن اللت يعني لت الدقيق بعد تشربه بالماء ليصبح عجيناً وأخيراً عجنه بعد وضع الخميرة ويكون جاهزاً. فضلاً عن المبيت أعلي الفرن البلدي في المنازل الريفية "فوق القبة" للتدفئة لكن اليوم تبدل الحال بسبب "الرتم" السريع للحياة ولكن البعض مازال متمسكاً بهذه العادة.
في البدية تقول فاطمة عبدالعزيز المنطاوي "ربة منزل" تقيم بمدينة بيلا كفرالشيخ: توقفت عن الخبيز في الفرن الأفرنجي بالمنزل منذ عامين تقريباً بسبب المتاعب الصحية حيث إن جميع الأبناء تزوجوا ومنهم من يقيم بالخارج ومنهم من يقيم مستقلاً وبقيت مع زوجي نتقاسم الحياة حلوها ومرها. فالأمر يحتاج إلي الصحة. والدقيق غير متوفر. فقد كنا أيام زمان نعتمد علي شراء القمح من الفلاحين ونقوم بنشره وتحميصه في الشوارع ويتكاتف الجيران بعضهم البعض في فرز القمح. وبعد ذلك يتم طحنه وتخزينه في صوامع كانت تصنع من الطين ونتركه في غرفة المعيشة لاستخدامه في الخبيز وعمل البسكويت وكعك العيد والفطير المشلتت والكوماج والبقلاوة والقرص والكعك ولكن دوام الحال من المحال.
أضافت الحاجة فاطمة نجلة "ربة منزل" من بيلا: أيضاً لا أستطيع العيش بدون الخبز البلدي ومع تقدم العمر لابد من استخدام الخبز البلدي في الفرن الذي يعمل بالغاز لطبيعة المنزل المبني من الطوب الأحمر والمسلح. لكن عندما كانت البيوت بالطوب اللبن كانت الأفران البلدية التي تشتعل بقش الأرز الذي يتم حرقه الآن ولوث البيئة. كنا نستفيد من كل شيء والآن انتهي حطب القطن الذي كنا نستخدمه أيضاً في الطهي علي الكانون وكان للأكل والطهي طعم مختلف عن الآن بسبب السرعة. وتساعدني في الخبيز زوجة ابني الأكبر وأقوم بتوزيع الخبز علي أبنائي وزوجاتهن المنشغلات بعملهن أيام ليتها تعود.
أشارت نفيسة النشاوي رئيس مجلس إدارة الجمعية النسائية الخيرية ببيلا: لم يخل بيتي لسنوات من العيش البلدي الذي كنت أتفاني في خبزه والاحتفاظ به لعدة أيام وفي أماكن تهوية جيدة لسهولة هضمه واحتوائه علي الردة المفيدة لهضم وللجسم ولكن مع تقدم الحياة والسن أصبحنا نعتمد علي خبز الأفران العامة ومن خلال منافذ التوزيع لكي يأتينا الخبز إلي المنزل عن طريق الجمعيات الأهلية التي تقوم بتوصيله للمنزل مقابل أجر شهري. لكن الحقيقة كانت أيام زمان أفضل وأحسن مما نحن فيه. ويا ليت القري تعود إلي ما كانت عليه قرية منتجة للخبز ومنتجات الألبان والطيور. وليست قرية مستهلكة.
تضيف روفيه زكي مفتاح: لا يمكن الاستغناء عن الخبز البلدي في المنزل. حيث نعتبره بركة بالإضافة إلي النظافة المنزلية من حيث الإعداد والتأكد من سلامة المياه والدقيق لكثرة ما نسمع عنه. إن أغلب إنتاج الخبز الذي يتم توزيعه عن طريق الجمعيات الأهلية أو في منافذ التوزيع رديء وبه شوائب ويؤدي إلي سوء الهضم. لكن الخبز البلدي له طعم آخر ورغم التقدم في السن إلا أنني أحرص علي مشاركة بناتي وزوجات أبنائي الخبيز. ويعتبر أيضاً تذكرة للماضي الجميل. وأصالة أهل الريف. كنا نتقاسم اللقمة سوياً فكل سيدة تستعين بها في الخبز لابد وأن تحمل معها خبزاً طازجاً والأمر لا يسلم من استخدام الفرن مع الخبيز في شواء الباذنجان والبطاطس لتكون وجبة شهية عقب الانتهاء من عملية الخبيز ونعتبرها موروثاً شعبياً لا يمكن الاستغناء عنه إلا إذا تم توزيع اسطوانات الغاز بالكوبونات وقتها سنضطر مجبرين لتوديع الخبز البلدي لحاجتنا إلي الغاز.
وتقول آمال السيد فتوح "ربة منزل" ليس لدي الوقت ولا المكان الذي يمكنني من إعداد الخبز بالمنزل لرعاية زوجي والأبناء وبعد عناء الانتظار في طوابير الخبز التي تحتاج إلي ساعات لجأت إلي إحدي الجمعيات الخيرية عندما قرروا فصل الإنتاج عن التوزيع. لكن كانت الشكاوي يومية من سوء رغيف الخبز وهو ما يضطرنا إلي شراء الخبز "الفينو" للأولاد الصغار أثناء ذهابهم إلي المدرسة ولكن رتم الحياة أصبح سريعاً حتي من يقمن بالخبز داخل المنازل بالميكنة السريعة وأفران الغاز لسرعة الإنتاج وتوفير الوقت في حالة توفير الدقيق وكل وقت وله أذان كما يقولون ونود إعادة توزيع الدقيق علي بطاقات التموين لإعادة الخبيز. لأن سعره مكلف وتخزينه صعب علينا.
وأخيراً بعد أن تخلي الكثير عن العادات والتقاليد وبعض الموروثات الشعبية تتباري الفنادق الكبري والقري السياحية لاجتذاب السياح لتقديم الخبز البلدي بأنواعه. والفطير المشلتت وخلافه من إنشاء أفران بلدي وتديرها سيدات بزيهن الفلاحي الشهير.
