بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أسعار الدواجن اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    أسعار العملات اليوم الجمعة 17-5-2024 مقابل الجنيه المصري بالبنوك    أسعار الحديد اليوم الجمعة 17-5-2024 في أسواق محافظة المنيا    مراسل القاهرة الإخبارية: العدوان الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يتصاعد    "حزب الله" يشن هجوما جويا على خيم مبيت جنود الجيش الإسرائيلي في جعتون    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية شرق جباليا    الخضري: لا بد من مشاركة شحاتة أساسيا مع الزمالك.. وأخشى من تسجيل نهضة بركان لهدف    مستقبل تشافي مع برشلونة في خطر.. الأجواء تشتعل    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة المنيا    أيمن صفوت يفوز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي من مهرجان الفيمتو آرت بأكاديمية الفنون    مي عز الدين تحتفل بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام على طريقتها الخاصة (فيديو)    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    تشكيل النصر والهلال المتوقع في الدوري السعودي.. الموعد والقنوات الناقلة    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية فى جباليا    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    الفن المصرى «سلاح مقاومة» لدعم القضية الفلسطينية    فرصة استثمارية واعدة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاحتلال يُجرف مناطق في بيت حانون    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد يوسف عدس يعيد اكتشاف نجيب محفوظ
نشر في المصريون يوم 01 - 05 - 2016

(اللغة العربية هي الفائز الحقيقي بالجائزة) نجيب محفوظ
يقول محمد جلال كشك:
(إن المسلم الذي يتعرف على الله سبحانه وتعالى من ملامح شخصية الجبلاوي هو الذي يستحق الإستتابة، ويجب عليه أن يعيد تثقيف نفسه في علم التوحيد، هو مسلم ظن بالله الظنون ولم يقدر الله حق قدره .. "والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون" أولاد حارتنا فيها قولان ط (1989).
ورواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ تاريخ حافل من القبول والرفض حتى أن الرجل استجاب لنداء الأزهر ورفض نشر الرواية واستمر في رفضه حتى وفاته ، هذا ما بينه بشكل قطعى أستاذنا الكاتب الكبير محمد يوسف عدس في كتابه الجديد (رحلة عقل في دروب الفكر والأدب) والذي تضمن مقالة (نجيب محفوظ : كلمة حق وإنصاف) بين فيها أستاذنا الكبير أبعاد المؤامرة الخبيثة التي تعرض لها الروائي الكبير من بعض الذين أرادوا له ألا يغادر حظيرتهم بعد أن قضى فيها معظم عمره فقاموا بإخفاء رسالته التي وجهها إلى لجنة (نوبل) وقاموا فقط بنشر جزء منها وحتى لا أفسد على القارئ متعة الحدث لن أذكره الآن لأنه آت بعد قليل.
وكلمتى هذه سبقتها كلمة أخرى بعنوان (المضيء والمظلم في أدب نجيب محفوظ) نشرت سابقاً على موقع رابطة أدباء الشام وأيضاً على موقع جريدة (المصريون) أي قبل أن اقرأ مقال (نجيب محفوظ : كلمة حق وإنصاف) لأستاذنا الكبير محمد يوسف عدس والذي تضمنها كتابه الجديد (رحلة عقل) أقول أن الرسالة التي بعث بها الروائي الكبير نجيب محفوظ إلى لجنة (نوبل) والتي نشر الإعلام بعض سطورها التي يتحدث فيها (نجيب محفوظ) عن الحضارة الفرعونية باعتبارها الحضارة التي شكلت مفاهيمه ووجدانه! وقد أخفوا أهم ما فيها وهو أنه ابن الحضارة الإسلامية أيضاً وأنه مع قضايا أمته.
لقد أخفى الإعلام الرسالة ولم ينشرها كاملة وقد استغل البعض ضعف الرجل وكبر سنه وفرضوا عليه ألا يغادر حظيرتهم ولصقوا به تهمة غاية في البشاعة ساهم هو بسماحته وتواضعه في تثبيتها حتى تناولت الناس سيرته مصحوبة بالتهمة!! والسؤال لماذا ولصالح من أخفيت الرسالة أو معظم الرسالة ولم تنشر إلا سطورها الفرعونية؟! لم استغل البعض من الذين كانوا حول (نجيب محفوظ) ضعفه وشيخوخته؟!
