الحرية والعدالة: لا يختلف عن تخابر أبلة "فاهيتا".. نافعة: تحكمنا الدولة البوليسية.. خبراء: لم تطبق على الجواسيس
ما إن ولدنا ونحن نرددها: "أنا مصرى وأبويا مصري"، فلكل فرد الحق فى جنسية وطنه، الذى ولد وتربى وعاش فيه، وهو حق مكفول بقوة القانون والعرف والدستور، لا يمكن الجدال فيه، ولا يمكن لقوة أيا كانت أن تسحب من المواطن جنسيته، إلا أن الفترة الأخيرة تصاعدت وتيرة إسقاط الجنسية عن مواطنين يكتنفهم الغموض، ودعوات أخرى بإسقاط الجنسية عن معارضى النظام. منذ أحداث 3 يوليو، ورددت وسائل الإعلام عبر مجراتها الفضائية، هتافات تمثلت دوما فى "اسقطوا الجنسية عن الإخوان، البرادعى خان ثورة 30 يونيو، اطردوا باسم يوسف، أيمن نور يهدد الأمن القومى المصري، وغيرها الكثير"، حتى فى ساحات القضاء، لم يسلم كل من قال "لا" فى وجه النظام، من دعوات سحب جنسيته. البداية الفعلية لإسقاط الجنسية المصرية عن مواطنين، دون تحقيق نيابي، أو محاكمة قضائية، كانت مع قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الحالي، بسحب الجنسية من مواطن يدعى "صائل صديق عبد الرحيم الزرو"، بدعوى الغش على جهة إدارية، بإخفائه جنسية والدته الفلسطينية، ومؤخرًا محلب يصدر قرارًا آخر بإسقاط الجنسية عن المواطن "هشام محمد محمد الطيب"، وذلك بتهم "الارتباط بإحدى الجهات الأجنبية التى تعمل على تقويض النظام الاجتماعى والاقتصادى للدولة"، فهل هناك فى الدستور ما يسمح لرئيس الوزراء بإصدار قرارات إدارية بإسقاط الجنسية عن المواطنين؟ وماذا عن الدعوات المشابهة لإسقاطات الجنسية عن قادة المعارضة؟ وهل ستصبح الجنسية أداة سوط ل"تأديب المعارضة"؟ ومن المخول له بإصدار تلك القرارات؟ فى هذا السياق استنكر الدكتور أحمد رامى، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، قرار حكومة المهندس إبراهيم محلب، سحب جنسية مواطن بدعوى التخابر لصالح دولة معادية، دون إجراء تحقيق، أو إدانة رسمية من المحكمة. وقال "رامي"، فى تصريحات خاصة: "بغض النظر عن صحة الواقعة من عدمها، فهى تذكرنا بوقائع مثل واقعة أبلة فاهيتا، التى تتخابر ضد مصر"، متسائلا: "كيف أثبت الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، المقرب من الجهات الأمنية، التهمة على المواطن، بعد التصريحات التى أدلى بها للإعلام دون تحقيقات؟ وكيف ثبت هذا الأمر بحق إنسان ما؟ هل دون تحقيقات تتبعها محاكمة تفضى إلى إدانة؟". وكان الإعلامى مصطفى بكري، أحد المقربين من دوائر صنع القرار، قال: "ثبت على المواطن هشام الطيب بأنه متعدد الولاءات فيما يتعلق بجهات التخابر، ومتزوج من إسرائيلية، وله علاقة خاصة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)". وأضاف بكري، أن "الطيب ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وفق معلومات إحدى الجهات الأمنية السيادية المصرية والتى سلمت لرئيس الحكومة، وأن انتماءه للجماعة لم يمنعه من التخابر مع الموساد، لاسيما أن الجماعة، على حد قول بكري، لها علاقات خاصة بإسرائيل وأجهزة استخباراتية أمريكية". وحول اتهامات بكرى يرد "المتحدث باسم الحرية والعدالة": "بفرض صحة ادعاء بكرى المقرب من الأمن، فهل يكون عقوبة إسقاط الجنسية هى العقوبة التى تتناسب مع ما نسب لهذا الشخص؟". وتابع "رامي": "لا يخرج مثل هذا الهزل إلا متوافقا مع اتهامات مثيرة للسخرية وجهت فى محاكمات رموز الإخوان من قبيل إسقاط الاتحاد السوفيتي، واحتلال الكويت، وفى المحاكمات الحالية التى لا أقول تنال من الإخوان بل تنال من مكانة القضاء ومن علم المنطق الذى يبدو أنه انتحر فى بر مصر". وأكد اللواء عادل عفيفي، مساعد وزير الداخلية الأسبق ومدير الجوازات والهجرة الأسبق، نفيه عدم وجود حالات مشابهة لإسقاط الجنسية عن المواطنين، حتى وإن كانوا جواسيس. واعتبر "عفيفي"، المادة 16، من قانون الجنسية