"الشمسي"..في أسوان
أسوان عادل عوض:
العيش الشمسي هو الاسم الذي يطلق علي الرغيف البلدي الكبير. والمشهور في القري والمدن بالصعيد. ويخبز في الأفران الصغيرة. الموجودة داخل الأحواش بالمنازل. ويمتاز بقيمته الغذائية العالية ومذاقه الخاص. ورغم انتشار المخابز الآلية والنصف آلية. التي أثرت بالفعل علي بعض القري والمدن في الحفاظ علي الرغيف الشمسي ولانشغال الزوجات والأمهات بالحياة العملية والتي أجبرت الأسرة إلي اللجوء إلي شراء عيش المخابز الآلية.
يقول الحاج قناوي دمرداش "63 سنة" صاحب مطحن دقيق قائلاً: "الله يرحم أيام زمان. كانت الطاحونة تشتغل من بعد صلاة الفجر وحتي العشاء دون توقف. لأن الاعتماد الأساسي للأسر بنسبة تزيد علي 90% كان علي "العيش الشمسي". وكانت نوعية القمح جيدة. وسيدات البيوت يتسابقن في صناعة أنواع عديدة من مخبوزات القمح المطحون. وكان في منطقة البشارية مخبز واحد للعيش الآلي ولا يوجد عليه إقبال. وكان أصحاب المخابز يبيعونه للصيادين بعد تجفيفه. لأنهم يعيشون في البحر لأيام طويلة. والآن تقلصت ساعات العمل بالمطحن ولا تجد الاقبال إلا في الأعياد والمناسبات.
وتقول هبة عبدالرازق 30 سنة محاسبة: أعاني من صناعة الرغيف الشمسي نظراً لظروف عملي. حيث يصر زوجي علي تناول الرغيف الشمسي بالمنزل لأنه لا يجد أي مذاق لأي نوع من الخبز غير المصنوع في المنزل. ولذلك خصصت يوم الإجازة "الجمعة" لشراء الدقيق الجاهز والقيام بخبزه خاصة أن زوجي يرفض الوقوف في طابور لشراء العيش الآلي.
وتضيف سناء حسب الله عوض 35 سنة مدرسة: الحمد لله علي نعمة وجود المخابز الآلية في القري والمدن. لأنها ساعدت كثيراً في توفير الجهد والاستغناء عن الرغيف الشمسي. وذلك لظروف عملي وأنا وزوجي. بالرغم من أننا تربينا وترعرعنا من أكل الرغيف الشمسي منذ طفولتنا. بجانب حايتنا وسكننا في العمارة والشقق السكنية. التي لا يوجد بها أماكن لوضع أفران الخبز البلدي بداخلها. حيث تحتاج لمساكن كبيرة وأحواش مثل الأرياف والقري.
وأضافت الحاجة سعاد سيد عبدالباسط 65 سنة ربة منزل: أن أولادنا تربوا من أكل العيش الشمسي. وما زلنا نحتفظ بالفرن البلدي داخل المنزل. ونقوم بالخبيز مرة كل أسبوع ويجتمع معنا الجيران. وكل واحدة منهن لها دور سواء في عجنه أو نشره في الشمس ليكتمل في النهاية بإدخاله إلي الفرن البلدي بدرجة حرارة عالية. ولذلك لا يحلو أكل الملوخية والبامية والويكة والفتة في صعيد صر إلا بالعيش الشمسي بتاع بلادنا. وبعد فترة يتم تجفيفه وإعادته إلي النار مرة أخري. لكي يكون مثل "القراقيش" ليأكل مع شرب الشاي بالحليب في الصباح.
ويقول سامي عطية 50 سنة وكيل معهد ديني. وجود المخابز الالية ساعدت بعض الطوائف من المواطنين. علي تغطية حاجتهم اليومية من المخبوزات. نظراً لظروف عملهم وأيضاً المساكن التي يقطنون بها. وارتفاع نسبة التعليم والثقافة أدي إلي تخلي السيدات عن صناعة الخبز. ولكن لن نستطيع التخلي عنه ونقوم بشرائه من الأسواق من السيدات الريفيات. اللاتي يقمن ببيعه. ويصل سعره الرغيف الواحد 2 جنيه.
وتروي عزيزة الحصري 50 سنة بائعة خبز قائلة: إن مصدر رزقنا الوحيد هو صناعة العيش الشمسي. وبيعه للموظفين والمواطنين الذين لم يستطيعوا الحصول علي رغيف العيش الآلي من المخابز بسبب الزحام الشديد والطوابير الطويلة أمامها. والرغيف الشمسي صعب في صناعته عن الآلي حيث نقوم بجمع القمح وطحنه. وعجنه في ناد كبير يسمي "الماجور". ونقوم بتقطيعه علي دوارة حتي يتخمر. ثم نضعه في الشمس لساعات ليعلوا. ثم نقوم بوضعه علي المطرحة الطويلة المصنوعة من الخشب في الفرن البلدي ذات درجة حرارة عالية. وتتم متابعاته كل خمس دقائق أو إخراجه بعد فترة. والحمد لله أنا لي زبائن من الأطباء والمهندسين مازالوا يحافظون علي شراء الرغيف الشمسي.
وأكد حسام العربي مدير عام التموين : أن معدل استهلاك الرغيف بالمخابز والدقيق ارتفع بكثير عن الماضي. بعد أن كانت حصة المخبز خمسة أجولة دقيق أسبوعياً والآن وصلت لأكثر من عشرة أجولة لتغطية المستهلك. وارتفعت نسبة الاستهلاك بعد تراجع نسبة صناعة الرغيف الشمسي في المنازل وارتفاع نسبة التعليم وعمل السيدات وسهولة شراء العيش الآلي عن صنعه في المنازل.
