حب الوطن غريزي في الانسان جبله الله عليه كحب النفس و المال و نحوه ، و كل الناس على اختلاف مشاربهم و أديانهم و أعراقهم مشتركون في هذا الحب لمراتع الطفولة و الصبا و الشباب الوطن. لا يستطيع أحد من الناس من أي فصيل كان أن يحتكر لنفسه حب وطنه مهما بلغ شأنه أو تضحيته أو عطاؤه لبلده ، و لا يجوز كذلك أن يحتقر انسان وطنه أو شعبه أو أرضه التي تربى على ترابها و رشف من مائها. لقد قال أعرابي يعيش في قفر قحل لا زرع فيه و لا ماء قولة صارت مثلا في حب الأوطان و ألفتها: بلاد ألفناها على كل حالة و قد ... يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن. و تستعذب الأرض التى لا هوا بها ... و لا ماؤها عذب و لكنها و طن. فلا يحق و الحال كذلك أن يمتحن الناس بعضهم بعضا في هذه القيمة الانسانية الرفيعة فيطلقون ألسنتهم و يصنفون الناس وفق مذاهبهم و ألوانهم و مناهجهم و معتقداتهم ، فمن كان من فصيلهم أو محبهم أو متبني قولهم فهذا الوطني الذي يقبل منه و يُتجاوز عن خطئه و زلته ، و من لم يقل بقولهم أو ينتمي إليهم فإن نزع الوطنية عنه واجب حتمي و يرمى بها هكذا في وسائل الاعلام و يشنع عليه و يقذف بما ليس فيه ، و هذا لا يليق بمن أراد الاصلاح حقا و الخير لبلاده. إننا نعاني في تلك الأيام العجاف اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و أخلاقيا و دينيا من تردي القيم و انحطاط أخلاق التعامل بين كثير من الناس ، ما بين انتهازي و منافق و مجترئ و خنوع و عاجز و متجنب و ساكت يخشى إن تجرأ بقول أو تبنى فكرا أو قال قولة يراها حقا أن يرمى بما ليس فيه و يضيق عليه و يهان بين أهله و ناسه ، فأصبحنا نعيش فيما تعجب له عمر رضي الله عنه بين عجز الثقة و جلد الفاجر. إن أولى خطوات الاصلاح أيها القوم إن كنا نريد اصلاحا أن لا ينزع أحد من أحد حبه لوطنه لفكر أو منهج أو معتقد ، فلقد رأينا من كل أطياف الناس من أعطوا لأوطانهم و بذلوا في سبيله و ضحوا من أجله. إننا لا نستطيع و لا يليق أن نرمي أحدا من الفرقاء السياسيين المتخاصمين من أهل مصر الآن من أي فصيل بتهمة الخيانة الوطنية أو بغض الوطن مهما بلغت خصومتهم ، و قد رأينا عطاء كل فريق منهم ، فلقد عشنا بطولة و تضحيات قواتنا المسلحة الباسلة و خبرنا أحوالهم و حبهم لوطنهم و فدائه بأرواحهم. و رأينا الاسلاميين عبر تاريخهم و هم يعلمون الناس دينهم و يواسونهم اجتماعيا بأموالهم و جمعياتهم الخيرية و مستشفياتهم و مدارسهم و يبذلون لله من أوقاتهم بل و قوت عيالهم لا يبتغون إلا وجه الله. و رأينا من ينتمون إلى الفكر الليبرالي الغير مصادم للدين و قيم المجتمع الاسلامية العظيمة من يعلم في المدارس و الجامعات و من يقيم الجمعيات الخيرية و يكفل الأسر الفقيرة و يقيم المشروعات النافعة حبا لأوطانهم و شعبهم. و رأينا من لا أيدلوجية له إلا انتماءه لدينه و وطنه غريزيا من يفعل أكثر من ذلك. و إن كان البعض يعيب على بعض الاسلاميين أنهم إنما يفعلون الخير دعوة لمنهجهم و جماعتهم مثلا ، فإن كل فصيل في العالم يفعل ذلك، فالعلمانيون يدعون إلى علمانيتهم و الليبراليون يدعون إلى ليبراليتهم و الصوفية يدعون إلى صوفيتهم و هكذا. فهل هذا مبرر أن يستطيل فريق على آخر لمجرد أن كان أعلى صوتا أو بوقا اعلاميا أو يملك قوة لا يملكها غيره أو يتبنى فكره جهة سيادية ما أو خلافه ، و ينزع عن الآخر حبه لوطنه و انتمائه إليه ، ما هذا بالنصف.