لا شك أن دراسة الأستاذ (نجيب محفوظ) للفلسفة بل وإعجابه الشديد برجالها خاصة الغرب وتشجيع البعض له من رجالات القرن الماضي ساهم بشكل واضح في تشكيل ثقافة الرجل التى هي في عمومها ثقافة غربية كاملة لم يتنازل عنها حتى وفاته وقد ظهرت في كل أعماله بلا استثناء واحد رؤية غربية كاملة عن (الله والكون والإنسان).
ويعد كتاب الفلكلور في العهد القديم (التوراه) من تأليف (جيمس فريزر) وترجمته للعربية الأستاذة الدكتورة نبيلة إبراهيم وأصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن مكتبة الدراسات الشعبية رقم 22 لسنة 1998 من الكتب التى توضح بشكل تفصيلي قصة الخلق كما كتبها كُتاب ما يطلق عليه الكتاب المقدس لدى الكنيسةوهو تصور مخالف بالكلية لما ورد في القرآن الكريم عن قصة الخلق ، وقد شغلت الأساطير عقول كثيرة بل حُفرت في عقول الناس واختلطت بالتصور الإسلامي وكادت أن تكون من بين مفرداته!! وقد تأثر معظم كتاب أوائل عشرينات القرن الماضي بأساطير ما يطلق عليه الكتاب المقدس لدى الكنيسة نظراً للترويج الهائل له من قبل رجال الاستشراق وتابعيهم وكذا وجودهم داخل جامعاتنا ومدارسنا بشكل كبير حكى عنه الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه (التفكير الفلسفي الإسلام) يمكن الرجوع إليه. ولقد تأثر نجيب محفوظ بشكل كبير بالمفاهيم الفلسفية الغربية وكادت أساطير الكتاب المقدس لدى الكنيسة تشكل حجر الزاوية في (رواية أولاد حارتنا) على التحديد.
إن (الجبلاوي) الأب الفتوة الذي يأكل ويشرب ويتزوج بشر من البشر، والذي يدعى أن نجيب محفوظ قدمه على أن الإله فعليه أن يتوب من هذا التصور!! ولا علاقة (لجبلاوي) محفوظ باالخالق تعاظم وارتفع. إنه شخصية من شخصيات محفوظ الذي أبدع في تصويرها حسب مفاهيمه وتجاربه. إن مجرد توضيح خصائص (الجبلاوي) وأنها خصائص بشرية كاملة تنسف الإدعاء بأنه هو الله تعاظم وارتفع، إن القائل بهذا الرأي عله أن يتوب إلى ربه. لقد صنع أهل الأهواء من هذه الرواية فتنة عظيمة.
وهناك من مؤلفات محفوظ ما هو أروع وأفضل منها في البناء الفني.
لا أستطيع أنا ولا غيري أن أفتش في نوايا الناس وأعود فأقول أن نجيب محفوظ كتب قصة الخلق على نحو يخالف عقيدة الرجل ولكن أستطيع أن أقول أنه قدم أسطورة من أساطير ما يطلق عليه الكتاب المقدس لدى الكنيسة على النحو الذي يحبه قارئ محفوظ (عالم الفتونة) والجبلاوى هو الأنموذج الكامل للفتونة في الحارة المحفوظية! ولا يصح أن نتعامل مع فقرات من الرواية نقتطعها من السياق العام للرواية ثم نقول أن الكاتب يقصد كذا وكذا وعليه فهو مخالف للحق ومناهض للعقيدة أو هكذا التصور. الرواية بعيدة كل البعد عن المفاهيم الدينية التي هي مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والجبلاوي يأكل ويشرب شأنه شأن (الإله) المذكور في الكتاب المقدس لدى الكنيسة ويمكن مراجعته. وأكاد أجزم أن نجيب محفوظ كتب (أولاد حارتنا) كما أوردها الكتاب المقدس لدى الكنيسة ولا علاقة لها البتة بقصة الخلق كما ذكرها القرآن الكريم.
للكاتب أن يختار موضوعاته بكل حرية شريطة ألا تخالف النظام العام أو تروج للزندقة والإلحاد فإذا كان الكتاب المقدس لدى الكنيسة قد شحن بالأساطير والأباطيل فما ذنب نجيب محفوظ أو غيره عندما ينسج من الأسطورة عملاً أدبياً وقد نسج من قبله علم نفس المنوال كتاب وكتاب!!
