كعادتي عندما أهم في الكتابة، تصارعني الأحداث و المستجدات السياسية ، أيهم يستحق أن أسلط عليه الضوء ، تبعا لجسامة تأثيره على مصر و المصريين ، أو لضرورة تنبيه المسئولين له ،عل وعسى أن يلق الاهتمام و العناية اللازمين ،تاركة المستجدات الأقل شأنا إلى مرات قادمة ربما تأتي أو لا تأت ، بيد أن الوضع هذه المرة انتهى بالتعادل ، كيف لا وكل الأحداث تتقافز بجنون أمام ناظري في نفس ذات التوقيت . فبرلمان الشعب قدم فروض الولاء و الطاعة للقيادة السياسية باكرا بحق و قبل حتى انعقاده ، ناسيا أو عاقدا العزم أن ينزع سلطاته الواحدة تلو الأخرى تحت أقدام السلطة السياسية ، طواعية ليس كرها ، تزلفا و قربا ، فطالعنا مصطفى بكري ( ممثل الشعب المفترض ) بتصريح عجيب مفاده أنه لن يصدر منه مطلقا أي قرار يعارض الرئيس ! و ها هو حزب الوفد ( العريق ) يحذو حذوه ، و يعلنها أنه سيقف خلف ظهر الرئيس ،ربما أسوة بعزمي مجاهد الذي أعلن أن جل ما سيفعله في البرلمان هو أن يمدد فترة ولاية الرئيس في الدستور المستفتى عليه إلى 6 سنوات ، و قد ظهر للعيان أن الجميع يتسابقون فيما بينهم ، أيهم أكثر تصعيرا للخد، بلا تفسير لهذه الهرولة العجيبة.
و يبدو أن نواب الشعب قد غاب أو غُيّب عنهم حقيقة دورهم النيابي ، فالمجلس هو صاحب السلطة التشريعية و الرقابية على أداء السلطة التنفيذية، الممثلة في الرئيس و الأجهزة المعاونة، سلطتهم في ذلك تعادل أو تتفوق على سلطة الرئيس ذاته ، و الذي يخول لهم الدستور المستفتى ، و الذي يعتزمون استباحته ، سحب الثقة منه بموافقة ثلثي أعضائه .
و قد فرشت الهرولة تلك و تقديم فروض السمع و الطاعة ، الطريق أمام السيسي للاستمرار في استصدار القوانين بصفته التشريعية المؤقتة، و التي ضرب بالكيان التشريعي القائم ممثلا في مجلس النواب عرض الحائط كأن لم يكن ! مع انه لو صبر قليلا لأيقن ان المجلس لن تخرج مهمته عن مهمة " البصمجي " على كل قراراته .
و قد طغت على الأحداث الحالية مشاهد جنسية مزعومة ومنسوبة للنائب خالد يوسف مخرج ثورة 30 يونيو ، احتدت معها الأصوات المطالبة للأجهزة المعنية بمحاكمته و نزع عضويته ، حيث يبدو أن خالد انتهج نهجا لم ينل رضا ذوي الأمر ، ظهر جليا في همهمات الاعلاميين ، من أنه أراد أن يصبح زعيما داخل البرلمان ، فما وجدوا في هتك حياته الخاصة ،و استباحة عرضه و عرض فتاته أي غضاضة ، ضاربين بالأخلاق و القيم و الأعراف المجتمعية، التي تمنع فضح العلاقات الحميمية كل الحدود الانسانية.
مما جعل التضحية بشرفه قربانا يقدمونه عن طيب خاطر و تشفي مصحوبا بالتلذذ و التلصص على مذبح الأخلاق و القيم ، محمرين أعينهم لمن تسول له نفسه السير على نفس النسق و المنوال .
فاستحق مجلس الشعب معه ، أن يبدل مسماه بدون أي تجني أو تحفظ إلى "مجلس الرئيس" ، حيث تسود أجندات نوابه، رضا الرئيس و سعادة الرئيس و اطمئنان الرئيس ، أما الشعب الذي وكلهم عليه ، فلهم الله خير وكيل !
