"العائدون" قضية خطيرة ومزمنة والتنبيه اليها بحثاً عن حل لها اصبح واجباً ملحاً. ولذلك يجب وضع المشكلة فى كل ابعادها لعل احداً ممن يحرص على الشباب الإسلامى فى كل البلاد العربية والإسلامية بل وفى العالم كله أن يبحث عن حل لها. على المدى الزمنى، هذه المشكلة ممتده على أكثر من ثلاثين عاماً، وتشمل رقعة العالم كله وخاصة العالم العربى والإسلامى. اما المحطات وساحات "الجهاد" فهى افغانستان، وباكستان، والعراق، والشيشان، وسوريا، وليبيا، وغزة. وهناك العائدون من افغانستان والعائدون من باكستان والعائدون من العراق والعائدون من سوريا وهى الحالات الابرز فى هذه القضية. ذلك أن النفير العام فى هذه الساحات والجهاد فيها سواء فى سبيل الله أوعن طريق التأجير أو بدافع دينى أدى اليه عاملان هما أئمة الدين والمساجد، والمواقف السياسية لدول هؤلاء "المجاهدين" من القضايا التى تفجرت فى هذه الساحات. ونظراً لخطورة هذه القضية فإننا نقدمها ببعض التفاصيل بلاغاً للناس، لعل التيارات الإسلامية والمنظمات الجهادية والحكومات المعنية تتفق على خطة ومنهاج لحماية الشباب من المصير المؤلم وهو اما الموت فى اراضى غريبة ولقضية تحتاج إلى ايضاح، واما السجن فى معتقلات السلطة في الدول التى يعودون إليها، علماً بأن هذه السلطة هى التى شجعتهم على الذهاب ثم تنكرت لهم عند العودة وتسومهم سوء العذاب، كما تتوجس منهم خيفة بعد أن تدربوا على استخدام السلاح واختلطوا بجيوش من "المجاهدين" الذين ناداهم داعى الجهاد وراودتهم احلام الشهادة فى ساحات الجهاد أو المجد الاجتماعى أو المالى إذا عادوا إلى اوطانهم، بصرف النظر عن مصير القضية التى "جاهدوا" من أجلها. أولاً "العائدون" من افغانستان عندما غزت القوات السوفيتية افغانستان فى ديسمبر 1979 حثت واشنطن الدول الإسلامية على تشجيع مواطنيها علي قتال الروس "الملحدين" فظهر اسم بن لادن لأول مرة وشجعت جميع الدول الإسلامية مواطنيها بدرجات مختلفة على الانخراط فى الجهاد لنصرة الدين حيث احتل الاتحاد السوفيتى دولة اسلامية. واستخدمت واشنطن الشباب الإسلامى فى معركتها مع موسكو التى ادت- ضمن عوامل اخرى – إلى سقوط الامبراطورية السوفيتية "الملحدة"، على يد وبقيادة واشنطن زعيمة" الموحدين بالله"، ولما فرغوا من المهمة حل الاسلام محل السوفييت كعدو جديد يستهدفه الغرب.. هذه الصبغة الدينية التى استغلتها واشنطن فى صراعها مع موسكو كانت احدى مراحل استغلال واشنطن للإسلام قبل أن تستدير عليه فى مسرحية سبتمبر الأمريكية. اما الدول الإسلامية فقد أدانت الغزو السوفيتى لافغانستان، بينما تحفظ بعضها بسبب علاقته السوفيتية الوثيقة مثل منظمة التحرير الفلسطينية والعراق والجزائر واليمن الجنوبى وغيرها، ولكن جميع الدول الإسلامية، وأن لم تشجع على" الجهاد" رسمياً فإن اعلامها قد شجع عليه، ولاانفصال بين الياسة والاعلام عندها. ورغم ذلك فإن العائدين من افغانستان اصبحوا هدفاً للسلطات الأمنية فى جميع الدول العربية خشية أن يستأنفوا الجهاد فى بلادهم ضد الحكومات العربية التى يعتبرون بعضها "كافرة". ثانياً: "العائدون" من العراق حيث تنادى الشباب الإسلامى لنصرة اخوانهم المسلمين فى العراق ضد العدوان الأمريكى البريطانى، ليس لسبب سياسى وانما لسبب دينى وهو الدفاع عن دولة اسلامية كان الشعار الإسلامى يتوسط علمها ، ويدعي رئيسها الانتساب إلى عمر ابن الخطاب. ولكن الدول الإسلامية التى انضم ابناؤها إلى المقاومة العراقية كانت حلفاء للولايات المتحدة وشركاء فى الغزو، ولذلك انقسم رجال الدين فيها بين مشجع على الجهاد نكاية فى الحاكم، ومنكر لهذا النوع من الجهاد ارضاءا للحاكم، ففقد رجال الدين قدرهم عند العامة لأنهم يوظفون الدين فى خدمة الدنيا. بل ان الإسلاميين من الدول الغربية قد لقوا معاملة قاسية من الحكومات الغربية وبالذات من بريطانيا والولايات المتحدة واتهموا بالخيانة العظمى لأنهم يقاتلون ضد جيوش بلادهم المعتدية فى العراق. وهكذا تلقف الأمن فى الدول العربية المقاتلين العائدين واصبحت العودة من العراق وصمة تلحق بالعائد ومن ينتمى إليه. والطريف أن مقاتلى القاعدة هم الذين تصدوللمجاهدين العراقيين والأجانب (السنة ايضاً)، رغم أن واشنطن احتفلت بمقتل الزرقاوى زعيم القاعدة فى العراق. والطريف أن تونس بن على كانت تعاقب العائدين من العراق ولكن بعد الثورة كرم هؤلاء وتغير ملفهم . ثالثاً: العائدون من سوريا. عندما بدأت المحرقة السورية وقررت بعض الدول العربية والأجنبية دعم المعارضة السورية وتسليحها كانت تشجع ابناءها وتجند غيرهم للجهاد فى سوريا ضد نظام الأسد "العلمانى" أى أن هذه الحكومات هى التى دفعت لكل هذه الجيوش الاسلامية من مختلف الدول العربية والإسلامية إلى ساحة الجهاد. ففى المانيا، كانت الحكومة تمنع الذاهبين من الإسلاميين الالمان إلى باكستانوافغانستانوالعراق، وكان ذلك مفهوماً على اساس أن الغرب دعم التدخل العسكرى فى هذه الدول. وقد لوحظ أن عدداً كبيراً ممن تحولو إلى الإسلام فى ألمانيا وغيرها ذهبوا للجهاد فى سوريا عندما كان هذا الجهاد لا يناقض السياسة الالمانية فى دعم المعارضة واسقاط الاسد، اما بعد تغير الموقف الامريكى واثر ذلك على الموقف الأوروبى فان المانيا تخشى من العائدين وتعمل على متابعتهم بعد عودتهم، ولكن المانيا لا تعاقب العائدين على ذهابهم وانما تعاقبهم على الجرائم التى ارتكبوها على الاراضى السورية باعتبارهم من المواطنين الالمان. اما بريطانيا التى كانت تدعم المعارضة فقد شجعت الاسلاميين فيها على الجهاد فى سوريا، على عكس معاقبتهم على الجهاد فى افغانستانوباكستانوالعراق وهذا امر مفهوم لانهم كانوا يعملون ضد القوات البريطانية،ثم تغير موقفها فاتجهت الي معاقبة العائدين. ورغم أن السعودية شجعت الجهاد فى سوريا وكذلك معظم علماء السنة ولم تعترض طريق المواطنين إلى ساحات الجهاد، ورغم استمرار هذه السياسة إلا أن السعودية أعلنت فى آواخر فبراير 2014 عزمها على منع ابنائها من الذهاب إلى سوريا ومعاقبة المخالف واعدت عقوبات للعائدين. وتفسير ذلك الموقف الجديد هو أن هيمنة الحركات المتطرفة الإسلامية على الساحة الجهادية فى سوريا واتجاه المجتمع الدولى إلى الحل السياسى هما ابرز اسباب تغير الموقف السعودى والمواقف العربية الأخرى المشابهة. لوحظ ايضاً أن دولة البحرين تبحث تشديد العقوبات على العائدين من الجهاد فى الخارج خاصة فى سوريا، حيث يقضى العائد خمس سنوات سجناً وتبحث وزارة الداخلية فى البحرين تشديد الاجراءات ضد المتورطين فى القتال بالتحريض او المشاركة، وتفسير هذا الموقف هو نفس تفسير الموقف السعودى رغم أنه مستحب من جانب شيعة البحرين.أما في الاردن فانهم يتجهون الي تشيع يعاقب العائدين، وبذلك تكتمل في العالم العربي عملية التنكيل بشباب نقي ضل طريقه بسبب التواءات الساسة وعلماء الدين مما يجعل حل القضية شديد الالحاح. أما فى مصر فإن أمن الدولة نكل بالعائدين من افغانستان رغم أن الدولة المصرية كانت لا تمانع فى سفرهم إلى ساحات القتال وكان مبارك حليفاً لواشنطن ضد السوفيت، ولكن مصر تحفظت فى الأممالمتحدة وفى المؤتمر الإسلامى ضمن 16 دولة على اتخاذ اجراءات ضد الغزو السوفيتى فى افغانستان. وقد عومل العائدون من العراق نفس المعاملة السيئة لأن مصر كانت تساند الغزو الأمريكى للعراق من الناحية الرسمية رغم أن الشعب المصرى كان يعارضة وفى مقدمته بالطبع الحزب الوطنى الديمقراطى!، ومن الطبيعى أن يعاقب المنضمون إلى المقاومة العراقية. اما الذاهبون إلى سوريا فلم يعترضهم أحد فى عهد المجلس العسكرى وعهد محمد مرسى على اساس أن لكل مواطن الحق فى تحديد موقفه ودوره فى القضية ،خاصة وأن التيارات الإسلامية فى مصر تؤيد الجهاد ضد نظام الأسد تارة بسبب بطشه بالمدنيين، وتارة أخرى انتقاماً من تنكيل حافظ الأسد باخوان سوريا، وتارة ثالثة لأنهم يقاتلون نظاماً علمانياً. ونعتقد أن النظام المؤقت فى مصر بعد محمد مرسى لا يؤيد هذه الممارسات والأغلب أنه يتربص بالعائدين، وبذلك يستقيم سجل مصر فى التنكيل بكل العائدين من ساحات "الجهاد". فى ضوء هذه الصورة المؤسفة، ماذا يفعل الشباب المسلم فى فك الاشتباك فى ذهنه بين الدنيا والأخرة، وبين موقف بلاده ومواقف رجال الدين، وكيف يمكن لكل المنظمات الإسلامية وحركات الإسلام السياسى أن تتفق على أولويات الجهاد الإسلامى وكيف يمكن حل الاشكال بين اجتهاداتهم الدينية والخرائط السياسية للعالم المعاصر. بقى أن نكمل هذا الملف باحصائيات لا نظن انها ستظهر فى وقت قريب، ولكن المحقق أن العائدين من ساحات الأمل فى الشهادة يقعون فرائس فى شراك الأمن فى دولهم ويصبحون من فصائل الإرهاب والاضرار بالقضايا الإسلامية مهما كان حسن النية عندهم وعند رجال الافتاء الذين حرضوهم على التوجه إلى ساحات الجهاد.