نتحدث في هذا المقال عن ظاهرة وليس عن وقائع رغم ان الوقائع هي التي ترسم ملامح الظاهرة ، ونظرا لخطورتها علي الفرد والمجتمع لن نمل من التنبيه الي خطورتها. فلا شك أن التعذيب جريمة تعاقب عليها الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية، بل ان التعذيب يعتبر أحد الجرائم فى أسرة جريمة الاباده إذا كان التعذيب يهدف فعلاً إلى الابادة بالمعنى القانونى أى استهداف أعضاء جماعة دينية أو سياسية أو عقائدية أو عرقية أو لأسباب عنصرية أو لغيرها والتعذيب ليس مجرد جريمة قانونية خطيرة لا تسقط بالتقادم وانها جريمة شخصيةوانما هي ايضا نقيصة أخلاقية وخروج على الأسرة الانسانية. ولهذا السبب أصبح التعذيب من جرائم النظام العام الدولى ويجب أن تقوم حملة دولية جادة لوقفه حتى لو كان ذلك عن طريق الاجراءات الدولية . وقد أصبح التعذيب ظاهرة خطيرة فى العالم العربى تمارسها كافة الحكومات دون استثناء بدرجات مختلفة وتسجلها جميع التقارير الوطنية ما أمكن والدولية أحياناً .ولذلك فإن هدف هذه المقالة هو التنبيه إلى خطورة استمرار التعذيب المرتبط ارتباطاً مباشراً بالارهاب وهى حلقة مفرغة والذى يعد ارهابياً يتم تعذيبه فى نظر السلطة القائمة والذى يتلقى التعذيب يفقد انسانيته ويتمنى زوال غيره مادامت الحياة والحرية بعيدة عنه. وللتعذيب تعريف محدد فى المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، وجميع التشريعات العربية تحظر التعذيب وتعاقب عليه ولكنها تمارسه وتعطل القانون أو تطوعه فى هذه الحالة. كما أن للتعذيب دوافع نفسية وسياسية، ولا يمكن أن يمارس التعذيب ألا برضى السلطة الحاكمة أو بعلم القائمين بالتعذيب بأن ذلك يرضيها. والتعذيب هو الحاق الاذى البدنى والنفسى بشخص المواطن أو الأجنبى الذى يتم اعتقاله من جانب السلطات الأمنية فى الدولة. ومعنى ذلك أن الشخص المعتقل يجب أن يقدم إلى المحاكمة بأسرع ما يمكن وأن يبلغ بأسباب اعتقاله وأن يمكن من الاتصال بذويه وبمحامى، ويصبح منذ تلك اللحظة عهدة فى ذمة السلطات الرسمية فهى المسئولة عن راحته وتوفير متطلباته الإنسانية إلي أن يبت القضاء فيما نسب إليه. وإذا تقرر تبرئته فيجب أن ينال حريته فوراً والتعويض عن فترة أعتقاله لأسباب ثبت عدم جديتها. أما إذا ثبت ادانته فيعامل بشرط المعاملة الحسنة التى يتمتع بها السجين فى محبسه. والمعتقل إما أن يكون لاسباب جنائية خالصة واما أن يكون لأسباب سياسية محضة ولكن الذى يحدث فى العالم العربى هو الاعتقال لدوافع سياسية مع اعطاء القضية شكلاً جنائياً ملفقاً ولا يستطيع أحد أن يتبين الحقيقة مادامت الدوافع سياسية ومادام القضاء جزءاً من السلطة السياسية فتكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم المعتقل فرض القهر دون أمل فى النجاه، فإذا أفلت المظلوم صار منتقماً وعد إرهابياً . والتعذيب عمل متعمد يقوم به موظفو وزارة الدخلية على كل المستويات فى أقسام الشرطة والسجون وغيرها من أماكن الاحتجاز. فإذا كان متهما سياسياً كان تعذيبه تقرباً إلى الحاكم وهدف التعذيب هو اشعار المواطن بأن معارضة الحاكم لها ثمن فى شخصه واسرته وفى مستقبله وأن القانون يتعطل فى هذه الحالة ومطلوب من