تزدحم الساحة المصرية والإقليمية بالأحداث المتتابعة والمتلاحقة، ومع تقاطع المصالح وتعاكس الأهداف تنشأ تحالفات وتنهار دول وتبرز قوي إقليمية ودولية جديدة وتطفو علي السطح مخاطر تقسيم البلدان الكبري وإضعاف الجيوش النظامية المؤثرة ، وفي ظل هذه الظروف الضاغطة يتأثر المشهد المصري وفقا للمتغيرات الخارجية وفي ضوء هذه التحولات الكبري في المنطقة كلها توجهنا للدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية لنتعرف علي رؤية فصيل هام من فصائل المعارضة في مصر _ أين تقف ثورة الخامس والعشرين من يناير وسط هذه الأحداث المتلاحقة _ وما هو توصيف الأزمة الراهنه في مصر وماهي الحلول المقترحة وما هو الموقف من دعوة الجبهة السلفية لانتفاضة الشباب المسلم وكيف تنظر الجماعة الإسلاميةإلي الوضع في سيناء وكيف يرون مبايعة جماعة أنصار بيت المقدس للخليفة البغدادي _ وما هي رؤيتهمللتحالف الدولي للحرب علي داعش وهل تتوافق الجماعة مع دعوة البغدادي لإعلان الخلافة ...... هذه الموضوعات وغيرها هي موضوعات الحوار مع الدكتور عصام درباله رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية والذي نتعرض في الجزء منه للمشهد المصري والوضع في سيناء س: الدكتور عصام درباله نود البدء بالوضع الأكثر سخونة في سيناء و ماذا يحدث هناك؟. ج: ما يحدث في سيناء مؤلم لنا ولكل مصري، فاستمرار استهداف رجال القوات المسلحة واستمرار السياسات الأمنية القمعية لأهل سيناء والتي وصلت إلي حد هدم المنازل, والتهجير القسري منها, واستمرار إهمال تنمية سيناء؛ يمثل مأساة يعاني منها الوطن وسيعاني, وللأسف كل هذا ليس بجديد؟ س: كيف ليس بجديد؟ ج: ترجع مسألة أهمال تنمية سيناء إلى ما بعد انسحاب إسرائيل منها حيث كانت معاهدة كامب ديفيد أحد عوامل هذا الإهمال، كما يرجع وجود الجماعات المسلحة بسيناء إلى بداية القرن الحالي وكانت تعلن أنها تستهدف العدو الإسرائيلي ولا تستهدف النظام الحاكم في مصر واستمرت عملياتها سواء التى استهدفت تصدير الغاز لاسرائيل أو بعض السائحين الإسرائيلين أو بعض جنود القوات المسلحة أو الشرطة المصرية سواء في عهد مبارك أو المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى أو عهد الدكتور مرسي، وحتى الآن، والسياسات الأمنية الظالمة للعديد من أبناء سيناء استمرت منذ عهد مبارك وحتى الآن بدرجات متفاوتة، وكل ذلك له نتائج كارثية. س: وما هي هذه النتائج؟ ج: أول هذه النتائج الكارثية هي تحول العديد من أبناء سيناء إلى الاندراج في صفوف الجماعات التكفيرية من جراء تنامي الشعور بالمظلومية مما يحدث لهم ولعائلاتهم، وثاني هذه النتائج تحول هذه المجموعات التي تكفر الجيش والشرطة وكافة الحركات الإسلامية التي شاركت في الإنتخابات التشريعية إلى استهداف الجيش والشرطة بدلًا مما كانت تعلنة من استهدافها لإسرائيل والسعي لنقل بعض عملياتها إلى خارج سيناء, وأيضًا في ظل اشتداد هذا الصراع استمر غياب التنمية الحقيقية لسيناء. س: لكن ما هي الأسانيد التي تستند إليها تلك المجموعات التكفيرية في سيناء لاستهداف الجيش والشرطة؟ ج: دعني أُقرر أولًا أنه لا يجوز شرعًا هذا الاستهداف لجنود الشرطة والجيش، وثانيًا أن سيناء توجد بها مجموعات إسلامية سلفية وغير تكفيرية لا يصح بحال استهدافهم. أما الأسانيد الخاطئة التي يستندون إليها فهي تنحصر في أمرين: الأمر الأول: أن هذه المجموعات ترى أنها تريد مقاتلة إسرائيل وأن قوات الشرطة والجيش تحول بينهم والقيام بذلك, ومن ثم يستهدفونهم، وهذا الفهم خاطيء لأنه يعني أنهم أعطوا لأنفسهم الحق بإدخال مصر وشعبها في حرب مع اسرائيل دون موافقة من الشعب المصري أو من يحكمه, ويلاحظ أن الأمر لا يختلف عندهم بين أن يكون الحاكم هو مبارك أو المجلس العسكرى, أو الدكتور مرسي أو السيسي لأن الجميع عندهم كفار, وقد تنجم عن هجماتهم تهديد للسيادة المصرية على جزء من سيناء. الأمر الثاني: هو حكمهم على كل الجيوش العربية والعاملين بالشرطة بالكفر, ومن ثم يستحلون قتلهم، وهذا خطأ كبير لأنه لا يجوز شرعًا تكفير أي مسلم إلا باستيفاء شروط التكفير وانتقاء موانعه فما بالك بتكفير من يكون في حراسة الحدود مع إسرائيل. س: هل هناك علاقة بين تلك المجموعات التكفيرية التي في سيناء وبين المتظاهرين في الجامعات أو غيرها؟ ج: لا توجد بالقطع أى علاقة أو صلة، وكيف يكون هناك علاقة بين تلك المجموعات التكفيرية التي تكفر هؤلاء الذين يتظاهرون للمطالبة بالشرعية أو يدخلون الإنتخابات التشريعية، فالمتظاهرون يعلنون أن طريقتهم الحل السلمي أما هؤلاء فطريقهم لتحقيق أهدافهم العنف والقتل. س: ما هي رؤيتكم لحل مشكلة سيناء؟ ج: دعني أذكر أولًا على أننا ضد قتل الجنود المصريين وضد تكفير الجيش والشرطة على العموم, وضد سياسة القمع والتهجير لأبناء سيناء, وضد وجود من يعطي نفسه الحق في بدء أعمال عسكرية ضد إسرائيل بمعزل عن إرادة الشعب المصرى وبما قد يؤدي إلى إقحام مصر في حرب أو تهديد السيادة المصرية على جزء من سيناء, وضد استمرار الأوضاع المجحفة بمصر بفعل اتفاقية كامب ديفيد, وضد استمرار إهمال تنمية سيناء، أما بالنسبة لحل تلك المشكلة فكنا قد تقدمنا في عهد الدكتور مرسى برؤية لحل هذه المشكلة أكدنا فيها على أن الحل الأمني لا يكفي, وأنه لابد من وجود حوار مع تلك المجموعات حول أسانيدها التي تعتمد عليها وتحصين لأهل سيناء من أفكارها ودعم المجموعات السيناوية المعتدلة, ووضع خطط تنموية لسيناء, وإنهاء السياسات القمعية, واحترام حقوق الإنسان, وأرى أن كل هذه الأشياء ما زالت مطلوبة لمواجهة تلك المشكلة التي يجب أن تتضافر الجهود لإنهائها بغض النظر عن الاختلاف والانقسام السياسي والمجتمعي الذي تعاني منه مصر الآن, وهو لايقل خطورة عن مشكلة سيناء. س: مارأيك في ما أعلنته جماعة أنصار بيت المقدس من مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق وتحولها إلى إسم ولاية سيناء؟ ج: سبق وأن ذكرت الأسباب الداعية لعدم جواز دعم تنظيم الدولة الإسلامية ومن ثم لايجوز الانتساب إليه والعمل تحت لوائه, سواء بسيناء أو بغيرها, ويجب على جميع المصريين التوحد لمنع أي خروج لسيناء أو جزء منها عن سيادة الدولة المصرية, وليس معنى رفضنا للتحالف الدولي المتستر خلف عباءة محاربة الإرهاب وداعش باجهاض الثورات العربية واستنزاف مقدرات بلادها وجيوشها أننا نسوغ دعم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق للتمدد في داخل مصر أو غيرها. س: أين ثورة 25 يناير اليوم؟ ج: ثورة 25 يناير تواجه اليوم انقضاضًا من حركة مضادة عليها على أهدافها من تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, ومن ثم فإنها وأنصارها يسعون إلى استردادها ومن ثم استكمالها وصولًا إلى انتصارها بإذن الله. س: لكن لماذا لم تحقق ثورة 25 يناير انتصارًا كاملًا؟ ولماذا نجحت الحركة المضادة لها حتى الآن؟. ج: هذا سؤال هام لأن الإجابة عليه يمثل المدخل الصحيح لتحقيق انتصار ثورة 25 يناير، ونقطة البداية في الإجابة هي أن نسأل أنفسنا سؤالًا: هل في 25 يناير 2011 كانت مقومات نجاح الثورة قد اكتملت؟ الإجابة عندي: لا؛ لماذا؟ لأن أهم مقومات نجاح الثورات في صباح 25 يناير لم تكن قد اكتملت، ومن هذه الأمور عدم اكتمال حالة الوعي الشعبي بأهمية تغيير الأوضاع السائدة الفاسدة والوعي بأصحاب المصلحة داخليًا وخارجيًا في استمرار تلك الأوضاع ومعرفة التحديات والتهديدات التي ستواجه الثورة إذا ما قامت إلى غير ذلك، وأيضًا لم يكن موجودًا قيادة موحدة أو شبه جاهزة لتوجيه المد الثوري, فضلًا عن افتقاد البديل المتفق عليه للنظام الفاسد وافتقاد هذه المقومات أدى إلى سهولة الانقضاض على الثورة بتزييف الوعي وإيجاد انقسام متزايد بين شركاء الثورة بالإضافة لعدم وجود خبرة كاملة لدى رفقاء الثورة في كيفية إدارة الصراع مع دولة النظام السابق العميقة. س: يتسأل بعض أنصار الثورة لماذا انتصار الثورة تأخر إلى الآن؟ ج: بالفعل هناك من يعتقد أن مسألة انتصار ثورة 25 يناير بعد الانقضاض عليها سوف يستغرق وقتًا قصيرًا، وفي تقديري أن هذا غير صحيح؛ لأنه يتجاهل طبيعة الصراع القائم الآن في مصر وحقيقة الأزمة التي تعاني منها البلاد فكل من يدرك طبيعة الصراع وحقيقة الأزمة يعلم أننا بإزاء صراع معقد ومركب وسيطول ولن تكون فى مكنة أحد أطرافه حسمه بشكل نهائي سريع إلا أن يشاء الله أمرًا أخر. س: للتدقيق في هذه النقطة ما هي أبعاد هذا الصراع المعقد والمركب كما وصفتموه؟ ج: لاكتشاف حقيقة هذا الصراع دعني أشير إلى بعض الثنائيات الصراعية القائمة بمصر اليوم. - هناك صراع بين ثورة 25 يناير ومؤيدي 30 يونيو و3 يوليو وممثلي النظام القديم. - هناك صراع بين دعاة الحرية والاستبداد. - هناك صراع على الاستئثار بمنظومة السلطة والثروة. - هناك صراع بين دعاة الحكم العسكري ورافضي الحكم العسكري. - هناك صراع بين الهوية الإسلامية والعلمانية المدعومة كنسيًا. - هناك صراع اجتماعي ناشيء ومتزايد بين دعاة الانحياز للفقراء ودعاة دولة رجال الأعمال. - هناك صراع على من هو أحق بالحكم مغلف بدعاوى أيدلوجية أو مصلحية. - هناك صراع إقليمي ودولي ينعكس على مصر في ظل اعتماد سياسة أمريكية أوروبية إسرائيلية باجهاض ثورات الربيع العربي. حتى على المستوى الحلول الخاصة بإنهاء هذا الصراع فيوجد اختلاف بين دعاة الحل القمعي والحل السياسي, وخلاف بين أنصار سلمية الثورة ودعاة عسكرتها, وخلاف بين دعاة الاصطفاف الوطني لأنصار الثورة ودعاة أدلجة الثورة بحيث تصير ثورة عمالية أو يسارية أو إسلامية أو علمانية, وكل هذه الأشكال الصراعية كان من الطبيعي أن تولد حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب ليس فقط على مستوى النخب لكنه أمتد ليشمل الثوار والشعب بكافة شرائحه واتجاهاته وهو ما يصب في تعقيد الصراع وإطالته حيث صار الصراع بين طرفين أساسيين كل طرف منهما له ظهير إقليمي ودولي فضلًا عن وجود القوة العسكرية في الطرف المناويء لثورة 25 يناير. س: لكن ماذا عن حقيقة الأزمة الراهنة في مصر؟ ج: يمكن أن نلخص حقيقة الأزمة الراهنة في مصر في منطوق مختصر وهو"الأطراف المحلية سواء كانت المؤسسة العسكرية أو جماعة الإخوان المسلمون أو التيار الإسلامي أو الليبرالي أو اليساري أو الكنيسة أوأتباع نظام مبارك أو الأطراف الإقليمية كالسعودية والإمارات حتى إسرائيل والدولية كل منها يريد الانفراد بدرجات مختلفة بوضع أسس بناء مستقبل الوطن بما يحقق مصالحه أو أيدلوجيته". وهذا ما نراه اليوم فالمؤسسة العسكرية تضع أسسًا لبناء المستقبل تريد من الجميع دون استثناء الإذعان لها, والتيار الإسلامي أو الليبرالي أو اليساري كل منها يريد وضع أسس لبناء المستقبل بطريقته المنفردة أو شبه المنفردة, والكنيسة لها رؤية علمانية تريد فرضها, وبعض متطرفي أقباط المهجر يريدون مستقبل مصر قبطيا, وبعض الدول العربية الخليجية تريد تشكيل مستقبل مصر بعيدًا عن التيار الإسلامي أو الثوري، وبعض شباب الثورة يريد أن يشكل مستقبل الوطن بعيدًا عن كل هؤلاء، أما إسرائيل فتسعى لجعل مصر تدور في الفلك الإسرائيلي بعيدًا عن التيار الإسلامي أيضًا والثوري، ولا بأس من إدخال الجيش المصري في صراع يستنزفه أو يفتت وحدة البلاد وهي في ذلك تتطابق مع الرؤية الأمريكية والأوروبية. س: في ظل هذه الأزمة المعقدة والصراع المتعدد الأبعاد يطرح بعض مؤيدي الانقلاب ضرورة تصعيد الحل القمعي وفي المقابل يطرح بعض الثوار ضرورة عسكرة الثورة فما رأيكم؟ ج: أعتقد أن الحل القمعي لن يجدي في إنهاء الأزمة مهما طال الزمان وكذلك عسكرة الثورة لن تؤدي إلا لتفاقم واستنزاف جميع الأطراف وإدخال الوطن في حالة صراع مرير مليء بالضحايا وبالأحقاد والثأرات وقد توظفه بعض الأطراف الدولية وإسرائيل لتفتيت البلاد وهذا ما لا ينبغي أن نسمح به أبدًا. وهنا يجب على كل منصف أن يثمن دور التحالف الوطني لدعم الشرعية في الحفاظ على سلمية الثورة حتى اليوم مما أسهم في تجنيب مصر مصيرًا مأسويًا. س: إذن ما هو الحل؟ ج: الحقيقة يجب أن نبحث عن حل ينتصر فيه الوطن ككل لا أحد أطراف الصراع فقط؛ وهذا منطلق هام في البحث عن الحل, لأنه يحقق الحل القابل للنجاح والاستمرار، وهو ما تقتضيه المسئولية الدينية والوطنية والأخلاقية ويمكن الوصول إلى هذا الحل عبر أمرين هما: أولًا: الاتفاق على أسس بناء مستقبل الوطن بين جميع أبناء مصر ويبدأ هذا بتوحيد رؤية أنصار الثورة واصطفافهم حول رؤية واحدة ثانيًا: الاتفاق على الأهداف الجامعة التي ينبغي أن يعمل جميع أبناء الوطن من أجل تحقيقها. س: ما تصوركم لهذه الأهداف؟ ج: أتصور أن الأهداف الجامعة لكل أبناء الوطن ينبغي أن تتضمن على الأقل الأتي: 1- الحفاظ على الدولة بمعنى الحفاظ على إقليمها من أن ينتقص منه شبر واحد أو ينقسم أو يتفتت أو يُحتل, والحفاظ على شعبها من الدخول في حرب أهلية أو نزاعات طائفية أو انقسام مدمر يحول بين الوطن وتقدمه, والحفاظ على الدولة يقتضي أن تبقي مؤسسات القوة من الجيش والشرطة ومؤسسة العدالة والجهاز الحكومي بمنأى عن الانغماس في الشأن السياسي وعدم توظيفها في التنكيل بالمعارضين لها، وانغماسها في الحياة السياسية وفشلها في حل مشكلات الوطن سيحملها تبعة ذلك مما يفقد جمهور المواطنين الثقة فيها ويبعدها ويضعفها عن القيام بدورها الأساسي وهذا يمثل خطرًا كبيرًا. 2- انتصار ثورة 25 يناير بمبادئها العيش و الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. 