أثار فوز حركة المقاومة الإسلامية " حماس " بثلثي مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني أصداء عالمية واسعة ، وأثبت العرب الفلسطينيون أنهم قادرون دوما علي إثارة إعجاب العالم كله. ليس هناك ذريعة لأحد فالمشاركة عالية جدا، والفوز ضخم، والحركة لها برنامج ورؤية واضحة محددة أيدها جمهور الناخبين الذين صوتوا لصالح مشروع المقاومة الشاملة علي كافة الأصعدة : تشريعية، وتفاوضية،ومسلحة وضد الفساد والانفراد بالقرار الفلسطيني، وضد الخذلان العربي لقضية فلسطين، وضد النفاق العالمي والاستخذاء الدولي أمام الجبروت والعنجهية الصهيونية. هاهم الفلسطينيون يثبتون للعالم العربي والإسلامي أن الديمقراطية والانتخابات قادرة علي تحقيق ما لم تستطع الثورات والانقلابات العسكرية تحقيقه وهو الحصول علي احترام العالم والبدء في إصلاح ما أفسده الثوريون الانقلابيون. التهنئة هنا واجبة للسيد محمود عباس " أبو مازن " وحركة فتح والسلطة وأمنها الذين أثبتوا أن القرار السياسي والإرادة الجازمة هي حجر الزاوية في أي انتخابات حرة وديمقراطية سليمة. فتح فوز حماس والديمقراطية الفلسطينية ملفات مؤجلة في الشارع العربي والإسلامي والدولي لا نستطيع نحيط بها في مقال أو مقالات. هناك ملف الصراع العربي الإسلامي والصهيوني، الذي يجب تحويله إلى ملف الصراع الدولي الصهيوني وأبعاده الحالية والتاريخية وهناك الملفات الداخلية الفلسطينية: محاربة الفساد المالي والإداري، التنمية الشاملة، الإصلاح السياسي والإداري، الوحدة الوطنية، تحقيق الحلم الفلسطيني في دولة ليست عبارة عن علم ونشيد و سجادة في المطارات. هناك دروس للحركات الإسلامية، وتقديم نموذج جاد للتحرك من الحركة إلى السلطة وما يفرضه ذلك من آثار وتداعيات فوز حماس علي الحركات العنيفة كذلك ومدي تأثير ذلك علي الشباب المندفع إلى تيار العنف الذي يحرم العمل السياسي ولا يري أفقا في المشاركة. هناك داخل حماس نفسها ملفات مؤجلة بسبب توجيه الصراع نحو هدف واحد وهو مقاومة الاحتلال سياسيا وفكريا وعسكريا، الآن هناك أدور جديدة، وهناك مستقلون انضموا إلى قوائم الحركة ودخلوا المجلس التشريعي، وهناك الداخل والخارج وفلسطينو 1984. أيضا لا ننسي تداعيات الفوز الكبير للشعب الفلسطيني علي مكونات الشعب الأساسية ومنظمة التحرير الفلسطينية. في هذا السياق أبدأ بأهم تداعيات الفوز والنجاح علي القضية المحورية للشعب الفلسطيني وهي صراع من أجل السيادة والاستقلال والوحدة والدولة المستقلة والسيطرة علي أرضه وثرواته ومقدراته كلها واستعادة مقدساته. لقد مارس الفلسطينيون نضالا طويلا منذ بدأت الهجمة الصهيونية مع بواكير القرن الماضي مر بمراحل متعددة يندب بهم اليوم أن يسترجعوها الآن .. الذاكرة الوطنية والقومية ضرورية في هذه المرحلة الخطيرة. لقد لعب المجتمع الدولي بالعواطف الفلسطينية طويلا ولم يحقق لهم شيئا يذكر طول قرن كامل إلا الاستيلاء علي أرضهم ومقدساتهم والتسويف عبر القرارات الدولية التي انتهت إلى مجرد " خريطة الطريق". ولا ينسي الفلسطينيون إن نسي العالم كله أن الاستيلاء علي أرضهم تم بقرار دولي وحماية أممية وتواطؤ عالمي وسكوت إسلامي وعجز عربي. كان شعار منظمة التحرير الفلسطينية في وقت ما ولمدة طويلة : دولة ديمقراطية واحدة يعيش فيها الجميع علي قدم المساواة: فلسطينيون وغيرهم من الوافدين الجدد المهاجرين اليهود. كان الادعاء الصهيوني طوال هذه الفترة كرفض هذا الاقتراح أن العرب لا يعرفون الديمقراطية ولا يمارسونها وأن واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة هي " الدولة العبرية " تلك التي تسمح بوجود حركات فاشية عسكرية وأحزاب دينية متطرفة وأخري علمانية وحركات يسارية ويمينية ويحدث بها تداول للسلطة بشفافية عالية: الجميع متفقون علي الأهداف الإستراتجية ولكنهم يمارسون التكتيكات بكفاءة مشهودة: حزب العمل بني الدولة وقوتها النووية، وحزب الليكود غرس الضفة مستوطنات من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى في تطور جديد لم يحظ بتوافق وطني ويهودي عام مثلما حصل عند إنشاء الدولة. اليوم وفي صبيحة " العرس الديمقراطي " الفلسطيني لا يستطيع أحد لا اليهود ولا الغرب بشقيه: الأوروبي الذي صدر لنا الدولة العبرية، والأمريكية الذي حماها وساندها منذ إنشائها إلى يومنا هذا أن ينكر أن الفلسطينيين مارسوا تجربة ديمقراطية رائدة عالية المستوي لا تقل عن تلك التي بجوارها أو بقية التجارب الغربية. هل يمكننا اليوم العودة إلى حلم " دولة ديمقراطية واحدة" ؟ !! أمام ذلك الحلم عقبات كثيرة: أولا: حلم آخر لحماس بإقامة دولة إسلامية علي كامل التراب الفلسطيني ومعه الحلم الفلسطيني بتطهير الأراضي من الذين دنسوها بهجرتاهم المتوالية والعودة إلى حيفا ويافا وعسقلان وعكا وبيوتهم التي ما زالوا يحملون مفاتيحها حتى الآن. ثانيا: حلم إسرائيل الكبرى أو حلم نقاء الدولة العبرية الذي عمل عليه شارون في آخر حياته بعد أن أدرك أن الحلم الأول مستحيل عمليا. ثالثا: المجتمع الدولي الذي يرفض هذه الفكرة لأنها قد تعني ببساطة عودة الكثير من المهاجرين إلى بلادهم الأصلية وبذلك يعود العالم إلى المشكلة الأصلية التي تم حلها علي حساب العرب الفلسطينيين بتهجير اليهود من بولندا وروسيا وأوربا إلى فلسطين. رابعا: النظام العربي المستبد العاجز الذي لا يملك من أمره شيئا ويخاف علي نفسه من عدوى الديمقراطية الوليدة. لا أنسي محاضرة د .عزمي بشارة في نهاية ندوة عقدها مركز الدراسات الإستراتجية بالجامعة الأردنية حذر فيها من خطر إقامة دويلة فلسطينية بحدود مصطنعة وهدفها الأساسي هو حماية الدولة العبرية من أي أخطار تهددها خاصة الخطر الفلسطيني: الديموجرافي والحضاري والمقاوم... الخ. في هذا الصدد يجدر بالإخوة في المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد والحكومة الفلسطينيةالجديدة وأيضا الرئاسة إذا أمكن ذلك أن يتعلموا بعض الدروس من الحركة الصهيونية والدولة العبرية: . فليتحدثوا طويلا عن مسيرة السلام ودفع عجلة السلام وفي نفس الوقت يعملوا طويلا علي بناء مجتمع فلسطيني قوى ومتحد في سبيل تحقيق أهدافه الوطنية والوصول إلى الحلم الفلسطيني. لا يجب التلهف علي مفاوضات أو حوارات أو طرق أبواب اليهود أو أوربا أو أمريكا: فليسعى الجميع إلى الباب الفلسطيني الواسع الذي فتحته الانتخابات الديمقراطية. الآن الواضح أنه ليس هناك شريكا صهيونيا يقبل التفاوض مع الطرف الفلسطيني الذي فاز في الانتخابات. الكرة الآن في الملعب الصهيوني والأوربي والأمريكي. الأولوية الآن لبناء استراتيجية فلسطينية جديدة تكون محل اتفاق بين كل الشعب الفلسطين. محور هذه الاستراتيجية هو الاتفاق علي الحلم الفلسطيني: تحرير كامل التراب الوطني. والاتفاق قدر الامكان علي مراحل تحقيق ذلك الحلم، والتوافق علي آليات ذلك بقدر المستطاع. الثوابت الفلسطينية محل اتفاق الجميع ويجب تثبيتها من جديد وإضافة ما يستجد عليها : تحريم الاقتتال الفلسطيني فالدم الفلسطيني حرام -مقاومة الفساد المستشري تنمية المجتمع الفلسطيني التواصل بين كافة مكونات الشعب الفلسطيني الديمقراطية وتداول السلطة الحوار الدائم حول كافة القضايا العمل علي تعميق البعد العربي والإسلامي لمساندة الشعب الفلسطيني رسالة واضحة للمجتمع الدولي يمكن أن يضيف إلي حلم الدولة الديمقراطية الواحدة التي تتسع للجميع حلما أخر وهو حلم " بلاد الشام الواسعة " التي تشمل كما كانت من قبل سوريا وفلسطين والأردن ولبنان، وهذا حلم آخر يستطيع أن يحل مشاكل معقدة بدت بوادرها الآن في الأفق. اعتقد جازما أن بداية النهاية للهجمة الصهيو أمريكية والتي تصورت أن العرب خرجوا من التاريخ قد بدأت مع انتخابات 25 يناير ( كانون الثاني) لعام 2006 م بعد مائه وعشر سنوات علي بداية الحلم الصهيوني بإقامة الدولة العبرية. لامكان الآن لفكرة الدولتين التي حلم بها بوش، ولا مكان بعد اليوم لحلم دولة عبرية نقية حلم بها شارون.