تابعت الهجوم الضارى على الشيخ عبود الزمر خلال الأيام الماضية بعد سلسلة المقالات التى اختص بها جريدة المصريون والتى عبر فيها عن رؤيته الشخصية لحل الأزمة التى تعيشها مصر منذ الثالث من يوليو من العام الماضى ، وقد ترك كثيرون – للأسف الشديد – جوهر ما كتبه الشيخ الفاضل وحولوا هجومهم إلى شخصه واتهامه بتهم يشهد تاريخه أنه أبعد الناس عنها وأن الرجل ما أراد إلا الإصلاح سواء اتفقت أو اختلفت معه ، فقد لمست من خلال أحاديثى معه خلال فترة وجود الرئيس مرسى مدى حرصه على إسداء النصح له كلما أتيحت له الفرصة وحرصه الشديد أيضا على إنجاح تجربته ووصولها إلى بر الأمان . كانت هذه مقدمة ضرورية قبل مناقشة ما طرحه الشيخ الفاضل حول فرصة الإسلاميين الأخيرة والمتمثلة فى ضرورة خوض الانتخابات البرلمانية القادمة حتى لايبتعدوا عن دائرة صك القوانين وينفرد بها منافسوهم مما يمكنهم من فعل مايريدون بالمجتمع وتمرير مشاريعهم التى يعتبرون الإسلاميين حجر عثرة فى سبيل تنفيذها . وقد انطلق الشيخ من مقدمة مفادها أن التيار الإسلامى أضاع العديد من الفرص والتى عدد الشيخ بعضها ومنها أن الفرصة كانت سانحة أمام الرئيس مرسى " لتحاشيالعزلبقبولالاستفتاءعلىالانتخاباتالمبكرةلأناستمرارهفيمنصبهكانأفضلبكثيرمماآلإليهالوضعالآن " إضافة إلى العديد من المقدمات الأخرى التى تضمنها المقال . وبعيدا عن المناقشة التفصيلية لهذه المقدمات فإن المتأمل لها لايجدها سوى مجموعة من الأخطاء وقع فيها التيار الإسلامى بصورة جمعية أو فردية لا تفضى بالضرورة إلى وجوب المشاركة فى الانتخابات القادمة والتى يتوقف المشاركة فيها على معيار المصلحة والمفسدة المنتظرة من المشاركة أو عدمها وهذا ما يفضى إلى ضرورة تحليل الوضع الحالى تحليلاً أميناً بعيداً عن جلد الذات مراعياً فى الوقت ذاته التوصيف الدقيق لدور الحركة الإسلامية فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية . فالأخطاء التى وقع فيها الرئيس مرسى ( وقد اعترف بها فى آخر خطاب له ) لم تكن هى السبب الرئيس فى حدوث الانقلاب الذى كان يبدو أنه كان أمراً مقضياً إذ لم يكن من السهل على العسكر التنازل عن دولتهم التى أقاموها منذ انقلاب يوليو 52 والتى استطاعوا من خلالها التغلغل فى جميع مفاصل الدولة المصرية والتى توحشت بصورة كبيرة للغاية عقب اتفاقية كامب ديفيد . وقد عمد العسكر إلى امتصاص ثورة يناير 2011 وتفريغها من مضمونها وعمدوا إلى اغتيال أى مولود شرعى للثورة فعمدوا إلى حل مجلس الشعب المنتحب عقب صدور حكم قضائى ثم سلموا السلطة مرغمين للدكتور محمد مرسى وكانت النية قد انعقدت على استردادها فى أقرب وقت وقد حدث ذلك بعد أخطاء لا تنكر من جانب الإسلاميين وفى مقدمتهم حزب الحرية والعدالة تم الاعتراف بكثير منها إضافة إلى سلسلة تحالفات مشبوهة من معظم النخب الليبرالية واليسارية مع العسكر من أجل إجهاض أول ديمقراطية تعيشها مصر وهو ماحدث وكانت هذه النخب بمثابة المطية التى استخدمها العسكر لاسترداد عرش مملكتهم الذى كاد