موظفة قنا "تنتظر" الرغيف من أمها!
قنا عبدالرحمن أبوالحمد:
لا تزال الأفران البلدية داخل محافظة قنا تمثل عنصراً أساسياً ضمن أساسيات منازل سكان القري سواء بإقامتها في مكان منعزل بالقرب من المسكن أو أعلي السطح. فمعظم هؤلاء يرفضون شراء العيش من المخابز ويفضلون صناعة العيش الشمسي "المدور أو المقرن" لأن الأكل لا يحلو بدونه علي عكس أبناء المدينة الذين تضطرهم طبيعة الحياة للشراء من المخابز وهم يبحثون في الوقت ذاته عن فرصة لصنع العيش البلدي.
أوضحت جيهان القاضي موظفة بديوان عام المحافظة أنها كموظفة بمكتب تفرض عليها طبيعة عملها قضاء نصف النهار في العمل مما يحول دون إيجاد وقت لصناعة العيش في المنزل. فتضطر هي وزوجها للشراء من المخابز الحكومية. ولكنها تتمني أن تجد وقتاً لخبز العيش البلدي المصنوع من القمح الخالص. لأن طعمه يختلف عن عيش المخابز. كما أن هناك بعض الأكلات مثل الملوخية والبامية لا نشعر بطعمها إلا مع العيش البلدي. لأن "البلدي دائماً يؤكل" ولهذا تطلب من والدتها بين الحين والآخر أن ترسل لها "عيش شمسي".
أضافت حنان محمود ربة منزل انها تفضل العيش الشمسي في كل الأحوال إلا أن ظروف إقامتها في المدينة تفرض عليها البحث عن المتوفر بشكل أسرع. فتقوم بالشراء من المخابز حتي لا تقضي وقتاً أطول في خبز العيش والانتظار حتي مرحلة التخمير والنضوج.
بينما تقول نجلاء حارس موظفة إنها منذ زواجها قامت بشراء فرن لتقوم بصناعة العيش الشمسي لأنها وزوجها وأولادهما يفضلونه عن غيره. ورغم ذلك عندما لا تجد وقتاً لفعل ذلك تقوم بالشراء من المخابز. مشيرة إلي أن لها جيراناً يضعون الأفران أعلي أسطح المنازل. إما لاستغلالها لأنفسهم أو عمل خبز وبيعه لباقي الجيران خاصة في منطقة المساكن.
فيما قالت الحاجة سامية عمر انها منذ ولادتها تأكل العيش الشمسي وترفض شراء العيش من المخابز رغم إقامتها في المدينة لذلك قامت بتعليم بناتها "العجين" والخبيز بمراحله. وتقول إنها تحرص أن تحصي عدد الأرغفة قبل أن تنتهي لتصنع الجديد حتي لا تضطر للشراء.
وتؤيدها الحاجة "أم علي" قائلة إنها تقوم بالعجين كل أسبوع داخل الفرن البلدي الموجود بالمنزل لصنع العيش الشمسي الذي يأخذ شكلين إما الشكل "المدور" أو "المقرن" ويكون له ثلاثة قرون تتميز بطعم أجمل من باقي أجزاء الرغيف. وتضيف انها تقوم بشراء العيش من المخابز بشكل يومي ولكن لتستخدمه كغذاء للطيور في ظل ارتفاع الحبوب أو كعلف للماشية. ونادراً ما تضطر وأسرتها لأكله حينما تكتشف أن العيش البلدي لن يكفي فيكون ذلك بشكل اضطراري لمدة يوم واحد لا يشعر الجميع في تناوله بطعم المأكولات وأحياناً يشعرون بحالة من عدم الشبع.
وقال محمد مرواني عامل بمخبز بلدي إن المخبز لكونه موجوداً داخل قرية فهو يعرف الجميع ممن يحضرون للشراء. ويعرف دائماً في القري بالتحديد أن من يشتري العيش من الخبز هم البسطاء الذين لا يملكون أراضي زراعية لزراعة القمح أو لا يملكون المال لشرائه. ونادراً ما تجد من بين هولاء من يشتري العيش من المخبز ربما لنقص العيش الشمسي أو أن أحداً لا يحب العيش الساخن. والدليل أن كمية الدقيق تخبز بالكامل دون أن يكون هناك عجز في الكمية المنتجة أو وجود طلب متزايد أكثر من الطلب اليومي.
من جانبه أكد سمير جاد محمد وكيل وزارة التموين بقنا أن لجوء البعض إلي شراء الخبز لاستخدامه لأغراض منزلية يحدث في نطاق محدود للغاية ولا يؤثر علي أرصدة الدقيق. مشيراً إلي أن قنا كمحافظة زراعية. فإن أغلب سكانها يزرعون القمح ولا يحتاجون لشرائه خاصة في القري. بالإضافة إلي أن الأسر تصرف كميات محددة من الدقيق علي بطاقات التموين ويتم خلطه مع القمح أو استخدامه منفرداً داخل المنازل. وأوضح أن أزمة السولار التي تمر بها البلاد في الفترة الحالية لم توثر علي عمل المخابز. لأن كل مخبز له حصة ثابتة فمثلاً كل جوال زنة 100 كيلو يصرف له 5 لترات. كما أن المحافظ اللواء عادل لبيب حرصاً منه علي عدم توقف المخابز. فقد قرر أن تقوم سيارة حمولتها 6 أطنان و700 لتر سولار بالمرور علي المخابز وتوزيع الكمية لضمان عدم توقفها حماية لحقوق المواطنين.