يقول أستاذنا الكبيرمحمد يوسف عدس: "أن لا أزعم أن نجيب محفوظ تحول إلى مفكر إسلامي وإنما فقط أحاول إنصاف الرجل من تهمة ألصقت به نتيجة خطأ استهان به في البداية ثم أفاق إلى نفسه ... وقد استغله المتعصبون من الجانبين. الإسلامي والعلماني على السواء، ليبقى سيف "أولاد حارتنا" معلقاً فوق رقبته رغم إرادته .. وخصوصاً أن الجانب العلماني حرص على أن يحاصره ويفرض عليه صورة العلماني الذي لم يغادر حظائرهم فقد تسلط عليه محمد سلماوي في آخر حياته وهو يعاني المرض والعجز عن الاتصال بالعالم الخارجي خصوصاً بعد تدهور شديد في سمعه وبصره وعدم قدرته على الإمساك بالقلم ، فاستنطقه كلاماً لم يقلهونقله في عموده الصغير في الأهرام حتى يبقى على صورته التى صنعوها له في أذهان الجماهير" انتهى
كما جاء برسالة نجيب محفوظ إلى لجنة نوبل وهي الرسالة التي خبأها الإعلام المصري ونشر منها ما يتعلق بالفرعونية ليظل نجيب محفوظ على الصورة التي صنعها له الإعلام وهي صورة العلماني المخاصم للإسلام !! (واليوم ننشرها كاملة) لنرى كارثة كبرى صنعها الإعلام ولصقها بنجيب محفوظ. ويقول أستاذنا محمد يوسف عدس:
" لقد كنت أشعر أن نجيب محفوظ بهذه الرواية (أولاد حارتنا) كان يقتحم دروباً محظورة في عقائد مقدسة عند الناس باستهانة غير معهودة فيه .. كانت رغم الأسلوب الرمزي وعدم التصريح بالأسماء تشف لى عن توجه خاطئ وتورط فيما كان لا ينبغي له أن يتورط فيه ... ولعل نجيب محفوظ قد أدرك خطأه فتعهد ألا تنشر هذه الرواية أبداً إلا بعد إذن من الأزهر وقد التزم بهذا الوعد حتى آخر حياته ولقد سرقت الرواية من قبل ناشرين لبنانيين اعتادوا على سرقة حقوق المؤلفين ثم تم تهريبها داخل مصر... "
لقد حوصر نجيب محفوظ وأدخل في متاهه صنعها له مجموعة الحرافيش الذي تساهل معها وتسامح إلى الحد الذي فقد فيه كل قوته فى وقت كان للمد الماركسي اللعين سطوه ما بعدها سطوة حتى أن الرجل كتب من خلال منظورهم أو بما ينطق بأفكارهم في محاولات متعددة لنيل رضاهم. إنه الضعف الإنساني!! مما دعا الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى وصف نجيب محفوظ بالآتي: "التقيت نجيب محفوظ مرة واحدة في حياتي ووجدته نموذجاً صارخاً للمادية الجدليه" رحلة عبد المسيري ص 397 وقال أيضاً أنه (أي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وحسين فوزي النجار كانوا يروا أن الأنموذج الصهيوني يستحق أن يحتذى" نفس الصفحة السابقة 397.
إذن نحن أمام أمر عظيم وردفي كتاب للدكتور عبد الوهاب المسيري اسمه (رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية) قدمه الدكتور عمو شريف أستاذ الجراحة بجامعة عين شمس نشر ضمن منشورات الهيئة الثقافية عام 2006 والكتاب متاح للقارئ فليرجع من يشاء إليه ليرى حجم المأٍساة التى تعرض لها نجيب محفوظ بسبب تساهله مع الحرافيش ومجموعة سلامه موسى الذين أفسدوا على الرجل حياته في جميع جوانبها. وأعتقد أن نجيب محفوظ تعرض لما يمكن تسميته التسميم الثقافي في مرحلة حياته الأولى عند (1) قراءاته لسلامة موسى (كما تعرض مصطفى محمود بالضبط وذكره) (2) بدخوله قسم الفلسفة بجامعة القاهرة وقد سيطر عليه المستشرق البغيض (سانتلا) كما أورد الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه (التفكير الفلسفي) إصدار عام 1973 ثم ضيقوا عليه أكثر فتجمع نفر غير قليل وأطلقوا على أنفسهم (الحرافيش) كانوا يسبحون بحمده بقصد تدعيم فكرتهم المادية عن طريق إنتاجه الأدبي الذي ذاع وأنتشر بين الناس فكان ما كان وقد ساعدهم ترحيب دير الآباء الدومنيكان بالقاهرة على تحقيق رغباتهم في صنع أدب نجيب محفوظ بصبغة الأدب المادي وأنسحبت الفكرة على الرجل مما جعل عبد الوهاب المسيري يصفه بأنه (شديد المادية)!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد أفسد الحرافيش أدب الرجل!