المصري، رقم 26، لسنة 1975، التى تحدد حالات إسقاط الجنسية بأنها مطاطة، وهى تشمل 10 حالات أبرزها: يجوز إسقاط الجنسية عن من كانت إقامته العادية فى الخارج وصدر حكم بإدانته فى جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج، أو من عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهى فى حالة حرب مع مصر أو كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت معها. ومن جهته، شن الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، هجومًا حادًا على المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بعد إعلانه إسقاط الجنسية عن أحد المواطنين المصريين. ووصف نافعة، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، قرار إسقاط الجنسية ب"التعسفي"، وبأنه يعبر عن الدولة البوليسية التى تحكم مصر حاليًا. وأكد نافعة، أن رئيس الوزراء ليس من صلاحياته إسقاط الجنسية عن المواطنين، لأن ذلك بيد القضاء المصرى وحده دون غيره، والذى يتم تغييبه حاليًا. ورأى "نافعة"، أن القرار يصادر الرأى الآخر، ومؤشر لتوجه الدولة وعودتها لفكرة الدولة البوليسية، التى تقمع كل من يخالف رأى النظام. وفى سياق مغاير، رحّب الدكتور يسرى العزباوي، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بقرار المهندس إبراهيم محلب بإسقاط الجنسية عن مواطن، والذى اتهمه بالتخابر لصالح دولة أجنبية. وقال "العزباوي"، فى تصريحات خاصة، إن كل ما يثار حول تلك الشخصية – فى إشارة للمواطن الذى تم سحب الجنسية منه - يتصف بالغموض، ولا تفاصيل كثيرة عن القضية. وأضاف: "كل من يثبت تمويله من الخارج، أو التخابر مع دولة أجنبية، أو اكتساب جنسية دولة أخرى لا ترغب فى استمرار من تم تجنيسه بالجنسية المصرية كألمانيا، أو من يتحصل على جنسية الكيان الصهيوني". ومن الناحية القانونية، قال الدكتور محمد عطا الله، خبير القانون الدولي، إنه لا يعول كثيرًا على القرار الإدارى الذى صدر بحق مواطن بسحب جنسيته، حيث من حقه اللجوء للقضاء والطعن عليه. وأضاف "عطا الله"، فى تصريحات خاصة، أنه إذا كان الحكم يتوافق مع صريح القانون والدستور، فليس من حق المواطن الاعتراض على الحكم، وإن لم يتوافق مع القانون والدستور، على المحكمة أن تعيد له جنسيته. وحول موقف قيادات جماعة الإخوان المسلمين، الذين يحاكمون فى قضايا تخابر مع دول أجنبية، أوضح الخبير القانوني، أن الأحكام النهائية لم تصدر بعد ولم يتم البت فى حكم نهائى ضد أى منهم، بما فى ذلك الرئيس الأسبق محمد مرسي، مشيرًا إلى أنه من حق النيابة العامة تحريك دعوى ضد من يثار حوله شكوك التخابر والعمل ضد مصلحة البلاد، وعلى النيابة أن تفصل فى تلك الدعوى. وأكد أنه لم تكن هناك دعاوى سحب جنسية من المواطنين، حتى فى الحالات التى ثبت فيها تجسس مواطنين مصريين لصالح دول معادية وعلى رأسها إسرائيل، حيث كانوا يواجهون أحكاما تصل للإعدام والمؤبد. وعلّق الدكتور سعد فيّاض، القيادى بالجبهة السلفية والتحالف الوطنى لدعم الشرعية، على دعاوى سحب الجنسية من المواطنين تحت بند التخابر لصالح جهات أجنبية فى مصر، بأنه اصطناع لمعارك جانبية لتحول الضغط على ما وصفه ب"الانقلاب العسكري" من الهجوم إلى الدفاع. وقال "فيّاض"، فى تصريحات خاصة، إن قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بسحب جنسية مواطن بدعوى التخابر، قرار عبثى بلا سند قانونى أو قضائي. ورأى "فيّاض"، أن مثل هذه القرارات تسمح لأى حكومة أن ترفعها فى وجه المعارضين، مضيفًا: "هو استنساخ لما حدث فى السعودية والكويت وهى دول ذات نظام ملكي، فالسيسى وحكومته يعيشون فى جو حكومات الاحتلال أو الأنظمة الشمولية التى تقوم بتفصيل القوانين واعتمادها وتنفيذها بلا رقيب". وتابع: "هذا فى حقيقته إسقاط لقيمة المؤسسات ووظيفتها لم تشهده مصر فى تاريخها الحديث بهذه الفجاجة، والتحالف