جاءتنى كثير من الرسائل والتعليقات على المقال السابق بشأن عبد الناصر وتباين تعامل الاسلاميين معه من جيل مصطفى السباعى الى جيل موفق السباعى ابنه ، وبدورى لى بعض الملاحظات على الردود فى نقاط سريعة : ما نحن فيه هو نتيجة تراكمات أخطاء الماضى لكننا نفضل اهالة التراب عليها واراحة أنفسنا من مشقة المراجعة والتجديد ، ولذا يصعب الخروج من دائرة تكرار أخطاء الماضى كأننا ندور فى حلقة مفرغة . بالنظر الى المنهج الاسلامى فى تقييم التاريخ والأشخاص فهذا بعيد عن منهج السلف وأهل السنة والجماعة ، وما أتمناه أن نخرج من دائرة التحزب الى دائرة الاسلام الشاملة والى ما أصله مفكرو الاسلام المعنيون بشأن هذه القضية أو غيرها . الأخطاء تكررت لأنها لم تصحح ولم نقف من قبل هذا الموقف فى محاسبة أنفسنا والنظر الى تاريخنا نظرات نقدية . أخطأ عبد الناصر، ولكنه لم يكن شيطاناً ولم يكن يهودياً أو عميلاً للمخابرات الأمريكية ، بل أخطأ في كذا وأصاب في كذا ، وسعينا لنصرة الإسلام لكننا لسنا ملائكة معصومين ، ولقد أخطأنا في كذا وأصبنا في كذا . لم يعد مقبولاً كتمان الأخطاء أو تسويغها ، خاصة بعد المآسى الاخيرة التى حدثت . المنهج القرآنى فى التقييم بتقديم الصورة كاملة بجوانبها المضيئة والقاتمة فلا يوجد تاريخ كله مناقب أو مثالب ، والتاريخ كله محل اعتبار لنفع الأمة . يقول شيخ الاسلام ابن تيمية فى شخصية كعبد الناصر أو غيره " ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه " . وتقديرنا لمفكرين ودعاة من هذا التنظيم أو هذا التيار لا ينبغى معها اقرارهم على أخطائهم فهذا مناهض للمنهج الاسلامى القويم . ولابد من تقييم الشخص بالنظر الى التحديات وظروف الزمن والمرحلة التى عاش فيها والوضع فى الاعتبار كل ما أحاط به فى ذلك الوقت ودراسته جيداً بالنظر الى أمثل المواقف وردود الأفعال التى من الممكن أن يقوم بها هذا الشخص فى مثل ظروف زمانه وعصره ، يقول شيخ الاسلام " ومعاوية – على ذنوبه – لم يأت بعده مثله ملك " . وكذا الأمر بالنسبة لعبد الناصر – وغيره من شخصيات – فالى أى زمن ينظر اليه ويتم التفاضل هل الى من قبله من ملوك وعهد ملكى اقطاعى أم الى من جاء بعده؟ أم أن البعض يعمد الى نزعه من دائرته الزمانية والنظر اليه بالمقارنة بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما ؟ ينبغى النظر الى زمن عبد الناصر ومن حوله من العرب من رؤساء أو ملوك وكيف تميز عليهم فى أمور أو تفوقوا هم عليه فى خطايا وجرائم فاقت الحد والوصف ، وانما عظم الخطب لأنه زعيم مصر بحجمها ومكانتها وهى دائماً تحت المجهر وكونه كان من الاخوان وانشق عنهم بعد خلافات مشهورة .. الخ . وهذا ليس تسويغاً لأخطاء أو جرائم أحد – كما قد يفهم البعض - انما لفهم الحدث التاريخى ضمن سياقه الزمنى . لا تخلطوا بين المبدأ والشخص فليس كل من ادعى انه اسلامى نقدسه ونتغافل عن أخطائه ونرفعه فوق المحاسبة والنقد – فهذا سبب الكوارث للاسلاميين - وليس كل من لم يرفع هذه الراية بعيداً عن الاسلام أو أنه يعاديه ولا يحبه ولا يسعى لخدمته ، وهذا الخلط من أسوأ أمراضنا الفكرية للأسف . وقد أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم باتباع سنته هو باطلاق لانه المعصوم الوحيد " عليكم بسنتى " – هكذا بدون تقييد - ، ثم أمرنا باتباع سنة الخلفاء من بعده لكنه هنا قيدها بالرشد فالاتباع هنا ليس باطلاق فقال " وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى " فلم يقل الخلفاء وسكت انما قيدها بالراشدية – لأن من سوى الرسول ليس بمعصوم - فلا يكفى لاتباعه أن يكون من الخلفاء أو يدعى أنه من الخلفاء أو ينتمى الى منهجهم أو أنه اسلامى ، بل يجب النظر فى عمله ان كان راشداً صواباً فأهلاً ومرحباً وان لم يكن " يفتح الله " .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.