ما أحلي الرجوع إليه.. بالمنوفية
المنوفية- نشأت عبدالرازق:
أكدت د.علا الزيات مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب- جامعة المنوفية أنه مما لا شك فيه أن الأسرة المصرية كانت حتي بداية القرن العشرين أسرة منتجة تقوم فيها الأم بإنتاج كل ما يلزم من مواد غذائية مثل الخبز ومنتجات الأليان وكذلك تربية الطيور إلي جانب حياكة الملابس. كما كانت الزوجة تعمل في نفس الوقت وتذهب إلي الحقل ترعي الأرض مثلها مثل الزوج تماما وكان لها دور في التنشئة الاجتماعية الإيجابية لأبنائها. حيث كانت تهتم بتلقينهم القيم والعادات والتقاليد السوية. وإن كانت هناك بعض السلبيات في تلك العادات والتقاليد مثل الختان. وثقب الأذن والأنف. والتمييز في التنشئة الاجتماعية بين الذكور والإناث وتفضيل إنجاب الولد.
أضافت أنه في القرن العشرين وحتي بداية القرن الحادي والعشرين تغيرت كل تلك العادات وتغير دور الأم. حيث تخلت عن القيام بدورها في إنتاج الخبز المنزلي بدءا من تنقية الحبوب سواء القمح أو الذرة. وغسلها وتجفيفها ثم طحنها وعجنها وأخيرا خبزها وإعداد الطعام. وكذلك عن تربية الطيور. وحل العمل الحكومي محل الدور الإنتاجي داخل المنزل.. وأشادت إلي أن المرأة والأسرة فقدت الدور الإنتاجي حيث باتت الأسرة مستهلكة أكثر منها منتجة وظلت الأم تقلص من أدوارها داخل الأسرة حتي بات عملها مقصورا علي عمليات بيولوجية من إنجاب وبعض من التنشئة الاجتماعية وليس كلها بعد دخول أدوار أخري من قبل وسائل الإعلام والجيران والأهل والأصدقاء والانترنت.
وقالت إيمان حجاج "مدرسة" إنه لا غرو أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة وهي الأم الحنون التي تهدهد أولادها وترعاهم وتسهر علي راحتهم. وهي الأخت الحانية الشفوق علي أخيها. وهي الزوجة الصالحة التي تعين علي نوائب الدهر وحروف الزمان وهي الابنة البارة التي تدعو لوالديها.
أشارت إلي أن الأمر حاليا اختلف عن سابقه مع تغير الظروف وتقدم الوسائل. فقد أصبحت تعتمد علي آليات السوق في كثير من أغراضها فالآن صارت تشتري الخبز من الأفران وكذلك معظم حاجاتها من المدينة. عكس ما كانت الأمور فيما سبق موضحة أننا في الواقع نجد بعض هؤلاء مازلن يحافظن علي العادات والتقاليد السابقة. فلا يحلو لهن طعام إلا من صنع أيديهن. ومازالت بعضهن تحرص علي إعداد الخبز في الأفران الريفية. حيث الطعم الشهي والنكهة الطبيعية والرائحة الطيبة وإن كانت الأفران قد تطورت فدخلها التقدم العلمي والتكنولوجي الحديث كما أن الكثيرات منهن قد أخذن بأسباب العلم فتعلمن وتوظفن وصرن يؤدين أعمال الوظيفة جنبا إلي جنب مع أعمال بيتها.
وقالت سهام إبراهيم "موظفة" إن النسوة كن يحققن اكتفاء ذاتيا لأسرهن ودخلا إضافيا إلي ميزانيتها من خلال تعظيم الاستفادة من منتجات الحقل من غسل الغلال من القمح والذرة وطحنها وتخزينها لصناعة الخبز بأنواعه أو الفطائر وغيرها مما يحتاجه المنزل إلي جانب صناعات منزلية تقوم علي منتجات الألبان في صنع جبن وزبد وكانت اسطح المنازل وحظائر الطيور الداجنة والبط والأوز والحمام وغيرها هي المصدر الأساسي للبروتين الحيواني للأسرة كما كانت ربات البيوت من الفلاحات يحملن مايزيد عن حاجتهن وأسرهن إلي أسواق القرية والمدن المجاورة والتي كانت عامرة بمنتجات الحقول من الخضراوات والبقوليات والفاكهة.
أضافت أن خصائص القرية تغيرت الآن عن الماضي فلا بقيت علي حالها قرية ولا أصبحت مدينة حيث طالت يد الإهمال الكثير من مرافقها وتخلي الكثير من الفلاحين عن رعاية أرضهم بتأجيرها أو محاولة تبويرها سعيا لتحقيق أرباح دون جهد وتحولت النسوة من منتجات للخبز والفطائر ومنتجات الألبان والبيض إلي مستهلكات هن وأسرهن يقفن طوابير وصفوفا أمام المخابز.
أوضح علي الميهي مدير الإعلام بجامعة المنوفية أن القرية المصرية تحولت في السنوات الأخيرة من قرية منتجة إلي مستهلكة. فبعد أن كانت تمد المدن المجاورة لها بما تحتاجه من غذاء أصبحت تشارك المدينة فيما يتوفر لديها من بضائع ومنتجات واختلفت سلوكيات أبناء الريف عن الماضي.
العيش البيتي..أفضل في القليوبية
القليوبية أحمد منصور:
تأثرت ثقافة الأسرة بالقليوبية باختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالمجتمع. فبعد أن كانت ربة المنزل تعتمد في أوقات الرخاء علي صناعة الخبز الفلاحي الناتج من خير الأرض الزراعية. تغيرت ثقافتها وبخاصة مع الظروف التي نعيشها الآن وأصبحت تعتمد علي شراء الخبز الحكومي من الطابونة نظراً لسهولته ورخص ثمنه.
ورغم أن هذا الاتجاه الأخير هو الغالب الآن بالمدن والقري إلا أنه مازال هناك ما يقرب من نصف ربات البيوت بالقليوبية يعتمدن علي الخبز في المنازل. لكن هذه المرة من خلال أفران الغاز المنتشرة بنسبة 90% بالمنازل عوضاً عن الفرن الفلاحي الذي يعتمد علي الأحطاب ومخلفات المحاصيل الزراعية.
