منذ ما يقرب من 5 آلاف عام برع المصري القديم في فن صناعة الألباستر حيث كان يعكف علي حجر صلب ويعبث في تفاصيله بأنامله الصغيرة ليحوله إلي قطعة أثرية غاية في الجمال تجذب الناظر إليها وتجعله مشدوداً أمامها. لم يضن الفنان المصري القديم علي أحفاده. فترك لهم خطوات هذا الفن علي جدران معابده ليكملوا من بعده المسيرة ولم يكن يخطر في باله أن يأتي اليوم الذي يسوء فيه حال أحفاده الذين راهنوا علي هذه الصناعة فامتهنوها أسوة بأجدادهم. "المساء" انتقلت إلي قرية القرنة القديمة علي بعد حوالي 9 كيلو مترات من نهر النيل غرب الأقصر حيث يوجد بها ما يزيد علي 70 مصنعاً وورشة ويواجه فنانو صناعة الألباستر الذين يتمركزون فيها مشاكل عديدة تهدد بانهيار صنعتهم بدءاً من موسم الكساد "الصيف" مروراً بارتفاع سعر المادة الخام وركود حركة البيع وانتهاءً بمنافسة الأونيكس الباكستاني الصنع. * في البداية يقول محمد عوض "37 سنة" حاصل علي معهد سياحة وفنادق يعمل في صناعة الألباستر منذ 25 عاماً ورث المهنة عن جده الذي يطلق عليه أهالي القرنة "أبو الألباستر" لبراعته في تشكيله فضلاً عن كونه واحداً من الذين شاركوا في تطويره بإضافة أشكال فنية ساهمت في ضخ دماء جديدة مكنت تلك الصناعة من البقاء.. مشكلتنا الرئيسية تتمثل في عدم وجود معارض لعرض منتجاتنا من الألباستر ونحن لا نملك الامكانيات لإقامة معارض خاصة. مؤكداً أن المعارض القائمة في البر الغربي يمتلكها رجال أعمال هم المتحكمون في السوق ليحصلوا علي المنتجات من أصحاب الورش الصغيرة بثمن بخس. أضاف أن أصحاب هذه المعارض لديهم العذر في ذلك بسبب قلة عدد السياح وعدم إقبالهم علي الشراء نتيجة الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت معظم البلدان الغربية.. مشيراً إلي أن سعر المادة الخام المتمثلة في حجر الألباستر والغراء والشمع والقماش والسنفرة ارتفع. بينما سعر المنتج ثابت منذ عدة سنوات. وأوضح أن هذه المهنة كانت تدر دخلاً كبيراً علي أصحابها لأن سعرها آنذاك كان مناسباً والمادة الخام متوافرة ورخيصة علي عكس الوضع القائم. تحديات * يسرد خالد علي "35 سنة" معاناة فناني هذه الصناعة والذين يقرب عددهم من الألفين في "القرنة" وكان جالساً علي الأرض ويمسك بيديه "شاكوش" ثم التقط حجراً من الألباستر وراح في تشكيله... صناعة الألباستر تواجه تحدياً خطيراً في ظل الكساد التجاري الذي يطوق رقابنا والديون التي تحاصرنا.. مشيراً إلي أن موسم الصيف الذي يبدأ في أبريل وينتهي في نوفمبر يمر ثقيلاً علي الصنايعية حيث لا بيع ولا شراء وفي موسم الرواج "الشتاء" تتجدد المعاناة مع ارتفاع سعر المادة الخام "حجر الألباستر" مما يهدد هذه الصناعة التي توارثناها جيلاً وراء جيل منذ أقدم العصور. إنشاء نقابة * محمود علي "30 سنة": "والله لو الحكومة تشغلني ب 300 جنيه في الشهر مشتغل الشغلانة دي" ويضيف: نعتمد في أكل العيش اعتماداً كلياً علي الألباستر وهو مصدر دخلنا وتوقفنا عن تعليم أولادنا الصنعة دي زي ما آبائنا علمونا لأننا ندرك أنه ليس لها مستقبل. وأشار إلي أن صنايعية قفلوا ورشهم وفتحوا مقاهي واشتغلوا عمال حفريات بسبب انهيار صناعة الألباستر وحتي أن العاملين في هذه المهنة ليس لهم معاش ولا تأمين صحي.. ويحلم بإنشاء نقابة لحرفيي هذه الصناعة لجمع شملهم والدفاع عن حقوقهم وتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة لهم لضمان استمرارية الحياة. * قال عم ابراهيم بنبرة محتقنة وكان يجلس علي أريكته أمام ورشته: المسئولون "فاكرين" أن أهالي القرنة ناس مبسوطة وتقوم ببيع الآثار و"نايمين" علي صناديق مملوءة بالأموال والحقيقة أن هؤلاء الناس دائماً تحتار في العشا! * حمدي محمد محمود "مرشد سياحي": تعود جذور هذه الصناعة إلي العهد الفرعوني حيث ترك قدماء المصريين خطواتها علي جدران مقبرة "رخمي راع" في مقابر النبلة وفي احدي مقابر وادي الملوك.. مشيراً إلي أنه في العصر الحديث اشتهرت عائلة أبو عطية بهذه الصناعة وكان جدهم محمد النجار العادلي قد جدد وطور في أشكال الألباستر منذ 90 عاماً تقريباً. أوضح أن معظم العاملين في تلك الصناعة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم وأخذت تنتقل عبر الأجيال وانتشرت هذه المهنة في البر الغربي حتي أصبح ما يزيد علي 60% من أهالي القرية يعملون بها.