رغم أننا لم نعلن الحرب على إسرائيل، ورغم أننا لم نعلن انسحابنا من معاهدة السلام، بل يؤكد ((الجميع)) بمناسبة وبدون مناسبة على الالتزام بها وبأخواتها من اتفاقيات الغاز والكويز والسياحة.. الخ ورغم أننا لم ندفع بأى قوات إضافية إلى سيناء بالمخالفة للإعداد المسموح لنا بها بموجب المادة الرابعة من المعاهدة.. ورغم أننا لم نرتكب أى فعل عسكرى أو اقتصادى أو دبلوماسى يمكن تفسيره على أنه انتهاك لأحكام المعاهدة.. ورغم أننا نؤكد كل يوم على التمسك بالعلاقات الإستراتيجية والخاصة مع الولايات المتحدة! رغم كل هذا الالتزام المصرى الرسمى بالصراط المستقيم على الطريقة الأمريكية الإسرائيلية المباركية، إلا أن الأمريكان لم يتوانوا فى الأسابيع الماضية عن تهديدنا تهديدات صريحة وواضحة وقاطعة بأنهم سيقطعون عنا المساعدات العسكرية، بسبب ما اتخذته لجان قضائية مصرية من إجراء تحقيقات حول أنشطة غير قانونية تقوم بها المنظمات الاستخبارية الأمريكية الثلاث: المعهد الديمقراطى والمعهد الجمهورى وفريدوم هاوس. *** إلى هذه الدرجة أفقد نظام مبارك مصر سيادتها وكرامتها الوطنية، عندما أدخل الأمريكان مصر من بوابة المعونات العسكرية والاقتصادية وأعطاهم كل هذا النفوذ والسيطرة وكل هذه الحق فى التدخل فى أخص شئوننا الداخلية.. فلم يعد من حقنا أن نرفض أو حتى نعترض على أنشطة التجسس العلنى علينا تحت قيادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية. إلى هذ الحد يتم توظيف المعونة الأمريكية لإخضاع الإرادة المصرية حتى فى أصغر القضايا والملفات، فيتم التلويح كل 10 دقائق بقطعها إن لم نفعل كذا أو كذا. *** فمنذ بضعة أيام أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكى قد اتصل بالمشير بهذا الشأن وفهم من صياغة نص البيان أنه ربط بين الموافقة على قرض صندوق النقد الدولى البالغ 3.2 مليار $ وبين السماح للمنظمات الاستخباراتية بالعودة إلى النشاط فى مصر. ثم قام عدد من أعضاء الكونجرس بإرسال خطاب إلى أوباما يحرضونه على قطع المساعدات عن مصر إن لم يتم حل أزمة المنظمات المذكورة. وقبلها أعلنت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أنه لن يكون بمقدورهم إقناع الكونجرس بالتصديق على المساعدات أن ظلت هذه الأزمة قائمة. ثم أعلنت فى مؤتمر صحفى لاحق أن الإدارة الأمريكية تضغط على مصر بكل الأساليب والوسائل بما فى ذلك طريقة العصا والجزرة (هكذا قالت). وهى الحملة التى بدأت يوم 31 ديسمبر الماضى باتصال بانيتا وزير الدفاع الأمريكى بالمشير فى اليوم التالى لتفتيش هذه المنظمات. ثم ما تلى ذلك من طوفان من الزيارات من مسئولين وشخصيات أمريكية للضغط والتهديد مثل جيفرى فيلتمان وفرانك بيرنز مساعدى زير الخارجية، ثم الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ثم مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، وآخرهم الوفد القضائى الأمريكى رفيع المستوى برئاسة وزير العدل الأمريكى شخصيًا الذى يزورنا الآن، بعد منع سفر 4 مواطنين أمريكان من السفر منهم سام لاهود مدير فرع المعهد الجمهورى فى مصر وهو فى نفس الوقت ابن وزير النقل الأمريكى. زيارات وتهديدات من الكونجرس واتصالات من أوباما وبانيتا وتصريحات من الخارجية الأمريكية ومقالات تحريضية فى الصحف الأمريكية، كلهم يضغطون ويضغطون لإرغام الإدارة المصرية على الخضوع وإطلاق يد المنظمات الأمريكية. *** وكل هذا يتم ونحن مشغولون ((عن حق)) باستكمال مهام الثورة على المستوى الداخلى، ولكن للأسف أن انكسرت إرادة الإدارة المصرية كالمعتاد أمام الضغوط الأمريكية، فستكون تلك هى السابقة الأولى لشرعنة وتقنين النشاط الاستخبارى الأمريكى فى مصر بعد الثورة، وهو ما لا يجب أن نسمح به بأى حال من الأحوال. [email protected]