ليس من شك أن هناك قطاعاً كبيراً من القضاة رافضا للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي وحصن فيه القرارات التي يصدرها سواء السابقة أو اللاحقة.. وقد انعكس هذا الرفض علي الدستور الذي تم اعداده وتقرر طرحه للاستفتاء يوم 15 ديسمبر الحالي. وجاء هذا الانعكاس في صورة إعلان الكثير من القضاة رفضهم الإشراف علي الاستفتاء احتجاجا منهم علي أن الإعلان الدستوري انتقص من اختصاصاتهم. إلي جانب عدم الرضا علي بعض مواد الدستورالجديد. إذن.. لابد من الاعتراف بوجود نسبة كبيرة من القضاة غير راضين عن الاعلان الدستوري.. وهذا الأمر جعل هناك حالة شد وجذب بين القضاة ومؤسسة الرئاسة.. وكان من الطبيعي أن تنتصر جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة للرئيس وقراراته وان تناصب القضاة العداء. ويتجلي هذا العداء في النداءات والهتافات الصارخة من كل المنتمين للتيار الاسلامي والإخوان خاصة. والتي تقول: الشعب يريد تطهير القضاء. وتطهير القضاء يعني إقصاء من يتهمهم الإخوان بأنهم انغمسوا في السياسة وينفذون أجندة لصالح النظام السابق. مثل حل مجلس الشعب.. وما كان منتظرا من وجهة نظرهم من حل مجلس الشوري وحل الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور. والسؤال هنا: كم عدد القضاة المفروض اقصاؤهم تنفيذا لمطالب المنادين بالتطهير؟! هل الأمر يقتصر علي اعضاء المحكمة الدستورية العليا التي اتهموها بتسييس أحكامها؟! أو علي الأقل بعض اعضائها؟! أم أن التطهير يجب أن يمتد الي معظم أعضاء نادي القضاة وبينهم رئيسه المستشار أحمد الزند؟! أم يجب ان يمتد أيضا إلي قضاة مجلس الدولة ومحاكمه الإدارية بدرجاتها؟ أم أعضاء نادي النيابة الإدارية الذين اتخذوا قرارا بمقاطعة الاستفتاء؟! كل هذه الأسئلة تحتاج إلي إجابة ممن يطالبون بتطهير القضاء.. وأكرر السؤال: كم عدد القضاة الذين يجب اقصاؤهم في ظل المواقف والاوضاع التي عرضتها حتي يتم ارضاء من يطالبون بالتطهير؟! وإذا كان عدد القضاة في مصر يقارب 15 ألف قاض فهل المطلوب في هذه الحالة ان نقصي عشرة آلاف منهم أو سبعة أو ثمانية آلاف ليتحقق المراد؟! ما من خطاب يلقيه الرئيس الدكتور محمد مرسي في أية مناسبة إلا ويؤكد دائما علي احترامه للقضاء. وانه ميزان العدالة. وحامي حمي الشعب من أي جور يقع عليه.. فكيف إذن نوفق بين تصريحات الذين يوجهون اتهاماتهم للقضاة وبين تأكيدات الرئيس علي احترامهم والاشادة بهم؟! هناك الآن حالة انفصام شديدة في المجتمع المصري لا مثيل لها من قبل.. ما حدث الليلة الماضية في محيط قصر الاتحادية شيء مؤلم وموجع ويجعلنا نفقد الامل في انفراجة قريبة لحالة التردي التي نعيشها. ما يؤلمنا في هذه الاحداث ان هناك نظرة دونية للمعارضين واتهامات بأنهم من الفلول. أو عملاء للفلول.. وما لم تتغير هذه النظرة ونعترف بأن هناك معارضة حقيقية موجودة علي الساحة السياسية ويجب أخذها في الاعتبار واحترامها سنظل نعيش في دائرة سوداء لا نتلمس فيها طريقا واضحا للمستقبل.