لا يشترط أن تكون متفوقًا أو من الأوائل، الأهم، أن تكون من المنتمين إلى "الطبقة العليا"، وليس من أبناء الطبقة الكادحة من الفقراء، حتى يكون الباب مفتوحًا أمامك للتعيين بالنيابة العامة، أو السلك القضائي بوجه عام، مبدأ ترسخ في مصر على مدار العقود السابقة في المنظومة القضائية وهو ما ظهر جليًا في تصريحات وزير العدل المستشار محفوظ صابر، بالأمس، ليقول إن ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيًا، لأن القاضي لابد أن يكون قد نشأ في وسط مناسب لهذا العمل، مع احترامنا لعامل النظافة، وفق قوله. وأضاف "صابر"، خلال حواره ببرنامج "البيت بيتك"، المذاع على قناة ten""، أن ابن عامل النظافة لو أصبح قاضيًا سيتعرض لأزمات عدة، ولن يستمر في هذه المهنة، متابعًا: "كتر خير عامل النظافة إنه ربى ابنه وساعده للحصول على شهادة، لكن هناك وظائف أخرى تناسبه، وكأن القضاء في مصر قد أصبح محجوزًا لأبناء القضاة ذي "الدماء الزرقاء"، وبدلاً من أن يعلن الوزير- الذي من المفترض أن يكون حاميًا لمحراب العدالة - انتماءه لأبناء الشعب إذا به يعلنها صريحة أمام الجميع "لا لأبناء العاملين الفقراء أو أبناء عمال النظافة، حتى ولو كانوا متفوقين حرصًا على حساسية المنصب"- بحسب محللون. ولم يكن تصريح وزير العدل هو الأول من نوعه في هذا الشأن، فقد سبقه المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، عام 2012، حينما أطلق مقولته الشهيرة إن "الزحف المقدس لأبناء المستشارين لن يتوقف" رغبة منه فى تعيين أبناء المستشارين الحاصلين على تقدير "مقبول" و"جيد" كوكلاء للنيابة وهو ما اعتبره محللون، أنه تعبير عن نهج مضى ويستمر حتى بعد ثورة يناير مفاده أن المحسوبية والنفوذ يسريان فى البلاد حتى فى أرفع المناصب التى من المفترض أن يسودها العدل، فكيف لإنسان أتى بغير عدل أن يكون عادلاً؟ وأكد الزند أنه لا تراجع عن تعيين أبناء المستشارين في السلك القضائي "شاء من شاء وأبى من أبى"، قائلا: "من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تكون قوة فى مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها". وفي أكتوبر الماضي تم استبعاد 138 من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، لعدم حصول والديهم على مؤهل عالٍ، ولكونهم أبناء فقراء من الفلاحين والعمال وليسوا من أبناء الطبقة العليا وهو ما يضرب بعرض الحائط مفهوم "العدالة الاجتماعية" التي نادت بها ثورة 25 يناير 2011. وفي هذا الإطار شن سياسيون ونشطاء هجومًا شرسًا على النظام الحالي، مطالبين بالإقالة الفورية لوزير العدل الحالي وإعادة هيكلة المنظومة القضائية فى البلاد لتحقيق العدل والمساواة بين جميع المواطنين. وأكد مؤمن رميح، الفقيه القانوني، أن تصريحات وزير العدل بشأن حرمان بعض الفئات من أبناء الشعب المصرى من تولى مناصب قضائية يعد كارثيًا على الصعيدين القضائى والسياسى، بل يجعلنا نبحث فى تاريخ كل القضاة مند إنشاء المحاكم المصرية حتى وقتنا هذا، بل لعلنا نجد أن آباء وأجداد وزير العدل ليسوا سوى مواطنين مصريين صالحين كانوا يعملون لدى الإقطاع السائد ولدى الأتراك الحاكمين لمصر. ووجه رميح، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، حديثه لوزير العدل، قائلا: و"كأن لسان حالكم يقول لنا ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا"، في إشارة للمقولة الشهيرة للخدوي توفيق مخاطبا أحمد عرابي. وتابع رميح تساؤلاته للوزير:"هل كل من كان يعمل عند هؤلاء لا تصلح أبناؤه لتولى القضاء كما فى حال كثير من القضاة السابقين؟ أم أن هذا ابتداع من وحى خيال وزير العدل وبعض النخبة القضائية الآن، محاولين أن يخلقوا لأنفسهم عالمًا بعيدًا تمامًا عن آلام وتطلعات الشعب المصرى والذى تعيش أغلبيته تحت خط الفقر. وقال ممدوح حمزة، الناشط السياسي، موجهًا حديثه للوزير: "إلى السيد وزير العدل، كلام حضرتك ضد مبادئ حقوق الإنسان التي اتفقت عليها الأممالمتحدة ويجب ألا يصدر عن رجل عدالة لأن أبناء الكادحين جنود مصر"، متسائلاً: ما هو رأي السيسي رئيس السلطة التنفيذية في كلام وزير العدل أحد أعضاء سلطته في أبناء الكادحين؟ وأضاف حمزة: "إلى السيد وزير العدل: ابن عامل النظافة قد يصبح من أفضل القضاة وابن عامل البريد أصبح رئيس جمهورية ومنظف أحذية أصبح رئيس جمهورية البرازيل". وأكد محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية المصري السابق، أنه وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده"، مضيفًا أن غياب مفهوم العدالة عن الوطن قد ينذر بخطر. وقال البرادعي، خلال تدوينة له على "تويتر" إنه "عندما يغيب مفهوم العدالة عن وطن لا يتبقى شيء". ورد المهندس حاتم عزام - البرلماني السابق - على تلك التصريحات قائلاً: "تصريح وزير ظلم سلطة السيسي عنصري تحاسب عليه كل الدساتير المصرية، ويحاسب عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان وتزدريه الأديان السماوية ويشمئز منه الإنسان صاحب الفطرة السليمة"، مضيفًا: عامل نظافة نظيف الذمة المالية ونظيف الضمير أنظف ألف مرة من وزير قضاء "ساكسونيا" الحامي لقضاة مزورين ومختلسين وسارقين لأراضي الدولة وظالمين". واجتاح هاشتاج "أقيلوا_وزير_العدل" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في أول رد فعل لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على تصريحات المستشار محفوظ صابر، وزير العدل. وقال أحد النشطاء "تصريح طبقي لا يراعي إنسانية أو حقوق إنسان أو يخاطب معيار الكفاءة على الأقل، تصريح يدل على شخصية لا تحسن الإدارة"، وعلق جمال "الحق يتقال ابن عامل النضافة أنضف من ابن قاضي فاشل اتعين بس لأنه ابن فلان مش لأنه بني آدم كامل ومؤهل ومكافح زي ابن العامل، الإقالة هي الحل". وعلقت نور "لما التعيين في وزارة العدل يبقى بالظلم والتفرقة والتمييز، هايبقى فين العدل إذا كانت البداية فساد؟" وضربت هيام المثل بالرئيس البرازيلي، قائلة "حد يقول لوزير العدل إن (لولا دي سيلفا) أفضل رئيس للبرازيل كان ماسح أحذية وكان من عائلة بسيطة". وكتب أحد النشطاء قائلا: "كلام الباشا ابن الأكابر وزير العدل ما ينفعش يعدي مرور الكرام ومينفعش نسكت، دي مش قضية سياسية هنختلف عليها، دي حقوق واضحة".