û تقول صباح محمد علي.. مدرسة من كفر عطا الله ببنها: إن تقاليد الاكتفاء الذاتي لكل أسرة من الخبز تقلصت بالقرية. وأصبح لا وجود لها في ظل انحسار الأرض الزراعية التي تعدي عليها الأهالي بالبناء وسوء حالة الفلاحين. مما يضطرهم لبيع محصول القمح والذرة لسداد إيجار الأرض الزراعية الذي وصل إلي 5 آلاف جنيه للفدان. وبالتالي أصبحت أغلب الأسر الريفية تعتمد علي الخبز الحكومي من "الطابونة" لرخص ثمنه ب 5 قروش. فضلاً عن ثقافة الناس التي اعتمدت علي توفير عيش طازج من الفرن.. مشيرة إلي أنها تعتمد علي الخبز المدعم والفلاحي بحسب ظروفها كموظفة. فأحياناً ما تشتري القمح والذرة وتعطيه لخبازة مقابل 50 جنيهاً للكيلتين.
أضافت صباح عباس.. موظفة.. أن ظروف العمل تمنعني من الخبيز داخل المنزل. فرغم أنه عمل محبب إلينا وله تجهيزات من شراء الحبوب وتحميص وطحين ونخيل ثم عجين وخبيز. لكن ليس هناك وقت يسعفني. مشيرة إلي أن الظروف الاجتماعية للأسرة تغيرت. وأصبح لها سفر خارج القرية مما يساعد علي عدم لم الشمل. ومن ثم أصبح الخبيز داخل المنزل لا حاجة إليه.
أشارت د.ناهد صادق مدير المركز الطبي العام بالقناطر الخيرية ونادية مصطفي عضو مجلس محلي المحافظة السابق. إلي أن ظروف الحياة ورتمها السريع جعلتهن وأغلب ربات البيوت تعتمد علي خبز الأفران البلدية المدعم نظراً لسهولته ورخص ثمنه ويخاصة في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الحبوب لتصل إلي 400 جنيه لأردب القمح.
أما ياسمين عنتر.. ربة منزل.. فأكدت أنه رغم ظروف الحياة وصعوبتها لكنها تعتمد علي الخبز الفلاحي لأسرتها كنوع من أنواع التقاليد الريفية التي لا يمكن الاستغناء عنها. خاصة في الوقت الذي لا يكفي فيه خبز الحكومة أسرتها. حيث وصل نصيب الفرد منه إلي رغيفين في اليوم. فضلاً عن عدم صلاحيته للاستخدام الآدمي والحيواني!!
"تباهي ووجاهة" .. في بني سويف
بني سويف أسامة مصطفي:
أصبحت القرية الآن تعتمد علي منتجات المدينة. خاصة الخبز البلدي. فبعد أن كانت تقوم بإعداده في منازلها. تقوم حالياً بشرائه من المخابز سواء الموجودة في القرية أو المدينة. وأصبح شعار "قرية منتجة" في سراب!!
قال رفعت حواش من قرية رياض باشا.. لقد تحول نمط الحياة في القرية إلي الاعتماد علي المدينة وخاصة الخبز البلدي. والتي كانت تتباهي به المنازل بالقري. فقد هجرت إعداده في المنازل إلي الاعتماد علي المخابز البلدية في استهلاكها للخبز.
أرجع حسن فؤاد هنداوي "عمدة منقريش" الأسباب إلي زحف المدينة والحضارة إلي القرية. فقد أعيد بناء المنازل. فبعد أن كانت بالطوب اللبن أصبحت بالطوب والأسمنت مما أدي إلي هدم الأفران البلدية التي كانت ملحقة بكل منزل. ويقومون بشراء الخبز من المخابز البلدية المنتشرة في القري والمدنية.
أضاف أن هناك بعض المنازل القليلة تعتمد علي إعداد الخبز في المنازل. ولكن ليس عن طريق الأفران البلدية. ونظراً للتقدم والتطوير أصبح هناك أفراناً سابقة التجهيز وتعمل بالغاز. بجانب عدم وجود السيدات المتعلمات إعداد الخبز. فالبنات تذهبن إلي المدارس والكليات ووظائفهن. ولا وقت لديهن للخبيز.
قال سيد محمود "بالمعاش" من شريف باشا.. إنه كان يشترط قديماً في العروس أن تجيد إعداد الخبز البيتي وتخضع لاختبار غير مباشر من والدة العريس التي تتوجه إلي منزل العروس وتجلس بجوارها أثناء إعداد الخبز وتراها وتشاهدها وهي تعد الخبز. فإذا نجحت كانت عروساً لابنها. أما إذا رسبت في الاختبار فلا تعود إلي المنزل مرة أخري. وعليها أن تبحث عن غيرها.
أما أسامة الشيخ.. فقال: أصبحت هناك ندرة في المنازل بالقري التي تعتمد علي الخبز البيتي. فقد هجرت المرأة الريفية الخبيز. نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. فالخبيز مكلف ولا يقدر عليه إلا القادرين. إلي جانب انقراض الجيل القديم من السيدات وربات البيوت. فضلاً عن أن التعليم وانتشاره بالقري ساعد علي ترك هذه العادة وأصبح الأهالي يعتمدون علي شراء الخبز المدعم من المخابز لرخصه وإتاحته للجميع.
أكد ماهر فهمي "بالمعاش" من الفشن.. أنه كان عيباً أن يشتري ابن الريف العيش البلدي من المخابز. فقد كان من الوجاهة المطلوبة في الريف أن يتباهي الناس بإعداد الخبز في المنازل. ويقومو بتوزيعه علي الجيران أيضاً. أما الآن فإن الأفران البلدية أصبحت من الأشياء الأثرية التي لا يحتفظ بها سوي منازل قليلة جداً في القري.
