مسكين المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، ظن الرجل بروح ومنطق قضاة الزمن الجميل بأن الدولة تسعى بالفعل لمحاربة الفساد فأخذ الأمور على محمل الجد ، الرجل "الطيب"تصور أن حديث السيسي له بأنه يطالبه بمطاردة الفساد أينما كان والعمل على استعادة حقوق الدولة المنهوبة أيا كانت الجهة التي اغتصبتها ، تصور الرجل أن هذا كلام "جد" وليس على سبيل "التمثيل" و"الشو" الإعلامي الذي اعتدنا عليه طوال العامين الماضيين ، مسكين هشام جنينة ، تصور أنه عندما "يحيد" السيسي من معركته ضد الفساد الذي ينخر عظام الدولة فأنه يستطيع أن يلاحق الفساد فعلا ويجفف منابعه ويحد من مخاطره ، مسكين هشام جنينة عندما تحدث عن أن حجم الفساد في مصر في العام 2014 عام حكم الباشا الكبير عدلي منصور والسيسي وصل إلى مائتي مليار جنيه ، هل كنت تتصور أن يتركوك بعدها يا صاحب القلب الجميل ؟ ، مسكين هشام جنينة عندما تحدث عن أن جهات رفيعة في الدولة كان يفترض فيها أن تلاحق الفساد وتتصدى له هي ذاتها التي تتورط في نهب المال العام واغتصاب أراضي الدولة ، وحدد بالاسم وزارة الداخلية والنيابة العامة ، وذكر بالاسم ممن استولى على أراضي الدولة قضاة كبار ممن يشار لهم بالبنان الآن ممن يصدرون أحكاما في قضايا حساسة تشغل الرأي العام ، وتصور الرجل الطيب أن المستندات والوثائق والأرقام (الرسمية) تكفي لحسم الأمور ، في دولة لا تحسم الأمور فيها إلا على وقع رقصات "تسلم الأيادي" ، راهنوا على أن الرجل في النهاية سيصيبه "الزهق" بعد أن تقدم بمئات البلاغات للنائب العام ولرئيس الجمهورية شخصيا على وقائع فساد يتعب فيها هو والعاملون في الجهاز من أجل إعدادها لإعادة حقوق الدولة المنهوبة ، ومع ذلك لا يتم التحقيق في كل هذه الوقائع ، أو يتم حفظ التحقيق فيها حتى لا تجرؤ اي جهة بعد ذلك على أن تفتح ملفها ، وعندما حفظ النائب العام "الراحل" التحقيق أحد هذه الملفات الصارخة والفاضحة ، طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بأدب شديد ولطف شديد أن يطلع على "حيثيات" قرار النائب العام بحفظ التحقيق في هذا الملف الخطير ، وقال له على سبيل الدعابة "حتى نعرف أخطاءنا ولا نكررها" !! ، فرفض النائب العام الإفصاح عن أسباب أو حيثيات حفظ التحقيق ، وحتى يومنا هذا لا يوجد أي تقرير أو بلاغ للجهاز المركزي للمحاسبات مما طال "الرؤوس الثقيلة" في الدولة تمت إدانة أحد فيه أو حتى التحقيق معهم ، على الإطلاق ، وكأن هذا الجهاز الرقابي الذي تخصص له الدولة ميزانية بعشرات الملايين من الجنيهات سنويا وتلزم جميع مؤسساتها بتمكينه من مراجعة حساباتها ومواقفها المالية ، كأنه تحول إلى مقهى أو صالون ثقافي . مسكين المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، عندما طالب نادي القضاء بتمكين رجال الجهاز من مراجعة حسابات النادي ، بوصفه يحصل على مخصصات من المال العام وبالتالي من حق الشعب أن يعرف كيف أنفقت ، فقال له رئيس النادي وهو وزير العدل الحالي المستشار أحمد الزند "بشنبك" ، روح العب بعيد يا جنينه !!، وهدده بالعزل علنا ، وحرك عليه قضايا عديدة من أجل إدانته وطرده من رئاسة الجهاز ، وقال له علنا على شاشات الفضائيات : صبري عليك طال ولن أصبر عليك أكثر من ذلك . بعد شهرين فقط من تولي الزند وزارة العدل ، حيث تليق به ويليق بها في هذا الزمن "الجميل" ، صدر أول أمس القرار الجمهوري بقانون: (يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، فى 4 حالات، أولها إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وثانيها إذا فقد الثقة والاعتبار. وثالثها "إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة"، وأما الحالة الرابعة فهي"إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذى يشغله لغير الأسباب الصحية) . بمجرد صدور هذا التشريع الجديد علم القاصي والداني أنه "قانون عزل هشام جنينه" ، حتى أنصار السيسي لم يخفوا إدراكهم الواضح أن المقصود بهذا "التشريع" أو القرار الجمهوري هو هشام جنينه ، وهي فضيحة تعني "فجور" حالة التشريع في الدولة الآن ، وأنه لم يعد يستر عوارها عن الشعب شيء . بطبيعة الحال كل ما ورد في هذا القانون/القرار مجرد "أستيك منه فيه" ، مطاط ، فالدلائل الجدية لا يعرف ما هو معيارها ، ويمكن أن يعتبر رئيس الجمهورية دردشة أحد "المخبرين" دلائل جدية ، عادي ، هل من معترض ، وأما الإضرار بالمصالح العليا للبلاد والأشخاص الاعتبارية ، فهي خطبة سياسية ، ومسألة المصالح العليا وجهات نظر واجتهاد سياسي ، ويمكن أن يعتبر أحدهم كشف الفساد في وزارة الداخلية مثلا إضرارا بالمصالح العليا للبلد بدعوى أننا نخوض معركة مع الإرهاب وأن المصلحة العليا في "الطرمخة" عليها ، وأما فقدان الثقة والاعتبار فهو كلام مقاهي ومجرد وجهة نظر شخصية لا يوجد له أي معايير موضوعية تكفي للجرأة على خرق الدستور الذي يحصنه . من العبث أن تسأل ، كيف تصف هذه الجهات التي تتلاعب بها بموجب القرار وتخضعها لسيطرتك الكاملة بالهيئات المستقلة ، أي استقلال هذا وأنت تعزل من تشاء فيها كيفما تشاء ووقتما تشاء وتبدل من تشاء بمن تشاء ، ومن العبث أن تسأل كيف تجرؤ على إصدار تشريع يناقض قانونا صريحا بتحصين موقع رئيس الجهاز من العزل ونصا دستوريا يحميه من تغول السلطة ، فمثل هذا السؤال الآن من الترف السياسي والقانوني الذي لا مكان له في مصر .