رغم أن الزواج مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية للحفاظ على الأعراض والأنساب وعمارة الأرض وإشباع الغرائز والشهوات بشكل شرعي منضبط لاستقرار المجتمعات وصلاح أحوالها، إلا أن العديد من المسلمين في زماننا هذا - وللأسف الشديد - ترتبط الأفراح عندهم في الغالب الأعم بارتكاب المعاصي ويتصرفون في أعراسهم تصرفات شائنة معيبة بدعوى الفرح بليلة العمر التي لن تأتي ثانيةً، ولذلك يبيحون لأنفسهم خلالها فعل ما هو محرم ومنكر، غير عابئين بخطورة ما يرتكبون من مخالفات شرعية وآثام وذنوب لها عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة..
وتتمثل آثام ومنكرات ليلة العمر فيما يلي: أولًا: الولائم باهظة الثمن والمحتوية على كميات مبالغ فيها مما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة والحلوى بهدف التباهي والتي غالبا ما يكون مآل كثير مما يتبقى منها إلى حاويات القمامة رغم وجود فقراء ومساكين كُثُر في أمس الحاجة إلى من يسد رمقهم ويعطف عليهم! قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف: 31
ثانيًا: إنفاق كثير من الأموال على أمور تافهة غير نافعة مثل بطاقات الدعوة والزهور التي يتم تزيين قاعة العرس بها، ودعوة المطربين والراقصات ودفع أموالا كثيرة لهم ليحضروا وتحضر معهم الشياطين لإلهاء وإزعاج المعزومين وإسماعهم أغانٍ فاحشة داعرة محركة للشهوات والغرائز!، فضلًا عن إحضار المسكرات والمخدرات بكميات كبيرة من باب المبالغة في إمتاع المعزومين والترحيب بهم!..
والعجيب أنهم يكتبون على بطاقات الدعوة: "يحيي الفرح الفنان ..... أو الراقصة ....." وكأنهم سيحيونه بالذكر والتلاوة والدعاء للعروسين بالبركة والتوفيق في حياتهما الجديدة!!.. ولا أدري كيف للعروسين وأوليائهم التساهل والتفريط في هذه الليلة وتحمل آثام كل من يحضرون العرس؟! والذين لن يغنوا عنهم من الله شيئًا.. قال تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون}، العنكبوت: 13
ثالثًا: جلوس العريس بجوار العروسة والتفاف المعزومين حولهما رجالا ونساءً، وما يترتب على ذلك من اختلاط بغيض ورقص وتمايل الجنسين وتصوير وتسجيل كل ما يدور أثناء العرس وتداولها بين الناس بعد ذلك دون اكتراث بحرمة وخطورة تلك التسجيلات التي تكشف العورات وتجلب مصائب كثيرة تصل أحيانًا إلى خراب العديد من البيوت.
رابعًا: يقيم العديد من المسلمين محدودي ومتوسطي الحال أعراسهم في الشارع حتى صباح اليوم التالي، حيث يتم تزيينه بلمبات كهربائية كثيرة وغلقه بإقامة سرادق كبير يقام بداخله مسرح خشبي يعتليه العروسان والفرقة الموسيقية والمطربون والراقصات، وغالبا يتم هذا النوع من الأفراح على مدار يومين أو ثلاثة، كل حسب سعته وقدرته المالية ، مع تشغيل أسطوانات الأغاني بصوت مرتفع مزعج من خلال ما يُعرَف ب"الديجيه" دون مراعاة لظروف كبار السن المرضى الذين لا يتحملون الصخب والضجيج ، ودون اكتراث بامتحانات طلاب المدارس والجامعات!.
خامسًا: إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس ابتهاجًا، مما يؤدي إلى إصابة أو قتل أحد المتواجدين في العرس أو القريبين منه، فكثيرا ما قرأنا عن تحول عدد من الأفراح إلى مآتم بسبب هذا السلوك الشائن المتهور. كذلك ما يحدث أثناء زفة العروسين بالسيارات حيث ينطلقون بأقصى سرعة وبحركات بهلوانية مع إطلاق نفير السيارات بطريقة مزعجة صاخبة وقد تقع حوادث بسبب هذا التهور والطيش!.
كل ذلك وأكثر يحدث في أعراس المسلمين، ولهذا ينبغي الانتباه إلى خطورة ما نرتكب في حق الله وحق أنفسنا وأمتنا الإسلامية، فلا يجب أن نستخرج الفرحة من رَحِم المعصية، ولا نسعد أبدًا على حساب تعاسة وإزعاج الآخرين، ولا نحول بتصرفات جاهلية حمقاء نعمة الزواج العظيمة إلى نقمة وبلاء!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.