مطران دشنا يترأس قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية الشهيد العظيم مار جرجس    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية كيان مدني يقف خلف الدولة والقوات المسلحة    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم بعد ارتفاعه الأحد 5 مايو 2024    ضياء رشوان: نتنياهو لن يجرؤ على مهاجمة رفح الفلسطينية    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    بعد 28 عاما داخل الزمالك، ياسمين نوح تعلن اعتزالها بعد التتويج بلقب إفريقيا للكرة الطائرة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 5- 5- 2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي وإنبي في الدوري المصري    عاجل.. تأكد رحيل ثلاثي الأهلي في نهاية الموسم    خبير لوائح: لا توجد حالة رياضية مشابهة لقضية الشحات والشيبي    «أمطار تضرب هذه المناطق».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم (احذروا التقلبات الجوية)    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    "حب جديد هيدق بابك".. بشرى سارة لمواليد برج الجوزاء اليوم (توقعات الصعيد المهني والمادي)    جيانكارلو اسبوزيتو بطل Breaking Bad ينضم لعالم Marvel    شقيق ياسمين صبري يتعرض للإغماء في أمريكا    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    مستشار الأمن القومي الإسرائيلي: كنا قريبين من القضاء على السنوار واجتياح رفح قريب جدا    البابا تواضروس الثاني يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    انخفاض جديد في أسعار الأجهزة الكهربائية وهذا سر ارتفاع سعر التكييفات (فيديو)    لغز روشتة الأطباء أبرزها، شعبة الأدوية تكشف أسباب نقص الأدوية رغم انتهاء أزمة الدولار    بسبب الاستحمام.. غرق طفل في مياه ترعة بالقليوبية    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    احتدام المنافسة بانتخابات البرلمان الأوروبي.. الاشتراكيون في مواجهة تحالف المحافظين مع اليمين المتطرف    مدير أمن أسيوط يتفقد الخدمات الأمنية استعداداً لعيد القيامة وشم النسيم    مختار مختار: محمود متولي لاعب رائع وسيضيف للأهلي الكثير    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يتعادل مع بريست في الدوري الفرنسي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    بسبب ماس كهربائي.. المعمل الجنائي يعاين حريق مخزن قطع غيار بالعجوزة    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    "إسكان النواب" تكشف أسباب عدم تطبيق التصالح في مخالفات البناء    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن البحث على مقبرة نفرتيتي    إصابة 10 أشخاص فى أسيوط إثر انقلاب سيارة "تمناية"    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    بمناسبة عيد القيامة.. رئيس قضايا الدولة يشارك في احتفال الكاتدرائية المرقسية    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    ب 150 ألف مقدم.. تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل طرحها بأيام- (صور)    رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: شركات عدة خفضت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسب تصل إلى 30%    أهالي الجنود لجيش الاحتلال: اقتحام رفح يعني فخ الموت.. لم نعد نثق بكم    قتيلان وجرحى في هجمات روسية على 3 مناطق أوكرانية    أوكرانيا تعلن إسقاط طائرة روسية من طراز "سوخوي - 25" فوق دونيتسك    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    فستان حورية البحر.. نجوى كرم تثير الجدل بأحدث إطلالة| شاهد    قداس بدولة الهند احتفالا بعيد القيامة    التحالف الوطني يكرم ذوي الهمم العاملين بالقطاعين العام والخاص بالأقصر    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    تحذير من الأرصاد بشأن الطقس اليوم: عودة الأمطار وانخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    "زلزال".. تعليق صادم من تامر أمين على صورة حسام موافي وأبو العينين (فيديو وصور)    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقتل بن لادن وارتدادات التورط في أفغانستان علي مصر بعد ثورة 25 يناير
نشر في الوفد يوم 19 - 05 - 2011

شكلت أفغانستان بموقعها الجغرافي وتاريخها وتكوينها البشري والديني أرضاً سانحة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في باكستان والسعودية - خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي - كميدان للحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي "تحت راية الجهاد" ويقول الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه "الزمن الأمريكي من نيويورك الي كابول" أن الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف اشتكي للرئيس عبد الناصر خلال زيارته موسكو عام 1968من تحركات باكستانية وسعودية مدفوعة من المخابرات المركزية الامريكية لإثارة تعصب ديني علي حدود بلاده الجنوبية تدخل في جوانب من هذه الأعمال المعادية بالرغم من أن السوفيت يساعدون العرب في معركتهم لتحرير أرضهم المحتلة من جانب اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة؟!
ويشير هيكل الي أن نشاط المخابرات الامريكية والباكستانية ظل يتسع ويتزايد ويخلق مشكلات ويصنع توترات وأزمات، وجاء الانقلاب اليساري بقيادة محمد تراقي عام 1978 فرصة ملائمة وهدية من السماء لأن هذا النظام أصبح هدفاً حياً ومستفزاً يشجع علي التصويب نحوه علناً وسراً، فقد نظمت المقاومة الاسلامية - المدعومة من امريكا وباكستان - نفسها في تشكيلات مقاتلة رفعت صيحة الجهاد، وكانت المخابرات الامريكية والباكستانية جاهزة لتلبية أي طلب منها بالمساندة وتزيد عليه.
