الاستقالة هى كلمة مشهورة بين الموظفين, وتتعلق بمن يمارسون أعمالاً, سواء أكانت تلك الأعمال فى الحكومة, أم فى القطاع الخاص, وهى كلمة عالمية المعنى, واضحة المضمون والهدف, ألا وهو ترك العمل الذى يؤديه إنسانٌ ما, باختياره وبرغبته الحرة, دون ضغوط أو إملاءات خارجية, تمارس ضده ممن يرأسونه فى العمل, أو يعلونه فى درجات السلم الوظيفى. ورغم انتشار هذه الكلمة قولاً وفعلاً, فى دول العالم الخارجى, المتقدمه منها خاصة, وهى تعبر عن ترك العمل برغبة شخصية, بسبب العجز عن تأدية العمل بالشكل المطلوب, أو اعتراضاً على ممارسات خاطئة فى سير العمل, لايرضى عنها صاحب الاستقالة, أو اعترافا بعدم قدرة الموظف عن مواكبة التقدم, أو التكيف مع متطلبات صاحب العمل, ومن أشهر أسباب الاستقالة, رفض جمهور المواطنين لهذا الموظف, لعدم قدرته على تحقيق رغباتهم وتطلعاتهم, أو بسبب حدوث مشاكل كبرى وحوداث جسيمة, يكون المتسبب فيها إهمال وقع من مرؤسيه, أو بسبب السياسات الخاطئة المتبعة, فى بيئة العمل المسؤل عنها هذا الموظف. كل هذه الأسباب وغيرها الكثير, موجود بالفعل فى الدول المتقدمة, وهى أسباب دافعها الأساسى, الإحساس بتأنيب الضمير, والإحساس بالمسئولية المباشرة أو الغير مباشرة, عن حوث خطأ أو حادث ما, يدل على تقصير الموظف المسؤل فى أداء واجبات وظيفته, مما أدى لوقوع الخطأ, أو عدم ترحيب المواطنين بهذا المسئول, كل هذا يحدث نتيجة الإحساس بالمسؤلية, والشعور بالذنب تجاه من وقع عليه الخطأ. وهذا الشعور بالمسؤلية والذنب, هو شعور والحمد لله مفقود بالوراثة, لدى كافة المسئولين فى مصرنا الحبيبة, فلم يحدث أن سمعنا عن أى مسئول, مهما كانت حجم المشاكل التى يسببها, أو الكوارث التى تحل بالبلاد والعباد, بسبب سياسته الخاطئة, فى إدارة الجهة المسئول عنها, أن قام بتقديم استقالته, حياءً من النتائج السلبية أو الأخطاء التى يتسبب فيها, سواء كانت تلك النتائج والأخطاء, تعود له بشكل مباشر, نتيجة تقصيره فى أداء عمله, واهماله فى الواجبات والمسئوليات, المنوطة به تنفيذها, أو بشكل غير مباشر, نتيجة تقصير وإهمال مرؤسيه فى العمل, نتيجة عدم متابعته لهم, أو لسوء اختياره للقيادات التى تنفذ سياساته وتوجيهاته, وهى المسئولية الأدبية. ولم نسمع عن أى مسئول مصرى, استقال نظرا لعدم قدرته على أداء عمله بالشكل المطلوب, وعدم قدرته على مواكبة التقدم العلمى والتكنولوجى, أو مسايرة التطور المستمر للنظم الإدارية الحديثة, وترك منصبه شاغرا, لحين تعيين من هو أفضل منه, أو قام بترشيح أى قيادة جديدة, تكون قادرة على العمل الدؤب, ومتمكنة من عمل التطوير والتحديث المطلوب, والرقى بالخدمات المقدمة للمواطنين, ولكن للأسف لم يقم السيد المسؤل, بتجهيز وإعداد من يخلفه, لأن أى وزير فى مصر, يرى نفسه الأكبر والأعلم والأجدر بتولى مهام وزارته, ولايرى أى موظف مهما كان, يصلح لورائة كرسى الوزارة منه, ونظراً لأن تعيين الوزراء والمسؤلين فى مصر, يتم عن طريق الاختيار, وغالبا ما يكون الاختيار من خارج الوزراة, مما أدى إلى قتل روح التنافس, فى تقديم أفضل النتائج فى مجال العمل, وحرق طموح الترقى, فى نفوس القيادات العليا والوسطى, فى معظم الوزارات, وشعور تلك القيادات بالظلم والغبن, لأنهم مهما اجتهدوا وطوروا فى أعمالهم, وقاموا بتحديث الخدمات التى يقدمونها, ومهما حصلوا على شهادات وتدريبات, فى مجال عملهم, لن يصلوا إلى منصب الوزير, لأن الوزير يفرض عليهم من الخارج, ومادام الأمر كذلك, فلا فائدة من العمل بجد واجتهاد, وتبدأ مشاعر اليأس تدب فى نفوس تلك القيادات, وتبدأ فى التسرب إلى مرؤوسيها, وهكذا دواليك, مما ينتج فى النهاية هذا المظهر المتدن فى الخدمات الحكومية, وهذا التخلف الإدارى الذى يضرب بجذوره فى أرجاء أى مؤسسة حكومية, وهو ما ينعكس فى النهاية على المواطن العادى, الذى لا يجد خدمة جيدة فى أى مصلحة حكومية, ولا معاملة لائقة من الموظفين, الذى يدفع لهم مرتباتهم, فى صورة الضرائب والدمغات التى لا تنتهى. ولم نسمع عن أى وزير, استقال من منصبه, نظراً لرفض المواطنين له, أو لانتشار إشاعات تشكك فى ذمته المالية, أو لولائه لأحدى الدول أو الجهات الأجنبية, ولا نجد من معظم الوزراء, سوى التصريحات الوردية, والكلام المعسول, والابتسامة العريضة, وهى كلها أمور لا تسمن ولا تغنى من جوع, فلا التصريحات تتحقق, ولا الوعود تنفذ, ولا أحوال البلد تنصلح, فالأمور من سيئ إلى أسوء. الواضح أن فكرة الاستقالة نوع من الأدب والتربية, لم ينشئ عليه الوزراء المصريون, لم يجدوا أحداً من ذويهم يقوم بهذا الفعل, أو حتى يتجه إليه, لذا لم يألفوه أو يألفهم, فهو فعل قبيح ومذموم فى الأعراف والتقاليد المصرية الحكومية, ولم يتعلموه فى المدارس أو يدرسوه فى الجامعات, وربما تكون الاستقالة نوع من الثقافة والفكر, التى تنتشر بين أفراد المجتمع الواحد, لذا من الطبيعى أن نرى أن أدب الاسقالة, هو نوع من الأفكار المتمميزة, غير موجود فى مصر بالمرة, لأن الإنسان هو مرآة المجتمع, وعليه فإن أدب الاستقالة منعدم فى مصر. عبدالباقى الدوى كاتب مصرى