بالتأكيد لم يكن فوز حركة المقاومة الإسلامية [حماس] بالانتخابات التشريعية الفلسطينية مفاجأة للشعوب العربية والمسلمة التي أكدت أكثر من مرة أنه إذا ترك لها حرية الاختيار, فلن تختار سوى أصحاب الأيدى المتوضئة والوجوه النيرة. بالتأكيد لم يكن فوز حماس مفاجأة, كما أن الموقف الأمريكي والغربي من فوز حماس ليس بمفاجأة كذلك, وبالتأكيد كذلك أن فوز حماس ليس إلا البداية فالجميع الآن من شتى المذاهب يترقبون ما ستفعله حماس, وهو ما ستفعله لن ينحصر تأثيره على فلسطين بحسب بل إنه سيمتد ليشمل الحركات الإسلامية في العالم العربي ومن بعده العالم الإسلامي الأوسع. عن تأثير فوز حركة حماس على الحركات الإسلامية في العالم العربي, كتب الصحفي الأمريكية "مايجن ستاك" مقالاً في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية تعرض لهذا الشأن. بدأ الصحفي الأمريكي مقالته بعنوان أكد خلاله أن المرحلة الحالية تمثل تجربة جديدة في السياسة العربية, مشيرًا إلى آراء الخبراء الذين يؤكدون أن فوز حماس يعد اختبارًا للحركات الإسلامية بشكل عامة, وبينما يتزايد دور الحركات الإسلامية في حكومات العالم العربي يجب على الأنظمة الغربية أن تخفض من مواقفها المتشددة تجاه الحركات الإسلامية. يقول الصحفي الأمريكي إن انتصار حماس في هذه الانتخابات الفلسطينية ينظر إليه على نحو واسع في الشرق الأوسط كاختبار تاريخي ليس للفلسطينيين فحسب, ولكن للحركات الإسلامية في أنحاء العالم العربي التي تجنى فوائد الانفتاح الديمقراطي. وفي أعقاب انتصار المجموعة التي تتبنى العمليات الاستشهادية حث العديد من المحللين السياسيين العرب, ومن بينهم مراقبين علمانيين, الزعماء الأمريكيين والأوروبيين لمنح حماس فرصة, مؤكدين أن الالتزام الحقيقي بتطبيق الديمقراطية لن يتحقق دون تليين الموقف الغربي نحو الحركات الإسلامية. ويضيف الكاتب الأمريكي: سواء أردنا أم لم نرد, فإن الإسلاميين على نحو متزايد يتجهون إلى تولى مواقع متقدمة في الحكم. تعد الانتخابات الفلسطينية تجربة لم يسبق لها مثيل في السياسة العربية الحديثة؛ حيث نجد لدينا حزب معارض يهزم الحزب الحاكم الجاثم على السلطة, كما أننا نجد حزبًا إسلاميًا شعبيًا يتخلى عن مقعده في معارضة المؤسسة الحاكمة ليتولي هو مسئولية الحكم. ويقول الصحفي اللبناني "يوسف سماحة" المحرر في صحيفة السفير اللبنانية: سنعيش مع آثار نقطة التحول هذه لعدة سنوات قادمة. ويشير الصحفي الأمريكي إلى أنه في الوقت الذي يروج فيه المسئولون الأمريكيون للديمقراطية في العالم العربي, كعلاج للتطرف والعنف السياسي, فإن الانتخابات الفلسطينية تعد مثالاً واضحًا على الاتجاه الإقليمي الأوسع في المنطقة: حيث نجد الحركات الإسلامية, وبعضها يفتخر بأنها حركات مقاومة أو تتبنى مواقف عدائية بشكل صريح وواضح تجاه الولاياتالمتحدة, تكتسب أكثرية صلبة من النفوذ والقوة داخل حكوماتها عبر الانتخابات الديمقراطية. إن الولاياتالمتحدة تعتبر حماس منظمة إرهابية وتدعو المجموعة إلى ترك العنف. وفي العراق, منحت الانتخابات العراقية الأخيرة جزءًا كبيرًا من السلطة والنفوذ إلى أحزاب البلاد الدينية, والتي يرتبط بعضها بالحكومة الإيرانية, ونجحت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر من حصد قرابة خمس مقاعد البرلمان وهي نتيجة لم يسبق لها مثيل, وفي لبنان بدأ حزب الله هو الآخر القيام بدور نشط في السياسة. ويميل الإسلاميون إلى اعتبار أن تطورهم من حركات هامشية أو تحت أرضية إلى القوى السياسية السائدة تطورًا طبيعيًا, كما يعد حصد الشعبية بهذا الشكل الكبير أمرًا طبيعيًا في هذه البلاد الذي يعد الكثير من سكانها مسلمين مخلصين. "نحن نصعد" هكذا يقول عصام العريان القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين, ويضيف العريان: الإسلام ليس لأحزاب المعارضة فقط, إنه