تنشر بعض وسائل الإعلام في مصر هذه الأيام أخبارا عن اتصال الأمريكيين بكوادر جماعة الإخوان المسلمين وأن أمريكا تهدف من وراء ذلك إلي السعي لاحتواء كافة القوى السياسية علي الساحة المصرية . ويفسر البعض مثل هذا التوجه بأن الأمريكيين قد أدركوا الحجم الفعلي لجماعة الإخوان في أنها فصيل سياسي منظم وأنها تحظى بقبول واسع لدي الأغلبية من المصريين ، وبالتالي فمن الأفضل السعي للتعامل معها . والمتابعون للدور الأمريكي في مصر يدركون أن هذا الاتجاه من قبل الأمريكيين والذي انحصر في فرقعات إعلامية فقط لا يقصد به لا هذا ولا ذاك فالقصد الحقيقي هو أن الإعلان عن مثل هذا الخبر يراد منه دعم التيار الليبرالي في زيادة الضغط علي صناع القرار لصياغة الدستور قبل الانتخابات ، فالإعلان عن الاتصال بجماعة الإخوان فيه انتقاص من مبادئ هذه الجماعة وسعيها لعقد صفقات مع القوي الخارجية أو الداخلية دون التمسك بمبادئها المعلنة عن الدور الأمريكي المؤيد للتيار الليبرالي والمعادي للتيار الإسلامي في مصر ونفس الدور المعادي للمسلمين في العالم أجمع وهذا يساعد علي تقويض التأييد الشعبي للتيار الإسلامي والجماعة علي وجه الخصوص . فالأمريكيون مازالوا يعتبرون التيار الإسلامي الذي تقوده حركة حماس في فلسطين ، وهي رافد من جماعة الإخوان ، تيارا داعما للإرهاب . كما أن عداء النظام السابق لجماعة الإخوان في مصر واعتبارها حركة محظورة يعتبر قربانا من هذا النظام للأمريكيين ومحاولة الأمريكيين للتلاعب ، أو التعامل ، مع التيار الإسلامي قديمة ومكشوفة ، وكثيرا ما قامت باستخدامه في لعبة التوازنات السياسية في مصر . فقد استخدمته لمساندة حركة العسكر في 1952 وجعلت منه، من خلال استخباراتها، ظهيرا شعبيا لهذه الحركة، ثم سعت لتدبير أحداث ساعدت علي التخلص منه في1954 . ثم كانت وراء سعي السادات للاستعانة به ضد اليساريين، وساعدت بعد ذلك في أحداث المنصة للتخلص منه . ثم كانت وراء حظره وقمعه في عصر مبارك حتى ثورة يناير 2011، وهي في سبيلها للبحث أو ربما الأمر معد سلفا للتخلص منه في المرحلة القادمة . ومن دلائل سعي الأمريكيين بإحداث هذه الفرقعة الإعلامية عن اتصالها بجماعة الإخوان كي تفتح الطريق لأدعياء الليبرالية لاستغلال الفرصة المصطنعة والسعي لتشويه صورة التيار الإسلامي أن القنوات الفضائية المملوكة لأصحاب المصالح من الرأسماليين سارعت باستضافة بعض الكوادر المعدة سلفا ومناقشة الأمر علي أنه يعد دليلا علي عدم التزام أعضاء الجماعة بالمبادئ التي سبق أن أعلنوها في اعتبار أمريكا العدو الأول للمسلمين، وأن أمريكا قديمة العهد في الاتصال بهم من خلال أعضاء برلمانيين سابقين بها في عهد النظام السابق، وأن الليبراليين في اتصالهم بالأمريكيين يتسمون بالوضوح وليس بالغموض الذي يحيط باتصالات الإخوان وغير ذلك من سفسطة المتربصين المخادعين وتجار السياسة. واستقبلت قنوات فضائية اتصالات من بعض اليساريين الذين حاولوا تأصيل اتصال الإخوان بالغرب منذ نشأة الجماعة وقبول الدعم المادي من الإنجليز والتعاون معهم وغير ذلك من وسائل وأساليب ممقوتة وممجوجه يتسم أغلبها بالزيف والعداء المفرط. والحقيقة أن هذا الموقف يعتبر موقفا مفتعلا وملفقا هم أصحاب إعلانه وأصحاب التعليق عليه ويظهر إلي أي مدي يكره هؤلاء التيار الإسلامي، وأنهم يراهنون علي اختراع الوسائل سعيا لإضعاف التأييد الشعبي من خلال مثل هذه الافتراءات التي يضاف إليها تمثيليات استطلاع الرأي المخترعة والسخيفة حول المرشحين للرئاسة وحشد الفبركة المسبقة لإظهار التأييد للبرادعي علي حساب سليم العوا أو أبو الفتوح وغير ذلك . والتيار الإسلامي وجماعة الإخوان خاصة يدرك أبعاد هذه الألاعيب ، ويؤكدون من أن أية اتصالات بأي جهة حتى الأمريكيين هي معلنة يقصد بها اتباعهم لمنهج الحوار الحر والانفتاح علي أي أحد طالما في ذلك توضيح لرأي أو لمبدأ أو يحقق مصلحة للوطن ، وأنهم حينما يصلوا إلي موطن صناعة القرار سيكونوا أكثر انفتاحا علي كافة القوى من أجل مصالح البلاد . لكن الذي يميز أتباع التيار الإسلامي في أغلبهم أنهم لا يحاورون أحدا علي أنهم أتباع أو عملاء كما هو شأن التيارات الفكرية والسياسية التابعة، بل هم أنداد مع كل من يتحاورون يمثلون حضارة وعراقة لبلادهم وأمتهم ، ولا يلهثون في ماراثون التبعية وتجارة السياسة لخدمة مصالح ذاتية كسفراء النوايا وأدعياء حقوق الإنسان وغيرها من أكلشيهات لا تخيل حتى علي السذج . أتباع التيار الإسلامي هم وطنيون من طراز مرموق ، وهم دعاة أخلاق ومبادئ وهو سر كراهية إسرائيل وأمريكا والغرب لهم ، أما أصحاب فكر التبعية والمصالح الذاتية من المروجين لهذه السخافات فلا نملك إلا أن نقول لهم " إللي اختشوا ماتوا " . * مؤرخ مصري