أصابتني الدهشة وأنا أستمع للزميل خيري رمضان في برنامجه بقناة سي بي سي وهو يتحدث عن قضية المستشار هشام جنينه ، لم أر خيري منفعلا ومندفعا وغاضبا بهذا القدر من قبل ، بدا وهو يهاجم جنينه بقسوة أن ثمة خصومة شخصية بينه وبين الرجل ، لدرجة أنه كال اتهامات جزافية وخطيرة للغاية إلى المستشار الجليل لم تكن مطروحة من قبل ، ولم يتحدث بها أحد قبله ، ولا أعرف من أين أتى بها ، لأنها غريبة جدا ، مثل اتهامه للمستشار جنينه بأنه يمتلك خمسة وعشرين فدانا من أراضي الحزام الأخضر في السادس من أكتوبر ، وتعود المفارقة لأن هذه الأرض تحديدا هي أكثر الموضوعات المثيرة التي كشف عنها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات برئاسة هشام جنينه نفسه ، وهي الأرض المميزة التي استولى عليها بغير وجه حق عدد من الشخصيات العامة والإعلاميين إضافة إلى أعضاء بالنيابة ومؤسسات سيادية أخرى ، وأن هذا الموضوع أضاع على المال العام عشرات المليارات من الجنيهات حسب التقرير الخطير ، فهل المستشار جنينه يكون قد "هبر" خمسة وعشرين فدانا في تلك "الميغة" التي استباحها كثيرون من الإعلاميين وغيرهم ، ثم هو يهاجم ما حدث هناك بكل تلك الجسارة والقلب الجامد ؟! . طبعا ، خيري لم يهتم بأن يقدم المستشار جنينه للرأي العام لكي يوضح ذلك ، لأن المطلوب هو حملة ذبح فقط وليس حملة تنوير بالحقيقة عن المال العام المنهوب ، وبالتالي ، لم ينتظر المستشار جنينه طويلا عند هذه النقطة وأصدر بيانا موجزا ، تجاهلته معظم القنوات والصحف القومية والموالية ، سخر فيه من ادعاءات خيري رمضان ومن سربوا له تلك المعلومة الخرافية ، وطلب من خيري ولم يسمه باسمه أن يدله على عنوان تلك الأرض الكنز التي غفل هو نفسه عنها ، وإيغالا في السخرية المرة طلب منه أن يرسل له بالمرة عقد الملكية للأرض ، ووعده أنه عندما يرسل له عقد الملكية للأرض الوهمية سيتبرع بها على الفور لمستشفى السرطان ، ولم يرد خيري بطبيعة الحال ، وبقي ما قاله لغزا ، وبقي هجومه المرير والأسطوري على المستشار جنينه يحمل مئات علامات الاستفهام ، خاصة وأنه أضاف اتهامات أخرى بالغة الغرابة ، والسذاجة أيضا ، من مثل أن من أعدوا التقرير من خبراء الجهاز المركزي للمحاسبات أنكروا الأرقام التي أعلنت وقالوا أنه تم تغييرها في الأوراق ، وكأننا أمام قعدة قهاوي ، وليس مؤسسة رقابية سيادية شديدة الصرامة والحساسية ، وكأن الأرقام التي تعلن يضربها أحدهم من رأسه ، وليس من واقع مستندات ووثائق يسهل العودة إليها والتحقق منها ، هذه موجة غير مسبوقة من العنف المتعجل ضد شخص المستشار جنينه ، وبالنظر إلى العجلة واللهفة على ادانته بأي سبيل فقد أوقعهم ذلك في فضائح من هذا النوع شديد السذاجة ، وكشف عن أن المطلوب هو رأس هشام جنينه بأي شكل وأيا كان الثمن وبأسرع وقت ، تمهيدا للطرمخة على وقائع الفساد التي اعترفت لجنة التقصي ذاتها بأنها بعشرات المليارات وإن كانت لم تجرؤ على تحديد الرقم بدقة . اللجنة التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتقصي الحقيقة في تقرير المركزي للمحاسبات ، كانت برئاسة اثنين ، أحدهم نائب المستشار هشام جنينه في الجهاز ، الذي تم تعيينه قبل أقل من شهر تقريبا بقرار جمهوري مفاجئ لا تعرف من هي الجهة التي اقترحته في ذلك التوقيت تحديدا على رئيس الجمهورية ، وهو المستشار هشام بدوي ، والغريب أن هذا "الضيف" الجديد على الجهاز وأعماله ، توصل في خلال ثلاثة أسابيع فقط إلى أن رئيسه ، هشام جنينه ، مضلل ومحرض على الدولة ومشوه لسمعتها ، هكذا أول القصيدة يا خال ، ويبدو أن "قطار" هشام بدوي متعجل هو الآخر ، لأن أبسط معاني الملائمة والنبل لا تسمح له بأن يشارك في بيان مثل هذا يفتقر إلى الأخلاق الرفيعة كما يفتقر إلى الحكمة والإحساس بالمسئولية تجاه عمل الجهاز الذي يرشح حاليا لرئاسته خلفا للمستشار جنينه . عندما ترى الدولة ووزاراتها وأجهزتها السيادية وإعلامها وبرلمانها يفزع كل هذا الفزع لأن هشام جنينه طرح أرقاما للفساد لم تكن دقيقة ، بينما لا يفزع الجميع عشر هذا الفزع للكشف عن مئات المليارات من أموال الشعب التي ضاعت في مستنقع الفساد ، فأنت بكل تأكيد أمام دولة بلا مستقبل ،ونظام فاقد للبصيرة والمسئولية ، ووطن يندفع بكل قوته إلى قعر الضياع والانهيار .