3- تحقيق تقدم حقيقي للوطن في كافة المجالات وهذا لن يتم إلا بتحقيق الأمر الأول وهو الاتفاق على أسس بناء المستقبل وبإنهاء السياسات القمعية والإذعانية. س: لكن هناك من سيقول أن هذا كلام نظري لأن السلطة القائمة ترفض أي حل سياسي؟ ج: هذه حقيقة.. السلطة إلى الآن ترفض الحل السياسي ولذلك ينبغي استمرار النضال الثوري والجماهيري السلمي حتى يقتنع جميع الأطراف بأن الحل السياسي هو الطريق الآمن لاجتياز مصر هذه الأزمة العاصفة. س: وإذا لم يقتنعوا؟ ج: يستمر النضال الثوري السلمي حتى تحقيق أهداف الثورة. س: هناك من يرفض الحل السياسي ويقول لا سبيل سوى الحل الثوري الجذري؟ ج: أولًا: يجب أن نقرر أنه لا يمكن استبعاد خيار الحل السياسي لأي أزمة طالما لا يُضيع الحقوق أو يعصف بالثوابت وهذا أمر جائز شرعًا وسائغ عقلًا وحادث تاريخًا؛ فهناك ثورات وحركات تحرر نالت حقوقها من خلال الحل السياسي مثل حالة مانديلا في جنوب إفريقيا وحالة الجيش الأيرلندي الجمهوري. ثانيًا: إن الحل السياسي الذي نقصده هو ذلك الذي يحقق أهداف ثورة 25 يناير دون تفريط في أهدافها أو حقوق شهدائها حتى اليوم، وهذا التصور ليس بجديد بالنسبة لنا؛ فالجماعة الإسلامية منذ الاجراءات الانقلابية في 3 يوليو أعلنت معارضتها لما حدث بكافة الطرق الثورية والجماهيرية السلمية في إطار التحالف مع كل المدافعين عن الثورة مع السعي إلى الوصول لحل سياسي يحترم الإرادة الشعبية ويلبي مطالب المؤيدين والمعارضين وبما يؤدي إلى تفرغ القوات المسلحة لعملها العظيم في حماية الوطن بعيدًا عن المعترك السياسي، وبالمناسبة استراتيجية تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب المعلنة في نوفمبر 2013م اعتمدت الحل السياسي بجوار العمل الثوري السلمي لتحقيق أهداف الثورة. ثالثًا: أن دعاة الحل الثوري الجزري يتجاهلون طبيعة الأزمة المصرية وأبعادها المعقدة والمركبة التي أشرنا إليها من قبل وهذا يعني أن محاولة تحقيق ذلك سيؤدي إلى استنزاف خطير لأطراف الصراع وإهدار لمقدرات الوطن دون الوصول إلى حسم نهائي لصالح الثورة إلا أن يشاء الله أمرًا آخر. س: هناك من يطرح استراتيجية جديدة وهي ما أعلنته الجبهة السلفية من دعوتها إلى انتفاضة الشباب المسلم والقيام بثورة إسلامية في 28 نوفمبر 2014 فما رأيكم؟. ج: لقد أعلنا بوضوح عقب صدور هذه الدعوة عدم موافقتنا عليها وعدم مشاركتنا في فاعلياتها, كما نعتقد أنها تأتي مخالفة للاستراتيجية المعلنة من تحالف دعم الشرعية في نوفمبر 2013, لكن أخطر ما في هذه الدعوة أمران هما: الأول: أنه قيل في مبرراتها -ولكن لانشك في صدق مطلقيها- أن الشريعة والهوية مقدمة على التوافق, هذا مبرر غير صحيح وإيجاد لخصومة بين الشريعة والتوافق غير قائمة في الحقيقة الشرعية؛ لأن الشريعة تأمر بالتوافق مع أي أحد على أهداف صحيحة وتدعوا إلى ذلك وتحبزه, ومن ثمَّ تكون الدعوات الهادفة لتحقيق الاصفاف الثوري والوطني لتحقيق هدف انتصار الثورة هي من صميم الشريعة التي تأمر ب(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان), وهذا ما أكدته سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما توافق مع اليهود وآل المدينة من المسلمين وغيرهم عندما نزل بها مهاجرًا على أن يدافعوا جميعًا عن المدينة إذا قصدها أحد بسوء وكتب ذلك في وثيقة توافق عليها الجميع عرفت ب"صحيفة المدينة", ويؤكد أيضًا أن التوافق هو خيار شرعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل توقيعه لصلح