الآن حقق لوبي الفساد في مصر أحد أهم أمانيه وهو إبعاد المستشار هشام جنينه عن ملفات الفساد في عموم الدولة المصرية ، بعزله عن رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يمتلك وثائق "أحشاء" الأجهزة والوزارات والمؤسسات المصرية كافة ، وكانت الدعوات علنيه لعزله ، سواء من جانب وزير العدل المقال المستشار أحمد الزند الذي حارب طويلا من أجل إطاحة جنينه وحتى سجنه ، ورفع ضده عددا من القضايا ما زال بعضها منظورا أمام القضاء ، ثم هلل طويلا في "هوجة" التصريحات التي أصدرها جنينه عن حجم الفساد ، وقال أنه لا بد من عزله فورا ، وركب الموجة رغم أنه وزير في الحكومة ، ثم صحف وفضائيات مملوكة لرجال أعمال عصر مبارك وخاصة الموصومين بالفساد "الفاقع" ، حيث شنوا حربا ضروسا على جنينه قبل أن يتمكن من تحريك ملفاتهم قضائيا ، هؤلاء جميعا ارتاحوا الآن ، ولو مؤقتا ، الوحيد الذي بدأت متاعبه هو السيسي . كما قلت سابقا ، إقالة جنينه ليس من مصلحة السيسي ، لا سياسيا ولا جماهيريا ، فالسيسي شخصيا ليس لديه ما يقلقه من هشام جنينه ، فهو حديث عهد بسلطة ، ولا يستطيع خصومه مهما غلوا فيه أن يتهموه شخصيا بالفساد ، كما أن تقارير جنينه المعلنة أو المسربة ليس فيها ما يشير إلى السيسي شخصيا ، لا من قريب ولا من بعيد ، وبالتالي فالسؤال المحير هو : لماذا قرر السيسي عزل جنينه ، من الذي دفعه لذلك أو زين له ذلك أو ربما ضغط عليه من أجل ذلك ، هذا هو السؤال المهم فعلا ، غير أن الأهم من السؤال نفسه هو توابع تلك الإقالة ، لأن أحد مصادر قوة السيسي سياسيا وأخلاقيا هو وجود شخص مثل هشام جنينه على رأس أهم جهاز رقابي في مصر ، المركزي للمحاسبات ، وحماية الرئاسة لظهره في وجه ضغوط علنية فجة وتحريضية من مؤسسات أمنية ورجال أعمال وحتى جهات تنتمي لمؤسسة العدالة فضلا عن لوبي إعلامي رهيب ، فلما قرر السيسي عزل جنينه فقد خسر هذا "الشرف" السياسي والأخلاقي بكل تأكيد ، وأصبح كثيرون في مصر الآن يتساءلون بصيغة اتهام : لماذا عزل السيسي الرجل الذي يمثل عدو الفساد الأول في مصر ؟! . حسنا ، أقال رئيس الجمهورية المستشار هشام جنينه ، لكن الناس ما زال يطن في أذنها الحديث عن ستمائة مليار جنيه فاتورة الفساد التي أعلنها الرجل قبل رحيله ، وأن الرجل قدمها لرئيس الجمهورية بكامل وثائقها ، فماذا هو فاعل بها رئيس الجمهورية ، الناس تسأل وتنتظر بطبيعة الحال ، أيضا اللجان التي شكلها الرئيس للرد على هشام جنينه قالت أن التقرير مبالغ فيه وأن أرقام الفساد أقل من ذلك ، حسنا ، فما هي المبالغ الحقيقية للفساد ، نصف هذا الرقم ، ثلاثمائة مليار جنيه ، مائتي مليار جنيه ، أين هم ، وماذا اتخذتم من إجراءات لاستعادة مال الشعب هذا المسروق ، وماذا فعل السيسي من أجل حماية "قوت" الغلابة الذين يتحدث باسمهم ، وما هي الالتزامات العلنية التي يقدمها للشعب بخصوص فاتورة الفساد وما الذي ينوي فعله والمدى الزمني ، وهل سيكاشف الشعب بالأرقام والجهات أم أن الأمور ستبقى في السر أو تنتهي بالطرمخة . عندما صدر قرار عزل هشام جنينه قرب منتصف الليل ، وتقرر أن يتولى المستشار هشام بدوي القيام بأعماله ، ذهب هشام بدوي إلى مكتب جنينه في الثانية ليلا قبل الفجر ؟!! بدعم قوة أمنية ، ووضع يده على المكتب والملفات والوثائق التي بداخله ، كما قام في الصباح بعملية عزل قيادات المركز وأعضاء المكتب الفني لمدة يومين لا يدخلون مكاتبهم ولا يمسون ورقة واحدة ، وتم قطع الكهرباء عن بعض المكاتب ، نحن في أجواء خطيرة ، ويصعب أن تتحدث هنا عن "دولة" ومؤسسات ، كما يستحيل أن تكون تلك أوامر من رئيس الجمهورية ، وليس هذا دفاعا عنه ، وإنما هو استنتاج منطقي من كل الاعتبارات التي سبق وقدمتها هنا ، والمؤكد أن كثيرا مما يحدث الآن هو جزء من صراعات مراكز نفوذ في الدولة رصدتها جهات ديبلوماسية وإعلامية أجنبية وكتبت عنها مرارا .