و مازلنا مع نوادر و طرائف البرلمان ، حيث حصد توفيق عكاشة أعلى الأصوات ، راسما العهد العكاشي بكل جدارة ، فالرجل لا يمكن اعتباره على درجة من العلم تؤهله في عالم خيالي تعيش فيه أسر على شاكلة " دونالد دك " لذاك المنصب ، فما بالك و قد نال أعلى الأصوات !
و يا ليت الأمور ، انتهت عند هذا الحد ، بل ارتحلت من عالم والت ديزني إلى عالم هتشكوك ، فطالعتنا الصحف بالتقاء الأخير مع وزير التربية و التعليم ليرسموا للطلبة مناهج التعليم !!
ويا مصر لا تحزني ، فذاك نصيبك من ارث تجهيل متعمد تم على أسس و قواعد مرسومة ،على استحياء ربما في عهد مبارك ، منزوعة من كل براقع الحياء في العهد الحالي ، وقد أخرج للناس لسان حاله الذي أنطقه تامر أمين في جملته الشهيرة ، " لو مش عاجباك البلد غور وورينا عرض اكتفاك " !
و عكاشة ، استمرأ لعب الدور الجديد ، فانتفخت أوداجه أمام رولا خرسا و هو يغلظ من صوته، يريد تروضه على الحصافة و عمق الكلمات ، فوصف ساحة البرلمان و مبانيه بالثوب المرقع !
و لا أدعوكم يا سادة إلى فهم عبارته الغريبة ، فو الذي نفسي بيده ، لو حاول أعتى الأطباء النفسيين تحليل عبارته فما استطاعوا اليه سبيلا ، رغم اشتهار المصريين بالتبرير لمن يحوز رضاهم ، و قبل أن يتحفنا بوصف المجلس ، أدهشنا باقتراح السماح بالمظاهرات داخل المجلس ، و هو ليس مستغربا ممن هم على شاكلته أن يهينوا توقير المجلس، و بعد أن سبقهم اليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بكوتة الفلاحين و العمال ، غير منتقصة من قدرهم ، انما متفهمة لدوافع القيادة السياسية في سوق أذهن الطيبين من المصريين ،بعيدا عن المشاكسين المتسببين لهم بصداع دائم ما داموا .
و من البرلمان إلى قناة السويس ، حيث استمر انخفاض عوائد القناة للشهر الرابع على التوالي ، مسجلا بذلك أدنى مستوياته منذ فبراير الماضي ، تاركا العديد و العديد من التساؤلات المنطقية حول كيفية اعداد دراسات الجدوى ، و من المسئول عن فشلها ، و عن حقيقة تأكيد السيسي في خطبة من خطبه أمام الميكروفون، من أن القناة قد كفت تكاليفها في بداية تشغيلها ؟
بيد أن ميكروفون السيسي كان أوفر حظا عن مثيلة ميكروفون الجزيرة ، الذي شهد "موقعة الميكروفون" لصاحبها سامح شكري ، و الذي وصفه عزمي مجاهد ب " الدكر " ،و لا أدري عن أي " دكر " كان يقصد مجاهد ، الدكر الذي نكس رأس مصر في المفاوضات ، أم الدكر الذي نفش ريشه على ميكروفون ، لا حول له و لا قوة !
و هل الموقعة أريد بها اخافة الجانب الأثيوبي ،و إظهار أن مصر تغضب فتثور فتغلي فترغي فزبد فتضرب الميكروفونات ؟؟
تغير المجتمع كثيرا في الآونة الأخيرة ، و أضحت القيم كما الخبز و الكرامة و الحياة الآدمية ، ترفا لا يستحقه المواطن المصري ، وأضحى الخنوع و الذل و الانكسار و الاستئساد على الضعيف ،أخلاقا بديلة مطلوبة ، فأضحى السمع و الطاعة ، و كف التبجح و نبذ الزعامات ، سمة من سمات العهد الحالي ، و قد ساقها مصطفى النجار في تغريدته الأخيرة، و التي وصف بها حال مصر، أنها استقرت في أدنى مراتبها الأخلاقية ، حيث أضحت دولة اللا أخلاق ، و أزيد على النجار بتساؤل أخير ، و هل هناك دولة ؟