بل قدموا الرجل في صورة الرجل المادي شديد المادية ! لقد تساهل نجيب محفوظ في المحافظة على نفسه وأدبه الذي هو قطعة منه.
لقد أفسد الحرافيش موهبة عاتية إسمها نجيب محفوظ وعلى فرض أن المذهب المادي لعب برأسه فقد لعب أيضاً برأس مصطفى محمود وعلى عزت بيجوفيتش وعبد الوهاب المسيري! ولكنهم عادوا إلى حظيرة الإيمان وانتصروا على شياطين الإنس والجن فهل تمكن نجيب محفوظ أن ينتصر على شيطان الأنس الذي لا يزال يحيا بين أظهرنا؟!
عن قناعة تامة .. أقول أن رواية (أولاد حارتنا) خاصة شخصية الجبلاوي مستمدة تماماً من (الفلكلور) الشعبي الذي شحن به ما يطلق عليه الكتاب المقدس لدى الكنيسة ولورجعنا إلى كتاب (الفلكلور) في الكتاب المقدس لجيمس فريزر والتي سبق الإشارة إليه في صدر المقال لتأكدنا من تأثر (نجيب محفوظ) بالأساطير كما تأثر غيره من كتاب أوربه فكانت أعمالهم الفنية الرائعة الخالية من الرسالة!! نعم أعمال فنية رائعة خالية من الرسالة كما يقول أستاذنا العظيم الدكتور عماد الدين خليل في كتابه الرائع (فوضى العالم في المسرح الغربي) ولكننا لا نرى في هذا الخصوص إلا ما قاله الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله :
".. ولا توجد أعمال أدبية إلا ولها قاعدة فكرية تقوم عليها وإلا يكون المجتمع ناقداً للخصوصية " لقد جنى الكتاب المقدس لدى الكنيسة بصفة خاصة على (أولاد حارتنا) ورحل نجيب محفوظإلى ربه ومعه كلمة التوحيد ولا نزال مع كتاب (رحلة عقل) لأستاذنا الكبير محمد يوسف عدس متعه الله بالصحة والعافية.
(1) نص الرسالة
سيداتى، سادتى: فى البدء أشكر الأكاديمية السويدية ولجنة نوبل التابعة لها على التفاتها الكريم إلى اجتهادى المثابر الطويل وأرجو أن تتقبلوا بسعة صدر حديثى إليكم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منكم، ولكنها هى الفائز الحقيقي بالجائزة، فمن الواجب أن تسبح أنغامها فى واحتكم الحضارية لأول مرة.
وإنى كبير الأمل ألا تكون المرة الأخيرة، وأن يسعد الأدباء من قومى بالجلوس بكل جدارة بين أدبائكم العالميين الذين نشروا أريج البهجة والحكمة فى دنيانا المليئة بالشحن..
سادتى: أخبرنى مندوب جريدة أجنبية فى القاهرة بأن لحظة إعلان اسمى مقروناً بالجائزة ساد الصمت وتساءل كثيرون عمن أكون..؟.
فاسمحوا لى أن أقدم لكم نفسى بالموضوعية التي تتيحها الطبيعة البشرية.
أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجاً موفقاً عمرها سبعة آلاف سنة وهي الحضارة الفرعونية ، وثانيتهما عمرها الف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية ولعلى لست في حاجة إلى التعريف ببأى من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن فى مقام النجوى والتعارف.
عن الحضارة الفرعونية لن أتحدث عن الغروات وبناء الإمبراطوريات فقد أصبح ذلك من المفاخر البالية التى لا ترتاح لذكرها الضمائر الحديثة والحمد الله. ولن أتحدث عن اهتدائها لأول مرة إلى الله سبحانه وتعالى وكشفها عن فجر الضمير البشرى.
فذلك مجال طويل.. فضلاً عن أنه لا يوجد بينكم من لم يلم بسيرة الملك النبى أخناتون.
بل لن أتحدث عن انجازاتها فى الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة: الأهرام وأبو الهول والكرنك.. فمن لم يسعده الحظ بمشاهدة تلك الآثار فقد قرأ عنها وتأمل صورها.