يتفلت منهم . ومن هنا فإن جوهر الصراع فى مصر بين دولة عسكرية آخذة فى الأفول وأخرى مدنية مازالت تتلمس طريقها إلى النور وسط تعثرات وعقبات . وفى سبيل القضاء على هذه الدولة المدنية كان لابد للعسكر من ضرب النواة الصلبة المتمثلة فى الحركة الإسلامية وفى القلب منها جماعة الإخوان إذ بانكسار الحركة الإسلامية يسهل عليهم احتواء باقى أطياف الحياة السياسية وهو ما نراه الآن بوضوح فالصراع بين الطرفين كان حتمية مهما حاول الإخوان عقب 11 فبراير 2011 الفرار منه واتهموا حينها بممالأة المجلس العسكرى على حساب الثورة . ورغم إعلان السلطة الحالية أنها تحارب جماعة الإخوان وفقط فإنه من المعلوم أنها مرحلة وقتية وسوف تمتد حرب الاستئصال إلى بقية الأطياف كما يحدث بوضوح مع الجماعة الإسلامية حالياً وصولاً إلى الدعوة السلفية وحزب النور والتى بدأت إرهاصاتها بمنعهم من اعتلاء المنابر وأظن أن هناك أحكاما قضائية جاهزة فى الأدراج بحل جميع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية . ناهيك عما أحدثه الانقلاب العسكرى من تصدعات مجتمعية واضحة وتسليم مفاتيح البلاد الثقافية والتعليمية للنخب العلمانية المتطرفة لانتهاز فرصة خلو الساحة من الإسلاميين لشد اللافتة العلمانية ( الإلحادية ) على عموم المجتمع المصرى . إضافة إلى مجموعة من الآثار الكارثية لاستمرار النظام الحالى على المستوى الهوياتى والاجتماعى والثقافى السياسى والإقليمى وهو ما قد نتناوله لاحقاُ . كما أنه من غير المعقول أن تظل الحياة السياسية بنفس القدر من الشفافية الذى كان موجودا قبل الثالث من يوليو بحيث يحصل الإسلاميون على ذات النسب المعبرة عن شعبيتهم فى الشارع ، فأى انقلاب فى العالم يعمد إلى إعادة تفكيك وتركيب الحياة السياسية بما لايسمح بتكرار الوضع السابق وهو مانراه واضحا فى قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر ولمسناه بوضوح فى انتخابات الرئاسة التى غابت عنها كل الضمانات مما آل بنا إلى نتائج وأرقام لاتعبر عما رأيناه وشاهدناه على مدار ثلاثة أيام . ومن هنا فإن ما يحتاجه النظام الحالى هو مشاركة محدودة من التيار الإسلامى تمثل اعترافاً ضمنيا بما تم فى الثالث من يوليو 2013 كما تضمن انسحاباً فعليا من جميع المشاركات الثورية بما يمهد الطريق أمام الاحتواء الأخير للكتلة الصلبة داخل المجتمع المصرى وتحويلها كما كانت من ذى قبل ملفاً أمنياً بحتاً . هذا الوضع يتنافى تماماً مع دور ورسالة الحركة الإسلامية المعنية بقيادة الجماهير صوب التحرر الوطنى وبناء دولة العدالة والكرامة والقضاء على الفساد ، والتى تضمن توزيعا عاجلا لثروات الأمة وتحول دون احتكارها فى يد فئة محدودة . ومن غير المعقول أن تنسحب الحركة الإسلامية من أداء رسالتها المحورية من أجل بضع مقاعد فى مجلس نيابى تضمن لها الأمن الذاتى والنجاة الشخصية !! لذا فإن فرصة الحركة الإسلامية المتبقية لها هى مواصلة قيادة الجماهير من أجل بناء دولة العدالة والحرية والكرامة ، وإلا فقدت مبرر وجودها .