فتحت ثورة 25 يناير الباب للتخلص من العشوائية التى سيطرت على حياتنا ففى ظل النظام المخلوع، والتى لم تسلم منها حتى المدن الجديدة. ويحرص جهاز مدينة العبور على وصف مدينته البائسة (بمعايير المدن الحديثة) بعروس المدن الجديدة.. فإذا كانت هذه المدينة المتواضعة عروسًا؛ فإن الوصف المناسب لمدينة (الشروق)، الأكثر بؤسًا، هو "أرملة المدن الجديدة"!. فالمدن الجديدة عموما كان يجب أن تكون نموذجا للانتشار المعمارى الحضارى الخالى من عيوب المدن القديمة.. ولكن هذا لم يحدث، فعلى الرغم من استلامهم لأرض فضاء شاسعة وجاهزة للتخطيط الجيد لكل صغيرة وكبيرة قبل بدء التنفيذ.. فقد فوجئنا بصورة كربونية لأغلب المشكلات التى نعانى منها فى مدننا وقرانا العتيقة؛ مثل الطرق المعادية للسيارات وركابها (بحفرها ومطباتها وبالوعاتها)، وعدم وجود آلية متحضرة لجمع المخلفات، أو للاستفادة من مياه الأمطار (ناهيك عن تصريفها)، وعدم التفكير فى إنشاء مركز تدريب للحرفيين واشتراط حصولهم على رخصة للعمل بالمدينة لتجنب الأخطاء الإنشائية التى انتقلت آليًا من المدن القديمة إلى المدن الجديدة، وانعدام التخطيط الجيد لإقامة المرافق قبل رصف الطرق بدلا من عمليات الحفر الهمجى الدائمة بالأسفلت، وتجاهل الاستفادة من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الغاز الحيوى... إلخ.. أما الفساد الإدارى الموجود بأحياء المدن القديمة، فقد انتقل آليا وبطريقة أكثر فجاجة، نظرا لوجود الضحايا الذين يقومون بتعمير هذه الصحراء القاحلة فى أماكن مقطوعة واضطرارهم للتضحية بالمال إنقاذا للوقت والأملاك. وقد حققت مدينة الشروق رقما قياسيا فى العشوائية والإهمال والفوضى وتعذيب المواطنين، خصوصًا من تورطوا فى إنشاء بيت يؤويهم.. ولن أجد مثالا على ذلك أفضل من شكوى إحدى المواطنات، التى قالت باكية: (لقد كنا أغبياء وصدقنا وزارة الإسكان واشترينا أرضا بالإسكان العائلى بمدينة الشروق لبناء بيت، فرارًا من العاصمة بمشكلاتها وازدحامها وتلوثها. فرضوا علينا نماذج معمارية لا تناسبنا وقبلنا، وهددوا بسحب القطع التى لم يبدأ العمل فيها فبعنا كل ما نملك وبدأنا.. ورغم ذلك هناك الآن (مُسَقّعون) لم تسحب منهم الأرض وتحولت إلى خرابات تهدد حياة من يجرؤ على الإقامة هناك، وفَرض علينا قٌطّاع الطرق الإتاوات وإلا سرقت مواد البناء وتحملنا.. كان الجهاز ينقل كل فترة المقلب الذى يوضع فيه ناتج الحفر إلى أبعد مكان تعجيزًا لنا ولكننا صبرنا.. كانوا يقطعون المياه عند كل حاجة لها مثل يوم صب الخرسانة وصمدنا.. تبين أننا وقعنا فى مصيدة عندما رُفعت أسعار الحديد والأسمنت فجأة ودون مناسبة، فبعنا الشقة التى نعيش فيها بمصر الجديدة لنكمل البيت الذى تورطنا فيه.. المهم أن الله سبحانه أعاننا على بناء بيت بعد بهدلة كبيرة