الإستراتيجية الجديدة للتغيير في هذه المنطقة, لتحقيق أحلام المساواة والإزدهار والوحدة. ولكن حتى قبل أن يتلقي العالم العربي أخبار انتصار حماس, كانت تسود حالة من القلق بين الإسلاميين بشأن كيف أن القوة السياسية الفدائية سوف تتولى السلطة الفلسطينية, ويستعيد الإسلاميون بقلقهم هذا تجربة الإسلاميين في الجزائر, حيث حصدت جبهة الإنقاذ الأصوات في انتخابات 1991 ولكن تم إسقاطهم بواسطة انقلاب عسكري, الأمر الذي دفع البلاد إلى حرب أهلية قاسية, ومنذ ذلك الحين, بقي الإسلاميون على هامش السياسة العربية. إن هناك إحساسًا واسع الانتشار بأن مصداقية الحركات الإسلامية جميعًا تتوقف على قدرة حماس على الالتزام بثوابتها في موقعها الجديد. وفي القنوات الفضائية وفي الصحف, الكل يتحدث ويعلق ويخمن هل ستقوم حركة حماس التي تعهدت بتدمير الدولة اليهودية رسميا, بالاعتراف بإسرائيل أو هل ستمتثل للمطالب الغربية الخاصة بنزع السلاح. ويقول "هشام قاسم" الصحفي بصحيفة "المصري اليوم" المصرية: إذا رفضت حماس إلقاء السلاح, فإن ذلك سوف يكون جرس إنذار لبقية العالم, بأنه ما لم تتحرك أحزاب المعارضة العلمانية فإننا سوف نشاهد ما أكثر من ذلك, ويضيف قاسم: وإذا انتبهت حماس لموقعها وأدركت أنها في موقع المسئولية فإن ذلك سوف يكون رسالة إلى كل الدكتاتوريين بوجوب قبول البديل الإسلامي. ويعتقد العديد من المراقبين أن الإسلاميين سيجبرون على تبني مواقف أكثر اعتدالا إذا ما شاركوا في قلب العمل السياسي. يقول كريم مقدسي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت: هذه تجربة, الكثير منهم [الإسلاميون] في موقع السيطرة ويمثلون الحكومة, إن هذه التجربة قد تكون مثل "قبلة الموت". ويضيف مقدسي: إنهم يجيدون لعب دور المعارضة لأنهم يصورون أنفسهم بعيدون عن الفساد, ويتحدثون كثيرًا عن الغضب والإحباط لدى الشعوب العربية تجاه الحكومات المسئولة. ووصف العديد من العرب نتائج الانتخابات الفلسطينية بأنه "احتجاج على الوضع الراهن؛ إنها صيحة جماعية من الاشمئزاز ليست فقط ضد زعمائهم, ولكن ضد المجموعة الدولية كذلك". تقول صحيفة "القدس العربي": لقد شجبت السلطة الوطنية الفلسطينية الإرهاب, وتركت المقاومة ووافقت على الشروط المسبقة الإسرائيلية والأمريكية, ولكن على ماذا حصلت في المقابل؟ للمرة الأولى وبصوت عال جدا, يؤكد الشعب الفلسطيني أنه ضد التطبيع, وضد الاتفاقيات التي تتعارض مع حقوقهم الشرعية. وبالنسبة للأنظمة العلمانية في الدول المجاورة مثل مصر والأردن وسوريا, فإن الهزيمة والإذلال التي تعرضت لها حركة فتح في الانتخابات الفلسطينية تعد رسالة تذكير مؤلمة بنقاط ضعفهم, فالكثير مثل فتح الحركة المخلصة لياسر عرفات, تقف على سمعة ملوثة بالفساد والركود وتواجه تحديدًا بالشعبية المتصاعدة للمعارضة الإسلامية. ويبرز انتصار حماس كخط رقيق يمر بجوار الحكومات في الأردن ومصر, التي لها اتفاقيات سلام مع إسرائيل وتدعوها الولاياتالمتحدة في أغلب الأحيان إلى استخدام تأثيرها على الفلسطينيين. لقد عملت مصر بشكل مركز مع أعضاء حركة حماس في محادثات مطولة من أجل وقف إطلاق النار, وفي الوقت ذاته تكافح من أجل كبح جماعة الإخوان المسلمين التي تتمتع بصلات أديولوجية مع حركة حماس. وعلى الرغم من الأهمية الواضحة لنجاح حماس, فإن الرد الفعل العربي الرسمي اتسم بالهدوء إن لم نصفه بالصمت والسكوت, بل إن الحكومة الإسرائيلية ذكرت أن الرئيس المصري حسني مبارك تكلم هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بالإنابة "إيهود أولمرت" واتفق معه على الحديث الأسبوع القادم مع القيادة الفلسطينية. وفي الختام؛ نستطيع أن نقول إن الحركات الإسلامية قد انتقلت من مرحلة التكوين والتطور إلى مرحلة تحمل المسئولية واختبار الثقة والمصداقية, وإن ما هو آت أخطر وأهم مما هو فات المصدر : مفكرة الاسلام