أرجع المهندس سامي عزيز.. مدير مديرية التموين ببني سويف أسباب هجر المرأة الريفية عادة إعداد الخبز في منزلها إلي عدم وجود دقيق بلدي مدعم بالمستودعات التي تم إلغاؤها منذ عدة سنوات وأصبح الدقيق البلدي المدعم مربوطاً علي المخابز البلدية فقط. وأصبحت المرأة الريفية تعد خبزها في المواسم فقط. وإذا وجدت الدقيق!!
أضاف: متي يمكن عودة المرأة الريفية إلي الخبيز؟!.. فإنه يجب إعادة مستودعات الدقيق التي كانت منتشرة في القري لبيع الدقيق بأسعار من خلال الجمعيات الفئوية التي ألغيت أيضاً.
أكد عزيز أن بني سويف تستهلك شهرياً 1118 طن دقيق بلدي شهرياً. وهذه الحصة منذ عام 1990 ولم تزد سوي 10% فقط. نظراً لزيادة عدد السكان. ورغم ذلك زادت عدد المخابز بقري ومدن المحافظة وأصبحت 1002 مخبز. منها 818 "بلدي" و184 "طباقي" ومن المخابز البلدية ما تعمل ب 4 أجولة فقط.. وهي لا تكفي حاجة أهالي القرية الذين لا يقل عددهم عن 3 أو 4 آلاف نسمة في أي قرية.
فن وأصول.. بسوهاج
سوهاج محمد أحمد
مازالت المرأة في سوهاج خاصة في القري تحافظ علي صناعة وعمل "العيش الشمسي" في الفرن المصنوع من الطين أو في الأفران الحديثة بالبوتاجاز أو الكهرباء. فالكثير من السيدات يقمن بصنعه لما يتميز به من حلاوة وطعم ومذاق جميل غير أن هناك البعض من النساء خاصة الموظفات بالمدن في الفترة الأخيرة فضلن الابتعاد عن عمل أو صنع "العيش الشمسي".
تقول الست سعدية ربة منزل : العيش الشمسي من سنين وأنا بأعماله. والبيت كله يأكل منه. زوجي وأولادي السبعة وأسرهم. كما أن ابني في القاهرة لابد أن أرسل له كل فترة كرتونة مملوءة بالعيش الشمسي. وهو في كل مرة يؤكد عليه فلا يستطيع أن يأكل غيره أما بالنسبة للخبز الحالي والذي يتم توزيعه من الأفران البلدي فليس له طعم وأنا عمري ما أكلته. ومرة واحة ذقته . الصراحة حرام يبقي عيش.
أما أم أبو العباس ربة منزل تجاوز عمرها الستين ويقولون عنها إنها أفضل من تصنع العيش الشمسي في قرية الحما بطما فتقول العيش الشمسي من ألذ وأطعم ما نأكله فله مذاق وطعم خاص. وله فن وأصول لكي يخرج بتلك الصورة وأمهات زمان هن اللاتي كن يصنعن الخبز الشمسي بطعمه المعهود. مشيرة إلي أن الخبيز يمر بالعديد من المراحل ففي ليلة الخبيز لابد للمرأة أن تقوم بخلط الدقيق بالماء لعمل ما يسمي الخميرة. ثم في الصباح تقوم بمرحلة العجين وهذه أصعب مرحلة حيث تقوم بوضع قليل من الملح في مقدار من المياه داخل الإناء ثم إضافة خميرة البيرة. فالدقيق بعدها تبدأ عملية "تقريص" العجين ثم يتم خلطها مع خميرة الليل ثم تبدأ مرحلة تقطيعه إلي قرص صغيرة. ترص علي أطباق أو "مقارص" تم صنعها خصيصاً للعيش الشمسي بعد أن يتم فردها بالردة. بعدها تتم عملية التجريح للتأكد من تخمر الخبز. ثم تبدأ مرحلة فرده باليد. ويترك بعدها تحت أشعة الشمس حتي يتخمر مع مراعاة تقلبيه علي الوجهين. وبعد الشعور بأن ملمسه قد تغير تبدأ عملية "التشقيق" التي تأخذ شكل دائرة حول الرغيف بواسطة السكين. بعدها يتم إدخاله الفرن البلدي. رغيفاً تلو الآخر. عن طريق المطرحة التي تشبه المضرب الخشبي. ويترك حتي يحمر وجهه. ثم يتم إخراجه بالصورة النهائية التي نراه فيها.
التقينا بنجوي إبراهيم موظفة: تقول: أنا والأسرة لا نعرف غير العيش الشمسي لأن له طعماً جميلاً وأنا كمدرسة أخبز كل يوم جمعة حيث إنه يوم الإجازة وأستطيع إنهاء الخبز في ذلك اليوم كما أن زوجي والأولاد يفضلونه عن الخبز البلدي من الأفران. كما أن الدقيق متوفر والحمد لله فلا عناء ولا تعب لأننا تعودنا علي ذلك.
أما آمال أبو زيد سكرتيرة بالصحة بسوهاج فتقول: نعتمد بصراحة علي الخبز البلدي لأننا نعيش داخل مدينة بالإضافة إلي أن هذا يوفر الوقت والجهد. نعم نعاني في الحصول عليه أحياناً لكننا نضطر إلي شرائه بكمية كبيرة تكفي ليومين مشيرة إلي أن الأولاد أخذوا علي طعمه وتعودوا عليه وهو جيد معهم.
