نشرت صحيفة القدس الأمين مقالا تحت عنوان " هل أصبحت الشرطة العدو الأخطر للنظام؟" حيث قامت بسرد عدة وقائع عن اعتداءات الشرطة ، منها شرطى يعتدي بالضرب على أطباء أثناء عملهم في مستشفى المطرية. أمين شرطة يضرب سيدة لرفضها ركوب رجل في عربة السيدات بمترو الإنفاق. أمين شرطة يصفع ممرضة في محافظة البحيرة. أمين شرطة يفتح النار بسلاحه الميري على مواطن في محافظة الدقهلية. أمين شرطة يعذب شابا في قسم الدخيلة في الإسكندرية. هذه حصيلة موجزة لكن موثقة بالصور والفيديو وشهادات الشهود لاعتداءات أمناء الشرطة في مصر خلال الأسبوع الماضي فقط، ويمكن العثور على تفاصيلها بسهولة في مواقع الانترنت والصحف بما في ذلك الحكومية منها. انه مسلسل لا يتوقف من الاهانات والإساءات والجرائم شبه اليومية للمواطنين. الاعتداء على الأطباء أدى إلى إغلاق مستشفى المطرية، الحي الفقير في شرق القاهرة، فيما هدد الأطباء هناك بتقديم استقالات جماعية، في حال عدم التحقيق مع أمناء الشرطة فيما يتصاعد الغضب الشعبي من هذه الممارسات. لم تتوفر أدلة على تقديم اي من أمناء الشرطة في تلك الجرائم الى المحاسبة، بل أنهم مازالوا يمارسون عملهم بشكل تقليدي. وفي موازاة ذلك تتواصل أعمال الإخفاء القسري والاعتقالات والمنع من السفر غير المبررة التي تشنها الشرطة ضد كتاب وصحفيين وحقوقيين بأسلوب يبدو عشوائيا، بتهم تتراوح بين «تعكير الأمن العام، الى «الانتماء لجماعة الاخوان» وأحيانا دون اي سبب معلن، في تناقض صارخ مع ما يعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل متكرر عن «احتواء الآراء والتوجهات المختلفة، لأن ربنا خلقنا مختلفين ومش ممكن نتفق على حاجة واحدة» حسب تعبيره. لم يعد ممكنا ان يدفن النظام رأسه في الرمال مع اتساع الاحتجاجات ضد الممارسات الإجرامية لبعض عناصر الشرطة. أولئك الذين يوهمون رئيس الجمهورية بأن هذه الإجراءات القمعية هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة هيبة الدولة وتحقيق الامن والاستقرار هم انفسهم الذين أوصلت نصائحهم الرئيس المخلوع حسني مبارك الى حيث هو اليوم. ليس واضحا ماذا يجب ان يحدث بعد خمس سنوات من ثورة يناير ليدرك النظام ان المصريين قد يتحملون الى حين المعاناة الاقتصادية وضيق العيش لكنهم لن يقبلوا استفزازهم في كرامتهم. الواقع ان اقرار المصريين لاهمية محاربة الارهاب لا يعني بأي حال اعطاء الشرطة الضوء الاخضر للعودة الى انتهاكات ما قبل الثورة. بل ان هذا الاسلوب القمعي يقدم اكبر خدمة ممكنة للجماعات الارهابية. على الجانب الآخر فانه يشعر المصريين بأنهم تعرضوا لعملية خداع واضحة من نظام زعم انه سيعمل على تحقيق اهداف الثورة لكنه في الحقيقة يترك المجال امام من يسعون للقضاء عليها. ثمة شعور يتكرس يوميا بأن الشرطة قررت ان تعاقبهم لأنهم قرروا ذات يوم ان يتمردوا على النظام. أكمنة الشرطة التي يفترض ان تؤمن الناس اصبحت فخاخا لقمع المواطنين دون اسباب واضحة للتنكيل بهم بحجة وجود احكام بحقهم او للتحري او غير ذلك. بعض الملتحين او من يبدون من رواد المساجد اصبحوا يتفادون الخروج من البيوت بعد منتصف الليل حين تبدأ الأكمنة في الظهور. وحسب المجلس القومي لحقوق الانسان، وهو هيئة حكومية يتهمها كثيرون بمحاباة النظام، فان وزارة الداخلية اعترفت مؤخرا بوجود اكثر من تسعين من ضحايا الاختفاء القسري في السجون، بعد ان كانت تنكر لفترة طويلة اي معرفة باسباب اختفائهم. وحسب الشبكة العربية لحقوق الانسان فان عدد الصحافيين المعتقلين اليوم وصل الى تسعة وخمسين، اغلبهم تحت عنوان «الحبس الاحتياطي» لاكثر من عامين (..) في استخدام تعسفي واضح للقانون سعيا للتنكيل بهم. ومن يفحص القائمة سيدرك انها لا تميز بين مؤيد او معارض لجماعة الاخوان. لم يعد كافيا ان يعترف السيسي بوجود «تقصير» في ملف حقوق الانسان فيما تتكرس ملامح الدولة البوليسية يوميا، عبر اساليب البلطجة التي يمارسها عدد من عناصر الشرطة في اساءة واضحة لجهاز ضخم يضم اكثر من اربعمئة الف شخص، ليس من الانصاف تعميم التهم ضدهم، او تجاهل حقيقة انهم قدموا العديد من الشهداء في الدفاع عن امن الوطن. اما التغاضي السياسي عن هذه الجرائم، فانه نوع من التورط فيها، كما انه يحول الشرطة عمليا الى العدو الاخطر الاكبر للنظام، ويسرع الانحدار نحو نقطة انفجارلا يمكن التنبؤ بمآلاتها.