دعونى أقدم الحضارة الفرعونية بما يشبه القصة طالما أن الظروف الخاصة بي قضت بأن أكون قصاصاً؛ فتفضلوا بسماع هذه الواقعة التاريخية الموثقة: تقول أوراق البردي أن أحد ملوك الفراعنة قد نما إليه أن علاقة أثمة نشات بين بعض نساء القصر وبعض رجال الحاشية.. وكان المتوقع أن يجهز على الجميع فلا يشذ فى تصرفه عن مناخ زمانه.. ولكنه دعا إلى حضرته نخبة من رجال القانون.. وطالبهم بالتحقيق فيها نما إلى علمه، وقال لهم إنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل.. ذلك السلوك فى رأيى أعظم من بناء إمبراطورية وتشييد الأهرامات.. وأدل على تفوق الحضارة من أى أبهة أو ثراء.. وقد زالت الإمبراطورية وأمست خبراً من أخبار الماضى.. وسوف يتلاشى الأهرم ذات يوم ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان مادام فى البشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض.
وعن الحضارة الأسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلى إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها.. فمن مفكريكم من كرمه كأعظم رجل فى تاريخ البشرية.. ولا عن فتوحاتها التى غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير على امتداد أرض، مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا.
ولا عن المؤاخاة التى تحققت فى حضنها بين الأديان والعناصر.. فى تسامح لم تعرفه الانسانية من قبل ولا من بعد.. ولكنى سأقدمها فى موقف درامى.
مؤثر يلخص سمة من أبرز سماتها.
ففى إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردت الأسرى فى مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقي العتيد.. وهى شهادة قيمة للروح الإنسانى فى طموحه إلى العلم والمعرفة.. رغم أن الطالب يعتنق دينا سماوياً والمطلوب ثمرة حضارة وثنية..
قدر لى يا سادة أن أولد فى حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما واتغذى على أدابهما وفنونهما.
ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة.
ومن وحى ذلك كله بالإضافة إلى شجونى الخاصة، ندت عنى كلمات، أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتهم الموقرة فتوجت اجتهادى بجائزة نوبل الكبرى.
فالشكر أقدمه لها باسمى وباسم البناة العظام الراحلين من مؤسسى الحضارتين (الفرعونية والإسلامية)، سادتى: لعلكم تتساءلون: هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص، تساؤل فى محله.. فأنا قادم من عالم ينوء تحت أثقال الديون حتى ليهدده سدادها بالمجاعة أو ما يقاربها.
يهلك منه أقوام فى آسيا من الفيضانات.
ويهلك آخرون فى أفريقيا من المجاعات.
وهناك فى جنوب أفريقيا ملايين المواطنين قضى عليهم بالنبذ والحرمان من أى من حقوق الانسان فى عصر حقوق الإنسان وكأنهم غير معدودين من البشر.
وفى الضفة وغزة أقوام ضائعون رغم أنهم يعيشون فوق أراضهم وأرض آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، هبوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائى وهو أن يكون لهم موضع مناسب يعترف لهم به، فكان جزاء هبتهم الباسلة النبيلة.
رجالاً ونساء وشباباً وأطفالاً، تكسيراً للعظام وقتلا بالرصاص وهدماً للمنازل وتعذيباً فى السجون والمعتقلات.. ومن حولهم مائة وخمسون مليونا من العرب.
يتابعون ما يحدث بغضب وأسى مما يهدد المنطقة بكارثة إن لم تتداركها حكمة الراغبين فى السلام الشامل العادل..
أجل.. كيف وجد الرجل القادم من العالم الثالث فراغ البال ليكتب قصصاً..؟ ولكن من حسن الحظ أن الفن كريم عطوف.. وكما أنه يعايش السعداء فأنه لا يتخلى عن التعساء. ويهب كل فريق وسيلة مناسبة للتعبير عما يجيش به صدره.. وفى هذه اللحة الحاسمة من تاريخ الحضارة لا يعقل ولا يقبل أن تتلاشى أنات البشر فى الفراغ..
لا شك أن الإنسانية قد بلغت على الأقل سن الرشد.. وزماننا يبشر بالوفاق بين العمالقة ويتصدى العقل للقضاء على جميع عوامل الفناء والخراب.. وكما ينشط العلماء لتطهير البيئة من التلوث الصناعى فعلى المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقى؛ فمن حقنا وواجبنا أن نطالب القادة الكبار فى دول الحضارة كما نطالب رجال اقتصادها بوثبة حقيقة تضعهم فى بؤرة العصر.