تضيف نانسي عبدالشهيد "موظفة" أنها والأسرة المكونة من زوجها وولدين وبنت يحصلون يومياً علي الخبز البلدي من الأفران التي توجد في المنطقة كما أنه متوفر أما بالنسبة للعيش الشمسي فلا تعرف كيف تقوم بعمله وهو يحتاج جهداً وافراً ووقتاً وتقول: أنا كموظفة ليس لدي الوقت خاصة أن أولادها يحتاجون إلي دروس ومتابعة. نعم أفتقد زوجي العيش الشمسي بعد الزواج لكن ماذا نفعل في تلك الظروف؟
توضح الست أم أحمد ربة منزل من قرية السلاموني أن المرأة تعلم أن الأسرة خاصة في القري لا تحب غير أكل العيش الشمسي الذي يعتمد علي قوة المرأة خاصة في مرحلة العجين وتؤكد علي أن وجود الشمس عنصر أساسي لاختمار العيش ومن دونها لن يتخمر ويرتفع عن موضعه "ينتفش". كما أن العجين عندما يغطي مكانه في "الطباقة أو المقارص" الذي وضع عليه الرغيف يعني هذا أن عملية الخبيز نجحت. إضافة إلي أن عملية الخبيز أحياناً في بعض البيوت تحتاج لأكثر من سيدة لتقوم كل واحدة بدورها. فهناك من تقطع وأخري ترص وثالثة "تحمي" الفرن. مشيرة إلي أن جميع نساء العائلة الواحدة داخل البيوت الصعيدية يشركن في عملية الخبيز. كما أن الأفران الطينية أفضل لنضج الرغيف الشمسي من الأفران الحديثة.
أما لمياء حمودي وكيل مدرسة السياحة والفندقية بالكوثر فتشير إلي أن طعم العيش الشمسي جميل لكن الظروف اختلفت فهي وولدها وبنتها يعتمدون علي الخبز البلدي من الأفران لأنهم يعيشون في المدينة.
وتشير عفاف عبدالجواد الجارحي مدير عام بالتربية والتعليم إلي أن المرأة الريفية مازالت تحفظ علي وجود العيش الشمسي خاصة في القري حيث يتوافر القمح بجانب دقيق التموين كما أنها تجد أيضاً بعض السيدات في المدينة يحرصن علي صنعه من خلال الفرن التي تعمل بالبوتاجاز.
تؤكد مايسة الشريف المدير التنفيذي لتحسين الصحة بسوهاج علي أن المرأة مازالت تحافظ علي أصالة القديم الذي يتمثل في صنع وعمل الخبيز الشمسي بيديها.
أضاف محمد ثابت أبو الحمد أخصائي نفسي أنه في القري مازال كل بيت يخبز خبزه بنفسه في فرنه الخاص المصنوع من الطين. والذي يوقد فيه نوع من الوقود المصنع يدوياً من بقايا النباتات والقش وخلافه. ويصنع الخبز في المنزل بعد توفير القمح وتنقيته وطحنه وعجنه. ويخبز كل أسبوع أو أقل حسب سرعة استهلاكه.
طقوس "الخبيز" .. بالمنيا
المنيا مصطفي عبيد:
بعد أن كانت الأفران البلدية منتشرة في بيوت الفلاحين بقري المنيا لإنتاج الخبز البلدي. والتي كانت تعتبر المصدر الرئيسي للحصول علي "العيش". تحولت الصورة الآن إلي فلاح يربط حماره أمام المخبز وينتظر دوره في طابور العيش. أو حصته من اشتراكات الخبز المدعم.
تقول عطيات أحمد محمد "70 سنة".. من قرية زهرة: كنا زمان ننتج الخبز البتاو والشمسي ونقيم الأفراد البلدية داخل القري.. ولإنتاج العيش الشامي نقوم بطحن الدرة ليصير دقيقاً نعجنه. ثم نتركه يختمر في العجانة. ويجهز لوضعه بالفرن. وكان مذاقه جميلاً. ويظل طازجاً أكثر من أسبوع.
أضافت: الآن نخبز العيش البلدي الذي نفضله علي عيش "الطابونة" لأنه أجمل وأحلي.
قالت: إن صناعة الخبز عمل جماعي تشترك فيه أكثر من سيدة لتقوم كل واحدة بدورها. فهناك من تقطع وأخري تدخل العجين إلي الفرن وثالثة تحمي الفرن.. ولذا في الريف المصري دائماً ما تجد أن نساء العائلة الواحدة تتعاون في عملية "الخبيز" وفي النهاية يتم تقسيم المنتج من الخبز عليهن بالتساوي.
أكدت فاطمة حسين أن العيش البلدي الشمسي هو الأساس. فهو أفضل من الخبز المدعم. لأن خبز المنزل مضمون من حيث نظافته. بخلاف العيش الأفرنجي المدعم المملوء بالحشرات والمسامير وأعقاب السجائر. كما أن العيش المصنوع بالمنزل تتوافر به كل العناصر الغذائية. فهو صحي وأوفر وأسهل.
أضافت أن هناك طقوساً ورثناها عن أجدادنا بالريف أثناء صناعة الخبز.. وإعداد الخبيز البيتي. حيث نبدأ أولاً بالتسمية والتشهد وقراءة الفاتحة قبل الشروع في أي مرحلة من مراحل إنتاجه إلي جانب الدعاء وقت إشعال الفرن وهو:
"يا حفيظ.. يا حفيظ.. لا تقربنا منها ولا تعذبنا بنارها".
ومن الطقوس المتوارثة للجلوس أمام الفرن ألا تكون المرأة الجالسة أمام الفرن غاضبة أو باكية أو حزينة حتي لا يصيبها أذي من ملائكة الفرن. فتصاب بالعمي علي حد قولهم.
وقالت إنه يجب علي المرأة بعد الانتهاء من نخل الدقيق وضع قطعة من الخبز في وسط المنخل لدوام نعمته وتظل به إلي موعد الخبز القادم فتستبدل بأخري جديدة.. ويتم رسم دائرة بإصبع السبابة باليد اليمني داخل القرص الأول من العجين وهي عادة متوارثة منذ زمن الفراعنة وبعض النساء يفعلن ذلك كنوع من الموروث الشعبي عن أمهاتهن.