هو امتداد الحركة الوطنية الأصيلة التى واجهت الاحتلال من قبل، وإسقاط الجنسية عن المناضلين والرموز الوطنية فى التاريخ دائما ما كان فى صالحهم". وفى السياق ذاته، علق المهندس هانى سوريال، الناشط القبطي، أنه لم يحدث فى أشد الأنظمة المعادية لحقوق الإنسان. وقال "سوريال"، إن القرار غير حقوقى بالمرة، مثله مثل مئات القرارات التى اتخذت بعد 3 يوليو، مضيفا: "الحمل النجس يزداد على أكتافهم حتى يكون القصاص منهم واجبًا قوميًا". وأضاف "سوريال"، وهو أحد معارضى نظام 3 يوليو والمقيم فى الخارج، أن قرار سحب الجنسية من مواطن مجهول، الغرض منه فعل الأمر نفسه مع المعارضة وخاصة قيادات جماعة الإخوان المسلمين، الذين يحاكمون فى قضايا مزعومة حول التخابر، بحسب تعبيره. وتابع: "قرار كهذا سيزيد من عزلة النظام وستتكاثر القضايا من الداخل والتى تطالب بسحب الجنسية من المعارضين للنظام، وهذا لم يحدث فى أشد الأنظمة المعادية لحقوق الإنسان". وبتصفح قانون الجنسية المصري، سنجد أن المادة 10 منه تضمنت النص على أنه:- لا يجوز لمصرى أن يتجنس بجنسية أجنبية إلا بعد الحصول على إذن بذلك يصدر بقرار من وزير الداخلية وإلا ظل معتبرًا مصريًا من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال ما لم يقرر مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عنه طبقا لحكم المادة 16 من هذا القانون. ويترتب على تجنس المصرى بجنسية أجنبية، متى أذن له فى ذلك، زوال الجنسية المصرية عنه، ومع ذلك يجوز أن يتضمن الإذن بالتجنس إجازة احتفاظ المأذون له وزوجته وأولاده القصر بالجنسية المصرية، فإذا أعلن رغبته فى الإفادة من ذلك خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ اكتسابه الجنسية الأجنبية، ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية رغم اكتسابهم الجنسية الأجنبية. كما يجوز سحبها من كل من اكتسبها بالتجنس أو بالزواج، وذلك خلال السنوات الخمس التالية لاكتسابه إياها، وذلك فى أية حالة من الحالات الآتية: (1) إذا حكم عليه فى مصر بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف، (2) إذا حكم عليه قضائيًا فى جريمة من الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو من جهة الداخل، (3) إذا كان قد انقطع عن الإقامة فى مصر مدة سنتين متتاليتين وكان ذلك الانقطاع بلا عذر يقبله وزير الداخلية. وكذلك تناولت المادة 16 من القانون المذكور، حالات إسقاط الجنسية المصرية عن كل من تمتع بها، وذلك بالنص على أنه:- يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها فى أية حالة من الأحوال الآتية: (1) إذا دخل فى جنسية أجنبية على خلاف حكم المادة 10. (2) إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون ترخيص سابق يصدر من وزير الحربية. (3) إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وصدر حكم بإدانته فى جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج. (4) إذا قبل فى الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية وبقى فيها بالرغم من صدور أمر مسبب إليه من جلس الوزراء بتركها. (5) إذا كان بقاؤه فى هذه الوظيفة من شأنه أن يهدد المصالح العليا للبلاد. (6) وذلك بعد مضى ستة أشهر من تاريخ إخطاره بالأمر المشار إليه فى محل وظيفته فى الخارج. (7) إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى للدولة بالقوة أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة. (8) إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهى فى حالة حرب مع مصر أو كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت معها. (9) وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربى أو الدبلوماسى أو الاقتصادى أو المساس بأية مصلحة قومية أخرى. (10) إذا اتصفت فى أى وقت من الأوقات بالصهيونية.