"تصدرت الجماعات الإسلامية المشهد، وأظهروا أنفسهم أمام الناس بأنهم مفجرو الثورة، وساعد ذلك على صعودهم والسماح لهم بتكوين أحزاب سياسية مثل (الحرية والعدالة) و(النور) و(الإصلاح)، رغم مخالفة ذلك للدستور وللمادة 8 من قانون الأحزاب، التي تحظر قيام أحزاب على أسس دينية بشكل مباشر أو غير مباشر" هذا النص الذي قرأته عاليه ، ليس جزءا من مقال لرفعت السعيد في صحيفة الأهالي الناطقة باسم حزب التجمع اليساري المناهض للتيار الإسلامي بجميع مكوناته وأحزابه ، وإنما هو نص مكتوب في منهج التاريخ لطلاب الصف الثالث الثانوي في مصر ، والعبارة تأتي شاهدا جديدا على حالة الفوضى والانفلات التي تضرب جنبات الدولة المصرية ، فكل شخص تم "تسكينه" في وزارة أو هيئة يفعل ما بدا له ، ويهدر القانون والأعراف واللوائح ، فقط كل ما عليه أن يظهر الولاء والتأييد الظاهر للرئيس عبد الفتاح السيسي ويتغزل في الأجهزة الأمنية الشرطية والعسكرية ، وبعد ذلك يفعل ما يشاء في البلد فهو مغفور له ، والمدهش أن المسؤولين عن هذه الفضيحة أو الجريمة يدافعون عنها أمام الإعلام ويبدون استغرابهم من غضب الحزب المعني بذلك !! . ما حدث في هذا الموضوع ، وتفريغ أحقاد سياسية وطائفية في مناهج التعليم ، وتدريس طلاب صغار مثل هذه الخزعبلات السياسية ، وإلزامهم بأن يعتقدوا ذلك ، وأن يقولوا ذلك المعنى إذا سئلوا عنه في الامتحانات وإلا كانوا راسبين في المادة ، هي جريمة مكتملة الأركان ، وفي أي بلد محترم أو دولة تحترم أوليات معنى الدولة ينبغي أن يقدم الوزير المسؤول للمحاكمة ويتم إقالته من منصبه فورا لأنه غير جدير به وغير أمين على الشباب المصري وعقله ووعيه ولا يحمل الحد الأدنى من الإحساس بالمسؤولية ، كما ينبغي التحقيق مع من كتب هذا النص في الكتاب واللجنة التي مررته ، وأن يمنع هؤلاء من الاقتراب من المناهج التعليمية مرة أخرى ما بقي لهم من عمر ، لأنهم كشفوا عن حمق وجهالة وثبت أنهم عديمو الثقافة السياسية والقانونية ، وأمثال هؤلاء يمثلون خطورة على العقل الجمعي للطلاب . هذا الموقف لا يتصل بموقفنا السياسي من حزب النور ، نخالفه أو نوافقه ، نعترض عليه أو نؤيده ، نطالب بإلغائه أو نطالب بحمايته كحزب شرعي ، كل ذلك خارج حسابات كلامنا هنا ، نحن هنا ندافع عن معنى الدولة ، عن القانون ، وعن كرامتنا الوطنية التي يستبيحها الجهلة والأميون سياسيا وقانونيا ، الأحزاب لا تقوم بناء على توصية من كاتب أو أكاديمي أو مدرس ، والحقوق المصانة قانونا ليست مجالا للسخافات وكلام المصاطب ، فضلا عن أن توضع هذه السخافات في مناهج دراسية لطلابنا يختبرون على أساسها ونلزمهم باعتناق ما فيها من أفكار مجنونة ، الأحزاب السياسية كيانات دستورية ، حققت حضورها وفق القانون المصري والدستور المصري ، واللجنة التي منحت الأحزاب شرعيتها ووضعها القانوني والدستوري هي لجنة بها عدد من القضاة وخبراء القانون ، والجهة الوحيدة التي يحق لها النظر في مشروعية الحزب من عدمه هي القضاء ، وفق ضوابط ودرجات محددة ، وبالتالي فما فعله وزير التعليم وصبيانه هو انتحال صفة وتجاوز فاضح للصلاحيات التي انتبدوا للعمل وفقها واعتداء على القانون والدستور يستوجب المحاكمة والتحقيق والعزل من المنصب بداهة . مصر تعاني كثيرا هذه الأيام ، تعاني الفوضى والانفلات ، تعاني غياب المسؤلية القانونية ، وتحول القانون إلى "أستيك" نفرده أو نلمه ، نطبقه أو نؤجله ، وفق القرار السياسي أو الهوى السياسي ، وسيف القانون يفهمه البعض على أنه يطارد المعارض للسلطة فقط ، وأما المؤيد فقد غفر له القانون ما تقدم من نزقه وجرائمه وما تأخر ، ولذلك انتشرت البلطجة الإعلامية والسياسية بصورة غير مسبوقة في مصر وبلا أي مساءلة ، وأي مؤسسة مصرية تغشاها اليوم أو تضطر للتعامل معها ستجد علامات هذه الفوضى والاستباحة ظاهرة ، هناك إحساس عام بغياب القانون وغياب المؤسسية وضبابية العدالة وانعدام الرقابة ، وكانت العرب قديما تقول : من أمن العقوبة أساء الأدب ، وكثيرون في الدولة الآن أمنوا العقوبة والمراجعة والمساءلة والمحاسبة بعد أن ركبوا موجة النفاق السياسي ، فاستباحوا القانون والأعراف وحقوق الجميع .