وأكدت سلمي خليفة أحمد "مدرسة" أنه نظراً لضيق الوقت والجهد لدي السيدة العاملة. حيث إن صناعة الخبز تحتاج إلي وقت.. لهذا فإن تلك الأسر تستخدم الخبز المدعم رغم صناعته الرديئة.
صناعة الخبز وخصوصا البتاو والشمس.
وأكدت بثينة عبدالرحمن أحمد "موظفة" أن أهالي القرية قديما لا يستطعون شراء الخبز المدعم من المخابزر. لأنه كان عيبًا وعارًا علي الأسرة لكن الأمر حاليًا أصبح عاديًا فأغلب أهالي القري يقومون بشراء الخبز من المخابز توفيرًا للوقت والجهد وأوضحت أن زيادة عدد المخابز المدعمة وتوزيع الخبز المدعم عن طريق الاشتراكات حتي باب المنازل دفع الفلاح حاليا للانتظار أمام المخبز للحصول علي حصته من الخبز المدعم.
وتقول نجوي حكيم عزيز من قرية الدوادية والتي قامت بإقامة مشروع مدشة للقمح بالقرية. إن صناعة الخبز البيتي يتطلب مهارة واتقان في عجنه وتخميره. بالإضافة إلي الصبر والقوة من السيدة أو مجموعة من السيدات لإخراج العيش البيتي في صورة جيدة وقد يؤدي التقصير في أي مرحلة من مراحل انتاجه إلي فشل الخبيز نهائياً.
أضافت أن عملية الخبيز تستغرق يومًا كاملاً بداية من خلط الدقيق بالماء ووصولاً إلي خروجه في شكله النهائي. وللخبيز البيتي أنواع كثيرة منها الخبز الشمسي والفايش والجراية والبتاو والقروص والقرقوشي والخبز المرحرح والفلاحي.
أشارت إلي أن هناك فلاحات يقمن بصناعة هذه الأنواع في الأرياف وبيعها في المدن وهي تجارة رابحة ولقمة عيش لهن ولأسرهن.
طوابير المخابز.. بالبحيرة
البحيرة حمدي بكر:
تقول سعاد ناموس إخصائية اجتماعية من قرية معنياً بمركز إيتاي البارود تنفق الحكومة سنوياً 8.13 مليار جنيه علي دعم رغيف الخبز في مصر ورغم المليارات الطائلة والكميات الهائلة للخبز المدعم. لايزال المصريون يصطفون في طوابير من أجل الحصول علي رغيف الخبز.
وتذهب حكومة وتأتي أخري ويظل المواطن المطحون يبحث عن رغيف عيش. فعجزت الحكومات المتلاحقة الأخيرة في حل المشكلة وانتهت المائة يوم التي وعد فيها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بحل الأزمة ولكن بدون جدوي. ليصبح الحصول علي رغيف العيش المدعم بطريقة آدمية تحفظ كرامته حلماً بعيد المنال.
أضافت أنه وعلي الصعيد الشعبي لا يزال المواطنون يعانون أشد المعاناة في الحصول علي رغيف عيش.
تقول أم فتحي من قرية النشو بإيتاي البارود: إنها تجلس علي الرصيف أمام الكشك بجوار المخبز مع باقي السيدات بعد صلاة الفجر لتأخذ دوراً متقدماً في الطابور حتي تحصل علي الخبز قبل نفاده واستمرت في وصف معاناتها وطريقة تعامل البائع معها وعشرات الألفاظ النابية التي تسمعها فترة انتظارها للحصول علي الخبز.
أضافت "وياريت بعد كل العذاب ده ناخد عيش كويس. فالعيش ندي وفيه صراصير وكأنه رايح لمواشي مش لبشر ورغم دا مضطرين ولو معانا ثمن العيش أبو ربع جنيه مكنتش وقفت واتبهدلت البهدلة ديه".
وأكدت عزيزة.ق ربة منزل : أن الطوابير التي تمتد لمسافات طويلة تشهد مشاجرات ومشادات واشتباكات بالأيدي أحياناً لتسابق علي الأدوار في الحصول علي رغيف خبز غير صالح للاستخدام الآدمي.
وأرجعت فتحية.ص ربة منزل من جبارس: سبب المشكلة إلي سرقة أصحاب المخابز للدقيق وشراء بعض المواطنين هذا الخبز للحيوانات بدلاً من العلف. وغياب الرقابة علي المخابز.
وتري أميرة حامد ربة منزل : أن المشكلة قبل وبعد الثورة كما هي فالطوابير موجودة وسرقة الدقيق وغياب الضمير واختفاء الرقابة والفكر العقيم للحكومات التي عجزت علي حل مشكلة صغيرة رغم قيامنا بثورة أبهرت العالم.
أما عن الأفران البلدي في الريف فتتميز بإنتاج رغيف العيش البلدي الذي يؤكل "حاف" كما أشارت خيرية الشافعي ربة منزل إلي أن الفرن البلدي من مميزاته أيضاً خيز الكعك في مناسبات الأفراح والأعياد والفطير المشلتت والرقاق ودس أبرمة الأرز.
وتؤكد سامية أحمد ربة منزل أن الريف لو عاد لأصله وجذوره ستستقر مص ويزيد النتاج من أهل الريف وتنتج الأرض خير ثمارها ومحصولها. وطالبت المسئولين عن الإعلام في القنوات الفضائية زيادة البرامج الزراعية التي تشجع الفلاح علي الإنتاج. وناشدت الريفيات بإنتاج خبزهن داخل منازلهن للحد من ظاهرة الزحام في طوابير المخابز.
من جانبه أكد المحافظ المهندس مختار الحملاوي علي اهتمامه ودعمه لأبناء الريف لتصبح قري البحيرة منتجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.