كنت على وشك إعلان شد الرحيل إلى ميدان التحرير يوم 9 سبتمبر المقبل للمشاركة في مليونية تصحيح المسار ، فأنا أشعر أن الثورة في حاجة لتجديد روحها وشبابها وإثبات أنها ما زالت حية وفوارة وقادرة على الاحتشاد ، وخاصة أن هناك مطالب ملحة تحتاج إلى سرعة التحقق سواء في مسألة أمن المواطن والشارع أو قانون السلطة القضائية أو تطهير المؤسسات الأمنية والإدارية من بقايا الموالين للنظام السابق وفساده وحساباته . غير أن ما حدث خلال الأيام الثلاثة الأخيرة جعلني أتردد ، وأغير رأيي "الشخصي" في المشاركة ، وأظن أن كثيرين غيري ربما أثار قلقهم ما حدث من "حشر" مطالب لا تحظى بالإجماع الوطني خلال هذه المليونية المنتظرة ، الأمر الذي يعيد الانقسام بين قوى الثورة ويجبر بعضها على الانسحاب من تلك المليونية ويضعف في النهاية زخمها وقوتها والدفع الأخلاقي لتنفيذ المطالب ، بوصفها مطالب شعب ، وليس مطالب ومصالح ضيقة لتيار سياسي بعينه ، وقد جاء البيان الذي وزعته الجمعية الوطنية للتغيير أمس كاشفا عن هذا الالتباس ، والذي أتصور أنه "تفخيخ" متكرر للمليونيات يضر بها ويضعف وهجها . لقد كان الإعلان عن هذه المليونية في البداية من أجل حزمة مطالب محترمة ، ومجمع عليها من قبل القوى الوطنية ، تتمثل في : بسط الأمن فى أرجاء البلاد، من خلال تنقية جهاز الشرطة من بقايا ثقافة القمع، وسياسات ورموز جهاز أمن الدولة المنحل، ووضع حد نهائى لأنشطة النهب والإرهاب والبلطجة وترويع الآمنين، التى تستخدمها القوى المعادية فى تنفير المصريين من الثورة ، وكذلك تطهير مؤسسات الدولة، من رموز الفساد فى العهد البائد، وعلى رأس هذه المؤسسات : الأمن، والإعلام، والجامعات، والاقتصاد، والسياسة.. إلخ، كمدخل لابديل عنه من أجل إعادة قاطرة الثورة إلى مسارها الصحيح ، وأيضا إلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين، وبالذات لشباب الثورة، الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية صارمة وسريعة ، وأخيرا تدعيم استقلال القضاء من خلال استعجال إصدار قانون السلطة القضائية الجديد، لأهميته القصوى فى ضمانة عملية التحول الديموقراطى السليم ، وتيسير سبل العدالة لأبناء الشعب . كل هذه مطالب محترمة وضرورية ومجمع عليها ، وأظن أنها كافية جدا لاحتشاد الملايين وراء حزمة مطالب حيوية لتلك المرحلة ، ولكن "بعض الشطار" أراد أن "يفخخ" تلك الدعوة بإضافة مطالب مثيرة للقلق والانقسام ، مثل تغيير قانون الأحزاب وتغيير قانون انتخابات مجلس الشعب والشورى ، وهذا المطلب يعني تعمد وضع الأحجار من جديد أمام الانتخابات التي تتم الدعوة إليها هذا الشهر ، بهدف إلغائها أو تعطيلها أو تأجيلها ، بما يضر بالمصلحة الوطنية ، بل وبما يصطدم بالمطالب السابقة المتعلقة بالأمن واستقلال القضاء وتطهير مؤسسات الدولة ، لأن كل هذه المطالب لا يمكن أن تتم بشكل منهجي وعلمي وحاسم إلا من خلال برلمان وطني منتخب وحكومة وطنية بتفويض شعبي ، فما معنى أن تضع مطالب متعمدة في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات من أجل أن تعيد "المكلمة" من جديد حول قانون الانتخابات وقانون الأحزاب ، وإذا كنت كقوة سياسية عاجزا عن أن تحصل على خمسة آلاف مؤسس لحزب سياسي في بلد قوامه خمسة وثمانون مليون مواطن ، فأنت قوة سياسية لا تستحق أن تشكل حزبا فعلا ولا تصدع رؤوسنا بالدعوة لتعديل قانون الأحزاب ليكون على مقاسك الهش والضعيف. أضف إلى ذلك المطالبة في نفس المليونية بإلغاء الدوائر الفردية في الانتخابات واعتماد نظام الدوائر النسبية المغلقة ، وهو كلام ليس عليه أي إجماع وطني ، كما لا يمكن قبوله من الناحية الحقوقية البحتة ، وأنا شخصيا أرفضه ، لأنه يحرمني من حقي في الترشح مستقلا ومنفردا عن أي حزب سياسي ، بافتراض أني لست عضوا في أي حزب ، أو أن قناعتي السياسية لا يحتويها حزب من الأحزاب القائمة ، فلماذا يريد البعض أن يجعل ملايين المصريين رهنا بعدة أحزاب هي التي تحدد من يترشح ومن لا يحق له الترشح . أتمنى من الأصدقاء الذين احترفوا "تفخيخ" المليونيات أن يراعوا ضمائرهم وأن يراعوا مصالح الوطن بدلا من هذا التدمير المنهجي لقوة دفع الثورة وتفريغها في الهدر . [email protected]