قالت مجلة "المونيتور" الأمريكية إنه بعد التوقيع على "وثيقة المبادئ"، الخاصة بسد النهضة الإثيوبية تستعد مصر لبدء معركة الاحتفاظ بحصتها التاريخية من مياه النيل. وأضافت "منذ توقيع رؤساء دول النيل الشرقي (مصر والسودان وإثيوبيا) على وثيقة المبادئ حول سد النهضة الإثيوبي في 23 مارس الماضي، برزت حالة من الأجواء الإيجابية والقبول النسبي على المستوى الرسمي والشعبي داخل مصر، في محاولة لإعادة بناء الثقة بين هذه البلدان بعد تاريخ طويل من النزاع على مياه النيل التي تعتبرها القاهرة أمنًا قوميًا". وتابعت "أبرز هذه النزاعات هي بناء السدود في دول المنبع، ما تطلب إيجاد حل وسط بين استخدام المياه في تحقيق الأمن المائي لجميع البلدان المشتركة في النيل". وأشارت إلى أنه "مع الترحيب الدولي بالوثيقة الجديدة باعتبارها بداية للتوافق والتعاون لحل الخلاف حول إدارة مياه النيل، لا تزال حالة الجدل قائمة بين المعنيين في ملف مياه النيل داخل مصر حول مدى إمكان تفعيل ما ورد في الوثيقة من مبادئ، خاصة بعد انتهاء اللقاءات الرسمية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلاماريم ديسالين، دون الاتفاق على جدول زمني أو خطوات واضحة للتفاوض على اتفاقية قانونية دولية تحقق ما ورد في الوثيقة من مبادئ عامة". ولفتت المجلة إلى أن "الوثيقة المسماة ب"اتفاق حول إعلان مبادئ" وضعت عشرة مبادئ تحدد آلية إدارة مصر والسودان وإثيوبيا لمياه النيل الشرقي، تتضمن التفاهم المشترك، وحسن النوايا، والتنمية، وعدم التسبب في ضرر ذي شأن، والاستخدام المنصف والمناسب للمياه، وبناء الثقة، تبادل المعلومات والبيانات، وأمان السد، السيادة ووحدة إقليم الدولة، والتسوية السلمية للنزاعات، بينما نصت ديباجة الإعلان على التالي: "ألزمت الدول الثلاث نفسها بالمبادئ العشرة في شأن سد النهضة". وذكرت أنه "منذ انتهاء وزراء خارجية دول النيل الشرقي من صياغة الوثيقة في مارس 2015 في اجتماع في الخرطوم، كانت هناك اجتماعات مكثفة حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومستشارة الأمن القومي السفيرة فايزة أبوالنجا، ورئيس الوزراء إبراهيم محلب، للمراجعة الدقيقة لبنود الوثيقة قبل ساعات من سفر الرئيس إلى الخرطوم وتوقيعه على الوثيقة بعد تخوفات من التوقيع دون النص صراحة على إلزام إثيوبيا بعدم المساس بالحصص السنوية لمصر بمياه النيل". ونقلت "المونيتور" عن المستشار القانوني للجنة العليا لمياه النيل أيمن سلامة، قوله: "ستكون مرحلة المفاوضات المقبلة لإبرام الاتفاقيات التفصيلية من أصعب المراحل وأدقها، حيث تحتاج من المفاوض المصري شحذ الهمم للوصول لأعلى المكاسب، وهي الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل". وأضاف: "إعلان المبادئ هو اتفاقية أولية استرشادية، ستتبعه اتفاقيات فنية تفصيلية يتم إبرامها بعد انتهاء المكتب الاستشاري الدولي من إعداد الدراسات الخاصة بالمسائل الفنية والأمنية المرتبطة بالسد، مثل الأمان والإدارة والتشغيل وملئ الخزان". وتابع: "لم يلغ إعلان المبادئ الاتفاقيات التاريخية سواء الموقعة خلال فترة الاستعمار، أم تلك المبرمة مع دول حوض النيل بعد استقلالها". وعن عدم تضمن المبادئ العشرة الواردة في الاتفاق بند "إلزام" إثيوبيا