المعتقل أن يدلى بنفسه بالتهم الموجهة إليه حتى يمكن محاكمته على اساسها وعندما تتعاون الشرطة مع النيابة مع القضاء فى ذلك فإن المواطن يشعر بالتواطؤ بين أجنحة النظام ضده ولا يجد من يلجأ إليه بعد أن سد أمامه كل أمل فى العدالة فيحرص البعض على أن يرتكب كل فعل أجرامى مهما كان حتى لا يقع فى الاعتقال. وإذا كان التعذيب ضد معتقل جنائى خالص فأن مبرر التعذيب عادة هو أن المتهم لا يعترف طبعاً ولابد من انتزاع الاعتراف منه رغم أن الاعتراف هو أحد الأدله وليس ضرورياً حتى تسير العداله، خاصة وأن انتزاع الاعتراف عن طريق التعذيب يبطل الاعتراف ولكن صاحب قرار الابطال هو القاضى وليس ذلك وارداً إذا كان القاضى متواطئا مع النيابة ومع الشرطة. وللتعذيب فى أقسام الشرطة والسجون دوافع ضد المسجون السياسى والمسجون الجنائى. فالمسجون السياسى هو عدو النظام وتعذيبه انتقام من النظام الذى تمثله الشرطة وادارة السجون وإذا كان التواطؤ بين الشرطة والنيابة والقضاء قائماً فلا أمل فى العدل. وأما مبرر تعذيب المسجون الجنائى فهو الانتقام منه بسبب اجرامه فى حق المجتمع. وقد كشفت تقارير التعذيب المتراكمة والدراسات الكثيرة عن هذا الموضوع الخطير أن التعذيب اهدار لكرامة الإنسان ولا مبرر له بالنسبة للسجين الذى قضت المحكمة بسجنه. وبالنسبة للسجين السياسى فإن الذين يقومون بالتعذيب هم عادة صغار الجنود واحياناً من الضباط، وفى هذه الحالة فإن التعذيب يعتبر أداه لتنفيس الجندى أو الضابط عن مشاكله الخاصة أو انتقام من السجين الذى يعد مشهوراً فى المجتمع وفى هذه الحالة يصل التعذيب إلى حد أهدار انسانية السجين اهداراً كاملاً وقد يشمل التعذيب أيضاً للمعتقل السياسي هتك العرض له ولأفراد أسرته لسحق انسانيته والقضاء عليه انسانياً خاصة وأن القائم بالتعذيب يشعر بالمتعة ويستجيب لأحط الغرائز فى النفس البشرية ولذلك فان الذين يقومون بالتعذيب هم بالقطع مرضي نفسيون. ولا أظن أن للدين أثراً على قرار التعذيب فقد كشفت افادات المسجونين بأن بعض الضباط المتدينين كانوا يقرأون فى القرآن الكريم ثم يتوقفون للراحة ليقوموا بوصلة تعذيب فلما سئلوا عن التناقض بين الأمرين قدموا تفسيراً مخيفاً لا علاقة له بالدين او بالدنيا وهو أن القرآن يحضه علي أن يتقن عمله وهو التعذيب الذى يتقاضى عنه أجراً فهو يقوم بعمل فى الدنيا حتى يكسب رضى الله فى الأخرة. ويشتد التعذيب للمسجونين من الجماعات الدينية حتى يشعر السجين أنه يدفع ثمن إيمانه ويشعر القائم بالتعذيب بأنه أكثر اماناً من الضحية خاصة إذا افتتح العذيب ببعض العبارات الدالة مثل الله أكبر والنصر للمؤمنين. وقد كشفت التحقيقات التى أجريت فى مثل هذه الأحوال عن مادة خصبة لعلماء الطب النفسى. وتعذيب الخصوم السياسيين يهدف عادة إلى انهاء الخصومة وإلى استبعاد الخصوم من دائرة المجتمع ويكون التعذيب فى هذه الحالة انتقاماً منهم على قيامهم بإحراج الحاكم ونقده أو تنفير الرأى العام من جرائمهم، ولذلك يكون الخصوم السياسيون عادة من المنبوذين الذين حقت عليهم كلمة العذاب فلا يقربهم أحد ولا يدافع عنهم أحد بل ولا ينعيهم أحد إذا فارقو الدنيا لأنهم أرتكبوا كبيرة سياسية لا غفران لها. هذه هى