فى جهاز المدينة، ومع المقاولين والحرفيين غير المؤهلين الذين يتعلمون فينا، ومع قُطّاع الطرق.. ومطلوب منى الآن إخلاء شقتى التى قمت ببيعها لأكمل البناء، ولكننى وجدت أنه يستحيل العيش فى هذه المدينة فى الزمن المنظور، فجبال الأتربة والمخلفات تحيط بنا، وتضاف كل يوم أتربة جديدة جهارا نهارا فى كل مكان تحت سمع وبصر مسئولى جهاز المدينة.. والطرق مغلقة بمواد البناء ونواتج الحفر، فضلا عن حفرها كلها "رغم رصفها"؛ كالتى نقضت غزلها!، وخط الصرف لا يصلح للعمل لرداءته بالإضافة إلى ترك البالوعات دون أغطية فدمرت الغرف وردمت، أعمدة الإنارة (خيال مآتة) ولا تعمل لأن أكشاك الكهرباء تبين أنها علب فارغة، ولم يحاسَب أحد!. المياه والكهرباء تقطع كثيرا، لا توجد توصيلات للغاز أو التليفون، الكلاب الضالة والثعابين ترعبنا، الأرصفة (بالأماكن المحظوظة) رديئة وتفوح منها رائحة الفساد حيث دمرت قبل أن تستخدم بسبب (أنيميا الأسمنت).. ويبدو أن مسئولى الجهاز يستهترون بمشروع الإسكان العائلى الذى صدعونا بمزاياه، ولا يهتمون إلا بمناطق الفيلات والأحياء التى يسمونها فاخرة. وبعد كل ذلك، وبعد أن صرنا "على الحديدة" فوجئنا (قبل الثورة طبعا) بالضريبة أو "الضرْبة" العقارية، التى سوف تجبرنا (إن طبقت) على بيع البيت الحلم الذى سبب لنا البهدلة والتشرد من شقتنا التى ليتنا قنعنا بها ولم نصدق وعود الحكومة ولم نبعها، وطبعا لن نجد مشترياً أحمق يقبل السكن فى خرابة الشروق). كان الله فى عون هؤلاء الضحايا.. ويضاف أيضًا إلى هذه المشكلات العجيبة محاولة استغفال المواطنين؛ فعندما ذهب صديقي- الذى يبنى بالإسكان العائلى - لتسديد فواتير المياه ففوجئ بأن كل فاتورة عليها 85 جنيهًا صرف صحى، غير استهلاك المياه (بالسعر التجارى!).. وهذه المياه كلها مستهلكة فى عمليات البناء، وليست هناك حمامات مثلا، بل إنه لم يوصل بيته بالصرف الصحى بعد لأنه تحت الإنشاء، ولأن الشبكة أصلا مردومة ولا تصلح للعمل!. فهل هذا استغفال للمواطن أم (استهبال) من شركة المياه؟. أيضا يقوم جهاز المدينة بتحصيل رسوم نظافة إجبارية لبيوت لم تسكن بعد ولا توجد خدمة جمع قمامة أصلا.. لذا نقول لوزير الإسكان: إذا أردتم الجباية.. أفلا تبحثون عن أسباب معقولة؟ أيضا هناك إسراف خطير وسفيه فى المياه.. حيث تسيل باستمرار فى عشرات المواقع، لدرجة أنها دمرت الأسفلت، وصارت هناك حفر عرضية متعددة بالطرق عند كل ماسورة خربة.. وعندما اختشوا وقاموا بإعادة رصف بعض الطرق (رصف ردىء كالعادة)، فوجئنا بأنهم لم يصلحوا سبب تخريب الأسفلت، وتركوا المياه كما هى تسيل فوق الأسفلت الجديد، الذى عادت إليه الحفر بالطبع، وهذه جريمة وهدر للمال العام يستحق إبلاغ النائب العام. ألا تستحق (الشروق) بالفعل لقب (أرملة المدن الجديدة)؟! [email protected]