قديماً كان كل قائد يعمل لخير أمته وحدها معتبراً بقية الأمم خصوماً أو مواقع للاستغلال.. دونما أى أكتراث لقيمة التفوق والمجد الذاتى.. وفى سبيل ذلك أهدرت أخلاق ومبادئ وقيم.. وبرزت وسائل غير لائقة وأزهقت أرواح لا تحصى.
فكان الكذب والمكرر والغدر والقسوة من آيات الفطنة، ودلائل العظمة.
اليوم يجب أن تتغير الرؤية من جذورها.. اليوم يجب أن تقاس عظمة القائد المتحضر بمقدار شمول نظرته وشعوره بمسئولية نحو البشرية جميعها.. وما العالم المتقدم والثالث إلا أسرة واحدة، يتحمل كل إنسان مسئولية نحوها بنسبة ما حصل من علم وحكمة وحضارة.. ولعلى لا أتجاوز واجبى إذا قلت لكم باسم العالم الثالث: لا تكونوا متفرجين على ماسينا ولكن عليكم أن تلعبوا فيها دوراً نبيلاً يناسب أقداركم.
إنكم من موقع تفوقكم مسئولون عن أى انحراف يصيب أى نبات أو حيوان فضلاً عن الأنسان فى أى ركن من أركان المعمورة.. وقد ضقنا بالكلام وآن أوان العمل.
آن الاوان لإلغاء عصر قطاع الطريق والمرابين.. نحن فى عصر القادة المسئولين عن الكرة الأرضية.. انقذوا الفلسطينيين من الرصاص والعذاب.. انقدوا المديونين من قوانين الاقتصاد الجامدة، والفتوا أنظارهم إلى أن مسئوليتهم عن البشر يجب أن تقدم على التزام بقواعد علم لعل الزمن قد تجاوزه..
سادتى: معذرة.. أشعر بأنى كدرت شيئاً من صفوكم ولكن ماذا تتوقعون من قادم من العالم الثالث.. أليس أن كل إناء بما فيه ينضح..؟
ثم أين تجد أنات البشر مكاناً تتردد فيه إذا لم تجد فى واحتكم الحضارية التى غرسها مؤسسها العظيم لخدمة العالم والأدب والقيم الإنسانية الرفيعة..؟ وكما فعل ذات يوم برصد ثروته للخير والعلم طلباً للمغفرة فنحن ابناء العالم الثالث نطلب القادرين المتحضرين باحتذاء مثاله واستيعاب سلوكه ورؤيته.
سادتى: رغم كل ما يجرى حولنا فإننى ملتزم بالتفاؤل حتى النهاية.
لا أقول مع الفيلسوف "كانت" أن الخير سينتصر في العالم الآخر .. فإنه يحرز نصراً كل يوم (هنا على الأرض) بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير. وأمامنا الدليل الذي لا يجحد ... فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذم من البشر الهائمة على وجهها عرضة للوحوش والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والأنانية. أقول لولا النصر الغالب للحيز ما استطاعت البشرية أن تنموا وتتكاثر وتكون الأمم وتكتشف وتبدع وتخترع وتغزوو الفضاء وتعلن حقوق الإنسان: غاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب مرتفع الصوت .. وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره وقد صدق شاعرنا أبو العلا عندما قال : "إن حزنا ساعة الموت أضعاف سرور ساعة الميلاد" .
(2) تعليق الأستاذ الكبير محمد يوسف عدس على الرسالة
" هذا الكلام الواضح المستقيم كالسيف، الشفاف كالبلور، لا يقوله ملحد ولا دعىً أفاق ولا منافق خسيس ولا انتهازى يبيع قيمه ومبادئه لمن منحوه أعظم جائزة في الأدب ولديهم عشق خاص لسماع كل ما يسيء إلى الإسلام والفكر الإسلامي ويطربون له، وينفقون على أصحابه بسخاء عظيم.. كما فعلوا مع ملاحدة ومنافقين سابقين من أمثال: سلمان رشدى وغيره، يعدون بالعشرات بل بالمئات.. يعيشون اليوم فى الغرب عيشة الملوك، ولكن لا ترتفع هاماتهم إلى مستوى نعل نجيب محفوظ". (من كتاب رحلة عقل)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.