حالة التعذيب فى العالم العربى فماذا فعلت منظمات حقوق الإنسان التى أن كانت متعاونة مع الحكومة وأغفلت هذه الجرائم سمح لها بزيارة السجون زيارة مرتبة أخفى فيها العيوب وقدمت فيها الفضائل، وإذا كانت منظمات حقوق الإنسان جادة فى عملها فإنها لايسمح لها بالزيارة كما تقع ضحية لحمالات التشهير والاتهام والاغتيال المعنوى والعمالة والخيانة وربما ساقتها هذه الاتهامات وحدها هى نفسها لتلحق بالمعزبين فى السجون فتلزم حدودها وتبتلع الواقع بمراره حتى تنجو من بطش الحاكم. وماذا فعلت الجامعة العربية التى لم تستطع أن تتوافق على حالة عربية عامة وربما تعتبر التعذيب حاجة امنية قومية او انها من اطلاقات الشؤون الداخلية للدولة ، خاصة وأن الحكومة فى العالم العربى تعتبر تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية افتراءا وكيداً سياسياً وحسداً وحقداً على نجاح الحكومات فى تحقيق الوئام الاجتماعى والوفاق الوطنى. وقد أشارت تقارير هذه المنظمات إلى ردود أفعال الحكومات العربية اتجاه تقاريرها، فقد أجمعت على أن موضوع التعذيب وحقوق الإنسان مسألة داخلية وعلاقة خاصة بين الحاكم والمحكوم لا يجوز لأحد التطفل عليها كما تستعين هذه الحكومات بخبراء وقوى مصالح وإعلام فى تحسين صورتها التى تشوهها هذه التقارير فى الخارج وتنفق الملايين من الدولارات فى هذه المهمة بدلا من أن تحسن أوضاع حقوق الإنسان لديها، لأنها تعلم جيداً أن معظم ما جاء فى هذه التقارير صحيح، ثم تعمد إلى تعقب الجواسيس الذين يرسلون المعلومات إلى هذه المنظمات. إن ما يحدث فى العالم العربى لا يستقيم مع الاسلام الذى تعتنقه كل الدول العربية ولا مع الدساتير البراقة والقوانين المدهشة فى حظر التعذيب كما لا تتفق مطلقاً مع الحركة العربية لحقوق الإنسان التى تتنادى فى جنبات العالم العربى مثل الميثاق العربى لحقوق الإنسان والمحكمة العربية لحقوق الإنسان وغيرها من المشروعات الطموحة. ومن أسف أن التدخل الدولى المعروف بالتدخل الإنسانى قد فقد مصداقيته لغلبة الاعتبارات السياسية للمتدخل على الرغبة فى ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان فى العالم، خاصة وأن المنادين بالتدخل الإنسانى هم دائماً من الدول الغربية التى تحتفظ الدول العربية عنها برصيد هائل من التحيزات، وهى ترى أن حقوق الشعب الفلسطينى هى الأولى بالحماية من جلاديه الإسرائيليين. وأخيراً نريد أن ننبه إلى ثلاثة معادلات هامة فى هذا الصدد : المعادلة الأولى هى أن رعاية حقوق الإنسان ومنع التعذيب له عائد اقتصادى وأمنى واجتماعى وسياسى هائل خاصة وأنه يمكن التوافق بين الحاكم والمحكوم على منع التعذيب وتنفيذ القانون فى كل الاتهامات التى توجه إلى المواطن. وكلما زاد انتهاك حقوق الإنسان زاد الاحتقان والخوف والكراهية والانفاق الأمنى فى المجتمع ولا يمكن أن تنجح خطط التنمية فى جميع المجالات إلا بوقف التعذيب. المعادلة الثانية هى أن استمرار حالة التعذيب فى العالم العربى يشجع إسرائيل على الاستمرار فى تعذيب الشعب الفلسطينى المعادلة الثالثة هي ان التعذيب هو اهم مدارس تخريج الناقمين علي المجتمع والمصممين علي هدمه ما دام هذا المجتمع لم يحفظ له كرامته.