الانسحاب جاء بعد رفض الإخوان التجاوب مع مبادرة عبدالغفور للمصالحة.. والمخاوف من وجود قنوات سرية بين الجماعة والدولة عجلت بالقرار قوى سياسية تتحدث عن تفاهمات مع الدولة.. وشرارة يرد: لن نخوض الانتخابات وموقفنا من خارطة الطريق لن يتغير
لم يمض 20 يومًا على قرار حزب "الوسط" في 28 أغسطس الماضي بالانسحاب من "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، حتى يعمل على إنشاء مظلة وطنية رحبة تحقق أهداف ثورة 25 يناير 2011، حتى تبعه حزب "الوطن" السلفي بتعليق عضويته ب "التحالف"، متفقًا معه في الأسباب ذاتها التي اتخذ من أجلها قرار الانسحاب، مبررًا ذلك بأنه بحاجة إلى إطار واسع ومظلة شاملة تضم أطياف الوطن ومكوناته كلها. وكانت تلك الخطوة متوقعة منذ أشهر، بعد جولة الدكتور عماد الدين عبدالغفور، رئيس الحزب إلى قطر وتركيا، حاملاً إلى قيادات التحالف بكلا البلدين مبادرة لتحقيق المصالحة بين الدولة و"الإخوان المسلمين" تقضي بالاعتراف ب "خارطة الطريق" وبالرئيس السيسي، مقابل الإفراج عن قيادات الجماعة، والسماح لها بممارسة العمل السياسي. وبحسب مصادر بحزب "الوطن"، فإن الرفض التام من قبل قيادات "الإخوان" بالخارج للمبادرة والتصرف بشكل "أحادي" دون مشاورة قادة التحالف، دفع عبدالغفور لإبلاغ قيادات الجماعة قرار حزبه بالانسحاب من التحالف، إلا أن الجماعة طالبت بإرجاء القرار حتى إشعار آخر. وعزز من التوجه لاتخاذ القرار بالانسحاب من التحالف، مخاوف انتابت قيادات الحزب من احتمال مواجهته لخيار الحل على غرار حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين" بحكم من الإدارية العليا؛ إذ خشيت قيادات الحزب أن تدفع ثمن خيارات لقرارات ومواقف لم يتم استشاراتها فيها، أو الأخذ برأيها فيها. في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر سياسية عن دخول حزب "الوطن" في تفاهمات مع الدولة حول عدد من الملفات، منها المشاركة في انتخابات مجلس النواب، مقابل الحصول على ضمانات بعدم حل الحزب. وقال الدكتور أنور عكاشة، منظر جماعة "الجهاد"، إن "مخاوف الحزب من انخراط جماعة الإخوان في مصالحة مع السلطة بشكل منفرد دفعه لاتخاذ قرار الانسحاب، حتى لا يدفع مع قوى أخرى فاتورة عودة المياه لمجاريها بين الدولة والجماعة، في ظل ما يتردد عن وجود قنوات سرية بين الطرفين". واعتبر أن "مخاوف الحزب من الحل ومواجهة سيناريو حزب الحرية والعدالة من الأسباب التي دفعت قيادات الحزب السلفي التي لا تميل غالبًا للمواجهة وتؤثر السلامة إلى الانسحاب من التحالف المتداعي أصلاً منذ مدة طويلة، والذي فقد القدرة على السيطرة على حراك الشارع"، مرجحًا وجود تفاهمات مع الدولة دفعت الحزب لاتخاذ هذه الخطوة. وقلل عكاشة من انعكاسات القرار على "التحالف"، قائلاً إن "تأثير هذه الخطوة على التحالف يكاد يكون معدومًا؛ فحزب الوطن ليس له ثقل كبير في الساحة ولم يكن أعضاؤه يشاركون بقوة في التظاهرات ولم يظهر له دور قوي في أقسى لحظات الأزمة بين التحالف والدولة، لذا لا أعتقد أن هذه الخطوة سيكون لها أي تأثير على التحالف". فيما وصف محمد أبو سمرة، الأمين العام ل "الحزب الإسلامي"، الذراع السياسية ل "جماعة الجهاد"، انسحاب حزب "الوطن" من تحالف "دعم الشرعية" بأنه "تحصيل حاصل في ظل انعدام تأثير التحالف في الشارع منذ مدة طويلة". وتابع "التحالف انتهى بالفعل منذ فترة طويلة، بسبب تجاوز الأحداث له وعدم قدرته على التعاطي بإيجابية مع حالة الحراك، لدرجة أن كثيرًا من أعضائه اعتبروه والعدم سواء نتيجة فشله الذريع"، بحسب قوله. واعتبر أبوسمرة أن "انسحاب الوطن ومن قبله الوسط يأتي في إطار سياق شوإعلامي متفق عليه مع جماعة الإخوان للقبول بالمصالحة مع الدولة وكسر المعارضة لهذا الخيار من جانب شباب الجماعة". وهو ما أكده عمرو عمارة، منسق "تحالف الإخوان المنشقين"، بقوله إن انسحاب "الوطن" من "دعم الشرعية" جاء بترتيب مع الإخوان، وتجهيز لخوض كوادر جماعة الإخوان من الصفين الثالث والرابع لانتخابات مجلس النواب على قوائم الوسط والوطن". وتابع "حزب الوطن حزب أساسه الإخوان لإضعاف حزب النور؛ حيث قدمت الجماعة كل أشكال الدعم المالي للحزب لإضعاف الحزب السلفي بشكل يؤكد أن هذا الانسحاب جاء في إطار صفقة بين الطرفين"، كما يقول. إلا أن شكوك عمارة في تحول الحزب لأداة لخوض الإخوان الانتخابات على قوائمه قوبلت بالرفض التام من راضي شرارة، عضو الهيئة العليا لحزب "الوطن"، إذ أكد أن "الحزب لن يشارك في انتخابات مجلس النواب القادمة رغم انسحابه من التحالف الوطني ولن يتغير موقفه مما سماه بالانقلاب العسكري وما جرى في مصر بعد الثالث من يوليو". وأشار إلى أن الحزب لن يضع قيودًا على مشاركة شبابه في التظاهرات، وسيعطي الحرية لهم للمشاركة باعتباره قرارًا شخصيًا وليس تنظيميًا. ووصف انسحاب الحزب من التحالف ب "الاجتهاد الذي وربما يكون صحيحًا أو خاطئًا"، مخاطبًا قادة التحالف: "لو سمحتم احترموا رأى وفقط لأننا في النهاية لم نختلف في عقيدة أو دين إنما في موقف سياسي يسعى لإعادة ترتيب الصفوف". وقال إن انسحاب الحزب لايعني انتهاء دوره في المساعي لاستعادة المسار الديمقراطي وما أسماها الدستورية الشرعية، مشددًا على أنه يبذل جهودًا حثيثة لتوحيد الصف، باعتبار أن مصر لن تزدهر في ظل الانقسام الحالي وتصاعد حدة الاحتقان السياسي. وأوضح أن "الوطن" لن يألو جهدًا في الخروج بالبلاد من الوضع المعقد التي تمر به في ظل قناعات؛ أهمها ضرورة الحفاظ على الوطن ومقدراته، في ظل ممارسات تتسم بالسلمية.