لم يأت شهر نوفمبر حلوا كما في فيلم sweet November “ " أو حتى بلا مذاق ، و انما جاء مجمعا لكل الأحداث الأليمة التي عصفت بمصر ، لينضم بجدارة جنبا إلى جنب مع شهر أغسطس الماضي في قائمة أطول و أصعب شهور مرت على المصريين منذ بدء عام 2014 . من أبرز تلك الأحداث تقرير لجنة تقصي الحقائق و الدعوة لثورة إسلامية يوم الثامن و العشرين و أحداث أخرى كمقتل جنود مصريين في هجومين في سيناء و الإعلان عن اقتراب فتح ولاية سيناء الإسلامية على يد جماعة أنصار بيت المقدس و مقتل 15 في انهيار مبنى في المطرية وتفحم 17 طالب في حادث أتوبيس و غرق آخر وسحل طالبات في الأزهر والحكم على مبارك و أوامر اعتقال غير مفهومة و موت و مرض فنانين . - تقرير لجنة تقصي الحقائق و دليل جديد على براءة الرئيس مرسي من أحداث الاتحادية : أصيب بالذهول كل من قرأ تقرير لجنة تقصي الحقائق ، ليس لكونه خرج عن الموضوعية و لكن لكونه خرج عن حدود المعقول و الممكن فمن تغير توصيف جماعة الإخوان في البيان من أعضاء إلى عناصر حسب ما تستدعيه حالة الوصف . إلى تصوير الجرائم التي ارتكبت في الفض أنها حدثت بين المعتصمين و بعضهم و عند اقتحامهم منشأة عسكرية و عند اصطيادهم من قبل الأهالي أثناء فرارهم نعم ، صدق او لا تصدق هذا ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق ، و إذا أسلمنا أولا لفرضية قتل الأهالي للمعتصمين ، وجب أن نسلم بالآتي : - أن الممر الآمن الذي ترك للمعتصمين الخروج منه لم يكن آمنا - أن الأهالي كانوا في انتظار الفارين مدججين بالأسلحة أمام أعين جهازي الجيش و الشرطة و لم يعترضهم أحد - أن الأهالي عندما اشتبكوا مع الفارين لم يتدخل أفراد الجيش و الشرطة مما يدحض جدليتين : أن الاعتصام كان مسلحا و إلا رد المعتصمين الفارين الاعتداء بالاعتداء ، و أن الاعتصام كان خطرا على الأمن العام . و إلى هنا يفرض هذا التساؤل نفسه على الأحداث التي زعم وقوعها حسب تقرير اللجنة ،هل تم القبض على أي من هؤلاء الأهالي القتلة ؟؟ ثانيا ، فرضية اقتحام منشأة عسكرية و دليل براءة مرسي من أحداث الاتحادية أترككم مع تقرير اللجنة و التي اقتطعت منها ما يلي بالنص الحرفي " بدأ التجمع يوم 5 يوليو و حتى فجر 6 يوليو حيث توجه حشد من المتجمعين برابعة إلى منشأة عسكرية تضم معسكرات وقيادة ودار الحرس الجمهوري لاقتحامها ، و إخراج الرئيس الأسبق محمد مرسي منها . حذرت قوات تأمين المنشأة العسكرية هؤلاء المتجمعين بعدم الاقتراب من السلك الشائك المحيط بهذه المنشأة، وأخبرتهم أن الرئيس الأسبق غير موجود بداخلها، و لكنهم رفضوا التحذير، وتوجه عدد منهم إلى السلك الشائك لمحاولة الاقتحام ،فتعاملت معهم القوات، وسقط 5 قتلى و أصيب عدد آخر" " ومن المعلوم للكافة أنه لا يجوز الاقتراب من المنشآت العسكرية، ومن ثم كانت محاولة اقتحام إحدى هذه المنشآت الهامة، وتكرار ذلك باستخدام الأسلحة خلال أيام قليلة، يشكل اعتداء خطيراً يوفر لقوات التأمين المسوغ القانوني للدفاع عنها، أخذاً في الاعتبار أن الاعتداء وقع على منشأة عسكرية داخل العاصمة " إذا ، أعطت اللجنة مسوغ قتل مقتحمي مبنى عسكري لقوات التأمين لأنه تابع لمنشأة عسكرية ، و نحن إذ نؤيد هذا المنطق تماما ، إلا