الأحداث تأخذ حجماً أصغر أو أكبر من حجمها اذا تم فصلها عن ظروف زمان وقوعها – وفق نظرية هامة جداً أطلق عليها محمد مختار الشنقيطى " النسبية الزمانية - . فى الكلام عن يزيد ذكر الحافظ الذهبى - وهو تلميذ شيخ الاسلام بن تيمية - كثيراً من مساوئه وقتله الحسين رضى الله عنه ، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد انما وضع الأحداث فى سياقها الزمانى والتاريخى حتى لا تأخذ حجماً أكبر من حجمها ، فقال " وله نظراء أمويون وعباسيون ، بل فيهم من هو شر منه ، وانما عظم الخطب لكونه ولى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بتسع وأربعين سنة والعهد قريب والصحابة موجودون كابن عمر الذى كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده " . كذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية عن معاوية رضى الله عنه " لم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية اذا نسبت أيامه الى أيام من بعده ، وأما اذا نسبت أيامه الى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل ، ومعاوية على ذنوبه لم يأت بعده مثله ملك " . اذاً لابد من وضع الشخصية فى سياقها التاريخى ثم الحكم عليها ، لا كما تفعل الحركة الاسلامية دائماً بنزع الشخصية عن سياقها التاريخى وعزلها عن واقعها والظروف المحيطة بها قبل وبعد توليها ، ثم الحكم عليها . فاذا قسنا الرئيس الراحل أنور السادات بالنظر الى ما كان ومن كان قبله فى السلطة – بشأن العلاقة بالاسلاميين خاصة – وكذلك من كان وما كان بعده لاختلفت الصورة تماماً ، ولاكتشفنا أن السادات حتى بالقياس الى الرئيس المحسوب على الاخوان والتيار الاسلامى هو أفضل من يتولى الحكم لتحقيق أهداف الدعوة وتحسين امتيازات الحركة الاسلامية بصورة متوازنة ومقبولة ، لا بشعارات عنترية وأهداف مستحيلة موهومة . لذلك عندما تحدث الشيخ الشعراوى عن الرئيس السادات قارن بينه وبين الرئيس عبد الناصر وبين الأوضاع فى العهدين وما قام به السادات وفق تصوره لخدمة الدعوة وحماية وصون الأعراض والحريات وحياة المصريين الشخصية .. الخ ، بمعنى أنه استخدم " نظرية النسبية الزمانية " التى تحدث عنها الشنقيطى حديثاً وأصلها ابن تيمية والذهبى قديماً . أما الحركة الاسلامية فعادتها فصل الشخصيات عن سياق الأحداث وتسلسلها ، فلا تنظر الى ما كان قبل السادات وما استجد وتطور فى عهده ، بالمقارنة بما كان قبله . واذا كان الامام الذهبى أنصف يزيداً رغم جرائمه الكبرى بقياسه الى من جاء بعده ممن هم أشد شراسة وجرماً : " وله نظراء أمويون وعباسيون ، بل فيهم من هو شر منه " ، فكيف بالسادات الذى اذا قارنته زمانياً بمن قبله ومن بعده – من وجهة نظر وتصور الاسلاميين وبحسب أياديه وفضائله على الدعوة – لكان أفضل من الاثنين معاً . نحن نبحث عن صيغة وعن منهج أقرب للواقعية والاقناع وأقرب للانجاز الحقيقى على الأرض ، وأكثر التصاقاً بعدل الاسلام وانصافه واحترامه لسنن الواقع وسنن التطور ومراعاته للظروف ولوسع المجتمعات والحكام معاً . فما كان ممكناً تحققه فى العهد الاسلامى الأول وجيل الفتوحات من الصعب جداً تحققه فى واقع مختلف تماماً فى العصر الحديث من تغير موازين القوى وتراجع مركز العالم الاسلامى عسكرياً واستراتيجياً وتقنياً واقتصادياً . فاذا حدثت طفرة وحقق قائد عربى مسلم انجازاً وانتصاراً وسط هذا الضعف والانهيار العام ، قتلوه واستباحوا دمه ، عندما انتزعوه من سياق زمانه وطالبوه بانتصارات صلاح الدين ونور الدين محمود والمعتصم . ولو عاشوا الواقع وظروف الزمن لاكتشفوا أنهم أمام رئيس وقائد صنع بالفعل معجزة ، سيعجز عن القيام بها على مدى عقود من سيتصدرون القيادة بعده سواء فى مصر أو غيرها . وويل لمن سبق عقله زمانه .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.