أكد د.يسري أبوشادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق أن هناك أزمة حتمية للطاقة في مصر. ولابد من تنفيذ المشروع النووي المقرر إقامته علي أرض الضبعة. فنحو 80% من الطاقة الكهربائية تتولد بالغاز الطبيعي. و10% بالبترول المستورد ومثلها يأتي من السد العالي وخزان أسوان. الأمر الذي يعني أن النهضة المأمولة لن تتحقق دون إنجاز المشروع النووي الذي تسعي دول في مقدمتها أمريكا وإسرائيل لتعطيله رغم التطور الذي تعيشه دول كثيرة حولنا. فالسعودية مثلاً تنشيء حالياً 17 مفاعلاً لتوليد الكهرباء. وإيران والإمارات 10 مفاعلات لكل منهما وفي فرنسا 60 مفاعلاً تصدر من خلالها الكهرباء لأوروبا كلها بخلاف المفاعلات الموجودة في إسرائيل. د.يسري أبوشادي تخرج في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف 1971. وعين معيداً وترقي حتي وصل لدرجة رئيس قسم الهندسة النووية بالكلية. وعمل في البرامج النووية لأكثر من 40 دولة. ولديه خبرة واسعة في حسابات وتصميم المفاعلات النووية حتي وصل إلي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية ورئيس قسم الضمانات في نهاية مايو 2009. وحاز جوائز عديدة. منها جائزة نوبل عام 2005 بالمشاركة مع الوكالة الدولية. وجائزة الوكالة الدولية للامتياز في العمل 2003 وجائزة جامعة الإسكندرية التشجيعية عام ..1981"المساء" حاورت د.يسري أبوشادي للتعرف علي آرائه في البرنامج النووي لمصر. وكواليس وأسرار الوكالة الدولية وكيفية صناعة القرار فيها. وغيرها من القضايا.. وإلي نص الحوار: * حدثنا عن كيفية دخولك للمجال النووي؟ ** عشقت المجال النووي واليورانيوم منذ صغري. وكنت دائم القراءة فيه. وبعد استشهاد والدي في حرب فلسطين 48 تولاني عمي بالرعاية. وحصلت علي الثانوية العامة من مدرسة التوفيقية بالقاهرة وكنت من أوائلها وسافرت للإسكندرية وتقدمت لكلية الهندسة لدراسة ما أحب وتحقيق حلم ظل يراودني فترة طويلة وهو دراسة الهندسة النووية. * ما رؤيتك للبحث العلمي في مصر؟ ** البحث العلمي في مصر لا يزال حبيس الأدراج لا يبرحها لحيز التنفيذ فالكليات العملية تدرس المواد لطلابها نظرياً. وهو ما يؤدي لاصطدام الخريج بسوق العمل. فهو غير مؤهل عملياً له. وعندما فرغت من أعمالي خارج مصر عدت إليها محاولاً تغيير نظرة العالم كله للصناعة المصرية في مجال الطاقة النووية. وشكلت فريق عمل مكوناً من 10 طلاب بقسم الهندسة النووية بالإسكندرية. لتصنيع نموذج متكامل لأول مفاعل نووي مصري 100%. وسيتم الانتهاء منه بنهاية العام الدراسي الجاري. وهو عبارة عن نموذج لمفاعل دون استخدام الوقود النووي أو اليورانيوم ورغم أن تكلفة المشروع نحو مليون جنيه فلم تتقدم جهة واحدة لدعمه. * صف لنا هذا النموذج؟ ** يبلغ ارتفاع النموذج متراً واحداً وعرضه 60 سنتيمترا. بمقياس 1/10 من مقياس المفاعل الحقيقي. ومن ثم فإنه يسهل وضعه في الكلية. والهدف منه إثبات ذات المبتكر المصري وفرضها علي ساحة الصناعة النووية. وتدريب الطلاب عمليا علي ما درسوه نظرياً. فالهندسة النووية هي مستقبل مصر وكان اهتمام الرئيس د.مرسي بهذا المجال أقوي أسباب دعمي له. فضلاً علي كونه أستاذاً جامعياً يدرك خطورة نقص الطاقة في مصر. * هل مصر مقبلة علي أزمة في الطاقة؟! ** نعم.. مصر تقترب حالياً من أزمة حتمية في الطاقة. وأولي خطوات النهضة تأتي بتنفيذ مشروعها النووي المقرر إقامته علي أرض الضبعة ولا نهضة دون تحقق هذا المشروع لتفادي أزمة طاقة حقيقية ستواجه مصر قريباً. وقد شعرنا جميعاً ببوادرها عند انقطاع الكهرباء في الفترات الماضية. والسبب في ذلك أن 80% من كهرباء مصر تتولد من الغاز الطبيعي. و10% من البترول المستورد ومثلها من السد العالي وخزان أسوان. ولهذا فإنه يجب خلق موارد جديدة للطاقة تغنينا عن الاعتماد علي الغاز الطبيعي الآخذ في النضوب إن عاجلاً أو آجلاً. * ما الخطوات المطلوبة لإنجاز المشروع النووي؟ ** ثمة عدة خطوات يجب اتخاذها للبدء فعلياً في تنفيذ مشروع مصر النووي المقرر إنشاؤه علي أرض الضبعة بمرسي مطروح. أولاها: التفاوض مع أهل الضبعة وتطمينهم ودفع التعويضات اللازمة لهم بأسعار اليوم. وذلك أمر سهل. فالأرض المخصصة لهيئة الطاقة النووية بوزارة الكهرباء تبلغ 60 كيلو متراً مربعاً وهي مساحة كبيرة للغاية تزيد علي حاجة 4 مفاعلات نووية وبالفعل تقدمت بمشروع لإنشاء مثل هذا العدد علي مساحة 20 كيلو متراً مربعاً فقط. ويمكن بيع بقية المساحة للمستثمرين لدفع التعويضات اللازمة لأهالي الضبعة دون أن تتكلف ميزانية الدولة قرشاً واحداً. ثانيتها : اتخاذ وزارة الكهرباء الإجراءات التنفيذية للإعلان عن مناقصة لأول مفاعل نووي بمصر. علي أن تتضمن المناقصة مفاعلين وليس مفاعلاً واحداً. ثالثتها : ألا تزيد مدة تقديم الشركات لعروضها علي 3 أو 4 أشهر علي الأكثر لتجنب محاولات إفشال المناقصة. أما رابعة الخطوات فينبغي دفع نسبة المشاركين المصريين لأكثر من 30% في المفاعل الأول و50% في الثاني. و75% في الثالث حتي نصل في الرابع إلي صناعة مفاعل نووي مصري بنسبة 100% ثم يبدأ تشغيل أول مفاعل طاقة كهربية بالوقود النووي نهاية عام .2018 لا خوف من الضبعة * وماذا عن الضبعة؟! ** يحتاج إنشاء محطة الضبعة النووية لنحو 4 مليارات دولار. ولا خوف مطلقاً من البناء بجوار أراضي الضبعة. أو استغلالها كقري سياحية أو مبان سكنية فالتقدم والتطور الذي تحقق في المجال النووي يتيح أقصي درجات السلامة ويحول دون وقوع أي تسريبات إشعاعية. وحتي لو حدث ذلك قصداً. فإن المفاعل يجري تعطيله بحيث لا يصل لدرجة التسرب. والدليل ما حدث في مفاعل فوكوشيما الذي دمره الزلزال مؤخراً لم يتسرب منه إشعاع قط. وجري تهجير لسكان المنطقة المجاورة بسبب انهيار منازلها لا بسبب التسرب الاشعاعي. * هل هناك أي معوقات ضد المشروع النووي المصري؟ * هناك دول تسعي لتعطيل البرنامج النووي لمصر. ولها أياد خفية داخل مصر. ومنها أمريكا وإسرائيل. رغم التطور الذي أحدثته دول مجاورة في هذا المجال. فالسعودية تنشيء حالياً 17 مفاعلاً وإيران والإمارات 10 مفاعلات لكل منهما. فضلاً عن وجود 100 مفاعل في أمريكا و60 مفاعلاً في فرنسا تولد من خلالها كهرباء تصدرها لأوروبا بأكملها. ناهيك عما تملكه إسرائيل من مفاعلات نووية غير خاضعة للإشراف الدولي مثل مفاعل ديمونة. بالاضافة لما يقرب من 300 رأس نووية أخري. تحكم أمريكي * حدثنا عن كيفية صناعة القرار داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية..؟! ** بحكم شغلي لمنصب كبير مفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنني القول إن المخابرات الأمريكية CIA تتحكم في صنع القرار بالوكالة الدولية. وهذه السيطرة تخدم أهدافاً سياسية واستراتيجية لأمريكا بالشرق الأوسط علي وجه الخصوص. وعلي الرغم من كذب معظم هذه التقارير فإنها تلقي موافقة من مديري الوكالة الذين سمح بعضهم بتمرير عدد منها ضد مصر فكانت سبباً رئيسياً في تعطيل برنامجها النووي حتي اليوم. * وماذا عن تقارير الوكالة الدولية عن العراق؟ * كنت ضمن المفتشين علي العراق قبل الحرب. وكان التقرير الذي رفعته للوكالة يؤكد علي وصول الطاقة النووية بالعراق لمستوي الصفر. أي انعدام أي استخدامات نووية سلماً أو حرباً بالعراق؟ لكني فوجئت بمدير الوكالة وقتها يعلن أن الوكالة لم تعثر علي أدلة كافية علي صحة الاتهامات والمزاعم الأمريكية. ولا تستطيع حسم الموقف. وطلب مهلة للتأكد من صحة هذه الاتهامات وهو ما كان السبب الثالث لإعلان أمريكا حربها علي البلد الشقيق. واجهت الضغوط * حدثنا عن مواقفك داخل الوكالة طيلة مشوارك الطويل فيها؟ ** عملت بالوكالة أكثر من 25 عاماً. لم أستسلم خلالها لأي ضغوط مورست ضدي لتغيير موقفي من بعض الملفات. مثل الملف النووي لكوريا الشمالية. وكنت دائم الخلاف مع مدير الوكالة لدرجة تقديم استقالتي في 2008 عندما وصلت الأمور لحدود غير مقبولة. وأعلنت رفضي لتقارير المخابرات الأمريكية ولم تقبل استقالتي وجري تحويلي للشئون القانونية بالوكالة لظهوري في وسائل الإعلام وكثرة انتقادي لموقف الوكالة والمخابرات الأمريكية من الملف النووي السوري والموقف من إسرائيل التي ذكرت اسمها في أكثر من تقرير. وللأسف كان يجري حذف كل ما يتعلق بها أو يقال عنها قبل صدور التقارير النهائية.