أن تطبيقه على حالة الرئيس مرسي ، سيعطي له المسوغ القانوني للدفاع عن جهة و مكان سيادي إذا كان قد أعطى أوامر بالفعل لتصفية المتجرئين على القصر في أحداث قصر الاتحادية ، مما يبرؤه من الأحداث و مما ترتب عليها . ثالثا : قتل المعتصمين لبعضهم عن طريق الخطأ ، سنفترض جدلا أنه توجد فئة مسلحة في الاعتصام ، و أن هذه الفئة قتلت عن طريق الخطأ أبرياء أثناء تصويبهم تجاه أفراد الشرطة ، ألا يستدعي هذا التصور تواجد أفراد الشرطة و الجيش داخل الاعتصام ؟ بالرجوع إلى كل فيديوهات فض الاعتصام ، كانت القوات متمركزة خارج الاعتصام و أدوات الفض التي استخدمت ضد المعتصمين كانت متمثلة في المدرعات و الطائرات و قنابل الغاز و الرصاص الحي من خارج الاعتصام تدحض هذه الفرضية أما المثير للدهشة في التقرير نفي نية قتل المعتصمين من قبل جهاز الشرطة بحجة تسليم المسلحين داخل عمارة "المنايفة" إلى العدالة بدون تصفيتهم ، كما جاء في النص الحرفي للبيان " عند ضبط المتهمين بإطلاق النار على الشرطة من " عمارة المنايفة " لم تتم تصفيتهم بل جرى القبض عليهم وتسليمهم إلى المختصين " إذا ، تعترف اللجنة أن المسلحين كانوا متمركزين داخل البناية و أنهم قبضوا عليهم ، اذا لم استخدمت الشرطة الرصاص الحي و أدوات فض غير معترف بها دوليا في فض اعتصام سلمي خلا من المسلحين ؟ أما عن توصيات اللجنة فجاءت هزيلة وضعيفة ، و كأنها تخشى اللوم إذا تجرأت و طالبت بإعطاء سقف زمني لعقوبة الحبس الاحتياطي و أوصت فقط بإعماله في أضيق الحدود ، كما طالبت بتفعيل دور النيابة في التفتيش على الأقسام و السجون عوضا عن مطالبة الحكومة بالالتزام بالدستور فيما يخص بنود الحريات العامة. بخلاف تلك النقاط جاء تقرير اللجنة مليئا بإسهابات غير مفيدة تصلح لعمل كتاب دعاية للداخلية أو للنظام تحت مسمى " الحكومة الرومانسية و الأشرار " مثلا أو غير ذلك من المسميات . - الدعوة لثورة إسلامية في الثامن و العشرون ذكرت و نبهت و دعيت عقلاء الحكومة في سلسلة مقالاتي البحثية تحت عنوان الجماعات المسلحة و الشتاء العربي ، إلى احتضان الشباب ، إلى الكف عن السماح بكل من هب و دب باستهزاء الدين الإسلامي و فصله دونا عن غيره من الأديان الأخرى عن السياسة ، إلى كف الحكومة عن التضييق على الإسلاميين ، إلى إيجاد حلول لمشكلة اغتراب الشباب داخل أوطانهم ، إلى المصالحة مع الجماعات المعتدلة بدلا من أن نستيقظ على هرولة الشباب في أحضان المغاليين ، إلى كف الحكومة عن الأزهر و إعطاؤه استقلاليته و اعتلاؤه لسابق مكانه ، إلى الإفراج عن المعتقلين لآرائهم السياسية ، إلى تمكين الشباب و إعطائهم أدوارا بارزه في رسم مستقبل بلدهم ،إلى الكف عن استخدام القبضة الأمنية و التركيز على المصالحة الوطنية عوضا عنها ، ذكرت و ذكرت و ذكرت و لكن لا حياة لمن تنادي ، تستمر عنجهية الحكومة و استعلائها على الشباب و أفكارهم و تستمر القبضة الأمنية لكل صاحب فكر أو رأي ، و يستمر الاستهزاء بالإسلام فقط ، من النخبة المحسوبة على المثقفين أمثال ناعوت و إبراهيم عيسى و المحسوبين على المشايخ أمثال مظهر شاهين و غيرهم ، كل تلك أسباب تؤدي لا محالة إلى انفجار بعد احتقان لفترات طويلة . فهل من مستجيب ؟؟ لك الله يا مصر