الحديبة مخاطبًا أصحابه قائلأ: (والذي نفسي بيده لايسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها) رواه البخاري. ويستنبط الإمام ابن القيم -رحمه الله- من هذا القول حكمًا دقيقًا بديعًا فيقول: (ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرًا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى أجيبوا إليها, وأعطوه وأعينوا عليه وإن منعوا غيره فيعاونون على تعظيم حرمات الله تعالى لا على كفرهم وبغيهم, ويمنعون مما سوى ذلك, وكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى مرض له أجيب إلى ذلك كائنًا من كان ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه, وهذا أدق المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس, ولذلك ضاق عنه من الصحابة من ضاق)أ.ه "زاد المعاد للإمام ابن القيم ج2ص128". الأمر الثاني يتعلق بالسؤال عن جدوى هذه الاستراتيجية فما هي ماهية الثورة الإسلامية التي يتم الدعوة إليها, ولماذا هي موجهة لبعض مكونات الوطن وحصرها في الشباب المسلم؛ ألا يؤدي ذلك إلى مزيد من الاختلاف بين الإسلاميين والاستقطاب بين أبناء الثورة والتخويف من الإسلاميين ومن الثورة ذاتها مما يسهل قمعها ويساعد على تجبيه قوى داخلية وأخرى أقليمية ودولية مع السلطة القائمة مع هذه الثورة الإسلامية, ثم ماهي فرص نجاحها في تطبيق الشريعة –ذلك الأمل الذي يتمناه أغلب المصريون- في ظل تحالف دولي وإقليمي لإجهاض الثورات العربية لأنها دفعت ببعض التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم, وما فرص نجاحها في عدم موافقة عديد من التيارات الإسلامية عليها ورفض التيارات السياسية لها, ثم ما هي مآلات هذه الدعوة هل تفجر ثورة سلمية أم أنها ستقدم مبررًا لممارسة القمع ضد هذا الشباب مما قد يؤدي إلى جنوح العديد منهم ربما للعنف وترك السلمية ردًا على قمع السلطة وخلافًا لحرص مطلقي هذه الدعوة على ضرورة التزام السلمية. وبناء على هذا فإن العقلاء لا ينبغي شرعًا أو عقلًا أن يدخلوا في أمر لايعلمون ماهيته ويدركون محدودية فرص نجاحه, ويتوقعون مآلاته الخطيرة, وفي نفس الوقت يطرحونه لأن يكون بديلًا لخيار شرعي صحيح آخر لتحقيق هدف انتصار الثورة وهو التوافق والاصطفاف مع قوى الثورة وكل مكونات الشعب المصري, فإني أعتقد أن على من أطلق هذه الدعوة مراجعة رؤيتهم على ضوء فقه كيفية تحقيق الأهداف وفقه مآلاته. س: ماهي الأمور التي يمكن أن تساعد على لحلحة الأزمة المصرية؟. ج: هناك أمور عديدة لعل أهمها: 1- ضرورة امتلاكنا جميعا لقلوب تتسع لجميع آمال المصريين لا لبعضهم أو لفئة منهم فقط وهذا إذا ما تم سيلغي المعادلة الصفرية التي يفضلها البعض. 2- ضرورة الاعتراف أن هناك أزمة حقيقة موجودة في البلاد وانقسام خطير يتطلب الاتفاق على ضرورة التصدي له, ولن تجدي سياسات تصوير الأزمة على غير حقيقتها أنها مجرد مجموعات إرهابية تقوم بتفجيرات هنا وهناك. 3- ضرورة قيام كل الأطراف بمراجعة أمينة لكل مواقفها, وأقصد بكل الأطراف: المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمون والتيار الإسلامي بما فيه الجماعة الإسلامية والتيار اللبرالي والتيار الاشتراكي والحركات الثورية وشباب الثورة ومؤسسات الدولة المختلفة والقوى المساندة للنظام القديم, والكنيسة. 4- القناعة الكاملة بأن تقدم الوطن لن يتحقق في ظل الانقسام.