عقب فوز السبسى ( 86 عاما ) بانتخابات الرئاسة التونسية كان محور النقاش يدور حول سؤال وحيد : هل انتهى الربيع العربى ؟ خاصة أن حزب " نداء تونس " التابع للسبسى والذى يمثل النظام القديم الذى قامت عليه ثورة الشعب التونسى تمكن من حسم الاستحقاق البرلمانى لصالحه مما مكنه من الفوز برئاسة البرلمان إضافة إلى رئاسة الحكومة مما يعنى أن النظام القديم تمكن من حسم الرئاسات الثلاث لصالحه عبر انقلاب ناعم مستخدماً صناديق الانتخابات . سؤال انتهاء الربيع العربى كان أحد أهم الأسئلة التى أفرزها فوز السبسى وقد تابعت جزءاً كبيراً منها على مواقع التواصل الاجتماعى والذى يحتل الشباب المكانة الأكبر فى فضائه وقد اتضح لى أن الجزء الأكبر من شريحة الشباب لم يعد واثقاً فى صناديق الانتخابات ولا متحمساً لفكرة الخيار الديمقراطى بعد أن رأى ثورات الربيع العربى تتآكل فى بلد تلو الآخر بقوة السلاح وسطوة المال ، ففى مصر تمكنت القوة الخشنة من الإطاحة بأول رئيس منتخب لمصر فى تاريخها وتم الزج به فى السجن وإعادة هندسة الحياة السياسية والحزبية بما لايسمح بتكرار التجربة الديمقراطية مرة أخرى . وفى تونس تمكن المال السياسى المتدفق من عواصم النفط العربية وخاصة " الإمارات العربية " من إنجاح الانقلاب الناعم على ثورة الشعب التونسى وإرجاع البلاد مرة أخرى إلى حظيرة زين العابدين بن على ونظامه الشمولى ومازال الجميع فى انتظار ما سيفعله السبسى فى ملفى الحريات العامة وحقوق الإنسان . أما ليبيا واليمن وسوريا إضافة إلى العراق فالأوضاع المتفجرة فيها لا تنبأ بأى تقدم على المدى القريب بل إن الأمور مرشحة للتصعيد خاصة على الجبهتين السورية والعراقية . لذا فإن فرضية انتهاء الربيع العربى تحمل تبسيطاً مخلاً لما يدور فى الوطن العربى منذ حوالى أربع سنوات والذى يحمل فى طياته تغييراً هائلاً سيعصف بكثير من الأوضاع السياسية والجغرافية المستقرة منذ عقود والتى اجتهد المستعمر فى هندستها قبل مغادرة قواته المنطقة العربية منذ عقود قبل أن يعود لها مجدداً مع حرب الخليج واحتلال العراق للكويت . فما حدث طيلة السنوات الأربع الماضية لم يكن سوى بداية هادئة للثورة العربية الكبرى والتى حاولت الشعوب فيها ممارسة الإصلاح الهادىء والتغيير المتدرج حفاظا على بنية الدولة وإبقاء لمؤسساتها أملاً فى إصلاحها من الداخل ولكنها اكتشفت أنها كانت ساذجة وأن استسلام مفردات الأنظمة القديمة لم يكن سوى لون من ألوان الخداع الاستراتيجى ريثما يتم لملمة الصفوف وشن هجمة مباغتة على الثورات الوليدة وهو ما حقق نجاحات جزئية حتى الآن . ولم تكن هذه النجاحات الجزئية التى حققتها الثورات المضادة إلا بداية حقيقية لعملية طويلة من استرداد الوعى خاصة لدى الأجيال الشابة التى أعادت تفكيك كل المسلمات التى تربت عليها أجيال سبقتها وكان مجرد الاقتراب رجساً من عمل الشيطان يستحق فاعله اللعنة آناء الليل وأطراف النهار . فكان الحديث المستفيض عن نشأة الدولة القومية العربية بشكلها الحالى على أنقاض دولة الخلافة ، وعلاقة هذه النشأة بدوائر الاستعمار التى مهدت لها الطريق ووقفت بجانبها حتى استوت على عودها وفق حدود سايكس – بيكو الصارمة ، كما طال الحديث مؤسسات وهيئات كانت كتاباً مغلقاً لا يجوز لمسه أو الاقتراب منه لعموم الشعوب مما أضفى عليها قداسة فاقت مكانة " المقدس " الحقيقى ، وأوغل الحديث فى علاقة هذه المؤسسات بالحفاظ على مصالح الاستعمار طيلة العقود الماضية عبر شبكة مصالح متشعبة مع دوائر المال والإعلام ، وكيف لعبت دوراً كبيرا فى الحفاظ على بنية الأنظمة السلطوية التى ثارت عليها الشعوب حتى مكنتها من استرداد " مؤقت " لأماكنها السابقة . أحاديث الأجيال الشابة تناولت موضوع الهوية ولكن من منظور مختلف عما تم طرحه من قبل التنظيمات الإسلامية خلال العقود الماضية . فالهوية الآن لم تعد تتمثل فى بضع مظاهر أو لائحة من القوانين المتماشية مع التشريع الإسلامى وفقط بل صارت الهوية الحقيقية التى يبحث عنها الشباب تتعدى حدود المظاهر والتى يمكن أن يلتزمها أى نظام سلطوى فى عالمنا العربى دون الشعور بالحرج إلى تحقيق مقاصد الإسلام العليا من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية واعتبار أن دولة الإسلام الحقيقية هى التى تفعل هذه المقاصد واقعاً حياً فى حياة شعوبها . عودة الوعى هو أهم ما يميز الموجة الثانية من ثورات الربيع العربى والتى لن تكون كسابقتها بل أشبه ما تكون ب " التسونامى " من حيث قوة اندفاعها وقدرتها على اقتلاع الأنظمة السلطوية من جذورها .