بعدم الشروع في أي قرارات قد تضر الأمن المائي المصري واستبدال مصطلح "إلزام" ب"احترام"، أوضح سلامة: "ذكرت ديباجة الإعلان مصطلح "ألزمت الدول أنفسها بتنفيذ المبادئ"، ووفقًا لمبدأ "حاكمية النص" في القانون الدولي، فإن الالتزام قائم لتنفيذ كل المبادئ". وأشار سلامة إلى أهم مبدأ تضمنته الوثيقة، وهو مبدأ حسن النية إذ قال: "يلزم هذا المبدأ الدول بتنفيذ تعهداتها بحسن النية، فلا يمكن أن يتم تقديم بيانات حول السد في توقيت متأخر أو إخفاء معلومات هامة بتعمد حتى يتم إلحاق الضرر بدول أخرى". وقالت المجلة إن "الرئيس السيسي قد نقل رسائل عدة خلال كلمته الارتجالية في مراسم التوقيع على وثيقة المبادئ، إذ قال: "لا يزال سد النهضة يمثل هاجسًا ومبعث قلق للمصريين، خاصة أن النيل هو مصدرهم الوحيد للمياه". لكنه أكد قائلاً: "أقول لكم إن المياه تأتي إلى مصر بأمر من الله، حتى يعيش المصريون ويقيموا الحضارة"، وفي محاولة لإذابة الجليد مع إثيوبيا قال: "من الممكن أن نستمر سنوات طويلة في خلاف وشك، لكننا اخترنا طريق التعاون والثقة معكم". من جانبه قال هاني رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل وأفريقيا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام": "إيجابيات الاتفاق ليست كبيرة لكن لها دلالات هامة في مقدمتها تحسين صورة مصر الإقليمية والدولية، وأيضًا لدى شعوب دول حوض النيل، ونقل النوايا وطريقة التفكير المصرية بأقرب درجة ممكنة". وأضاف "الاتفاق ليس حلاً للخلافات الفنية التي لا تزال قائمة، وأجواء التعاون والتواصل قد تسهل عملية الحوار والوصول إلى نتائج". وقالت "المونتيور" إنه "على المسار الفني وبعد مرور ثمانية أشهر من اجتماعات الخرطوم بين وزراء المياه المصري والسوداني والإثيوبي في أغسطس 2014، والتي تم خلالها الاتفاق على خارطة طريق لمدة ستة أشهر لتشكيل لجنة وطنية فنية تختار مكتبا استشاريا لتنفيذ الدراسات المتعلقة باختبار تأثيرات السد على مصر والسودان، لا تزال الأمور معقدة ولم تنته اللجنة من اختيار المكتب الاستشاري حتى الآن، رغم الاجتماعات العديدة في القاهرةوالخرطوم وإثيوبيا". وأردفت "أن أسباب التأخير ليست معلنة، لكن مصادر من الداخل أشارت إلى أن هناك خلافات بين الخبراء المصريين والإثيوبيين متعلقة بتقييم العروض المقدمة من قبل المستشارين والوقت اللازم لإجراء الدراسات، ويقال إن مصر تحاول تسريع التوصل إلى اتفاق بينما إثيوبيا تتلكأ". ولفتت إلى أن "وزير الموارد المائية والري حسام مغازي لا يزال يبدي تفاؤله بحل المسائل الفنية العالقة، حيث قال في تصريحات صحفية في 29مارس إن "اتفاق المبادئ الثلاثي الذي وقعه زعماء الدول الثلاث أخيًرا، كان له تأثير إيجابي على المسار الفني، وقد يتم التوافق على اختيار المكتب الاستشاري خلال الأيام المقبلة". وقالت المجلة إن "الجميع في مصر يبقى في حالة ترقب حذر لما ستأتي به ثمار اتفاق المبادئ الذي وقعه الرئيس السيسي، وفي انتظار إشارة البدء بمفاوضات حقيقية حول اتفاقية دولية ملزمة حول إدارة المياه في حوض النيل الشرقي، تحفظ للقاهرة حقها المكتسب في الحصة السنوية من مياه النيل، بينما لم تتوقف المعدات الثقيلة عن العمل في موقع سد النهضة مع كل هذا الجدل القائم".