وقد لعبت الثورة الاسلامية في ايران دوراً في تأجيج الوضع علي الجانبين، فقد خسرت الولايات المتحدة حليفاً حل محله نظاماً معادياً لها، وعلي الجانب الآخر خشي السوفيت من التأثير السلبي للثورة الايرانية علي الجنوب الاسلامي للاتحاد السوفياتي، وفي هذا الصدد يقول هيكل ان السوفيت دفعوا الي قمة السلطة بضابط من غلاة الشيوعيين هو بابراككارميل الذي لم يكد يدخل القصر الجمهوري حتي دعا الجيش الأحمر الي دخول افغانستان، وينقل هيكل عن مستشار الأمن القومي الأمريكي زيجبينيو برجينسكي آنذاك قوله - رداً علي سؤاله خلال لقاء في موسكو عام 1989 - "أنني قلت للرئيس "جيمي كارتر" أن الروس وقعوا في فخ وتلك فرصتنا كي نرد لهم جميل فيتنام ولذا يتعين علينا أن نعمل علي سد الطرق أمامهم بحيث تتحول أفغانستان الي مصيدة لا يخرجون منها الا بفضيحة تهز هيبة الدولة السوفيتية وتكسر شوكتها".
وتحت عنوان "أنجح عملية مخابرات في القرن العشرين" يقول الأستاذ هيكل: إن اجتماع مجلس الأمن القومي الامريكي بحضور كارتر في صباح يوم 27 ديسمبر 1979 استقر علي عدد من الخطوط منها، أنه ضد الاحتمالات التي لا يمكن استبعادها أن يكون الهدف التالي للسوفيت في اتجاه الخليج وذلك تهديد للمصالح القومية الامريكية، وأن واشنطن لا تستطيع التدخل علنا ضد السوفييت في أفغانستان لإنه يمكن أن يؤدي الي صدام مباشر ما يجعل الخطر محدقاً وليس محتملاً فقط، ومن ثم فإن علي واشنطن ان تطلب من الأطراف المحليين "حلفائها في المنطقة" أن يسمحوا بهدوء وبغير صخب اعلامي بتفعيل تفاهمات واتفاقيات سابقة في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، وأن تجد واشنطن قيادة بديلة لهذه الحرب الخفية وأن تكون لهذه القيادة أهلية تغطيها نوعاً من مشروعية التدخل عملياً ضد السوفيت.
وتطرق هذا الاجتماع الي أنه لكون المقاومة الأفغانية مقاومة اسلامية فلابد أن تستمر كذلك وتتصاعد باستنفار كافة اصدقائها ومناصريها في العالم الاسلامي، ولحمل عبء الحرب ضد السوفييت في أفغانستان، فقد أحيت واشنطن فريضة الجهاد لدي المسلمين.
مصر و"حرب أفغانستان المقدسة"؟!
هنا يبدأ الدور المطلوب من مصر أن تلعبه في الظهور، ويقول هيكل في كتابه "إن هذه المقاومة لابد لها من مصدر سلاح وذخيرة لا ينقطع.. ومن الأفضل أن يكون السلاح سوفييتي الصنع حتي يصعب اتهام امريكا بأنها مصدره"، وطبقاً لمذكرات بريجنسكي وكارتر ووزير خارجيته سيروس فانس فإن الاجتماع تطرق ايضا الي أن "السعودية علي استعداد لكي توظف موارد المملكة المعنوية والمادية في جهاد اسلامي مقدس ضد الالحاد السوفييتي.. ومن الضروري تدعيم السعودية بشراكة اسلامية واسعة راسخة وقوية.. ومصر يمكن اقناعها بأن تقدم سنداً قوياً للسعودية.. وأنور متحفز في أي وقت للعمل ضد الاتحاد السوفييتي وهو بالفعل منهمك في نشاطات متنوعة في هذا الاتجاه بموجب اتفاق "نادي السافاري" الذي يضم مصر الي جانب السعودية والمغرب وإيران وفرنسا، وبرغم أن هذا التجمع يركز نشاطه علي أفريقيا إلا أنه ليس صعباً اقناع السادات بفتح جبهة أخري لهذا النشاط يقوم علي عمل جهادي ضد السوفييت في أفغانستان".
وفي أعقاب الاجتماع قام بريجنسكي بجولة شملت مصر والسعودية وباكستان، وبحث مع السادات في تنفيذ العملية التي اتضح أنه كان وراءها أكثر مما ظهر منها لأن ما يسمي ب "الجهاد الاسلامي في أفغانستان" كان خطوة وسط سياق جري قبلها واستمر بعدها، وفي هذا الصدد يقول هيكل إن الخطوة الأولي كانت قراراً أمريكياً بازعاج السوفييت في جمهورياتهم الجنوبية من قواعد في أفغانستان، والثانية تصعيد هذا النشاط وتكثيفه إلي درجة تضطر السوفييت إلي التدخل العسكري، وأخيراً إعلان "الجهاد" عندما يقع الدخول السوفيتي المطلوب والمأمول.
ومن ثم فإن الخطوة الثالثة كانت مجرد نقلة ضمن عملية كانت قد بدأت - قبل التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان - تحت ستار من السرية، واستغلت واشنطن فيها مصر كأداة معنوية ولوجستية أيضا، لدعم مجموعة من تجار المخدرات خلعت واشنطن عليهم لقب "المجاهدين".
وقد اعترف بريجنسكي - في حديث لمجلة "لا نوفيل أوبزرفاتير" الفرنسية - أن العملية لم يكن لها علاقة لا بجهاد "ولا بسلامة" ولا بغيره، وانما كانت جزءا من خطة امريكية لتحقيق مصالح الولايات المتحدة التي نجحت في توظيف مصر لخدمتها، بل إن بريجنسكي "مهندس الجهاد الإسلامي في أفغانستان" اعتبر - رداً علي سؤال - أن انهيار الاتحاد السوفييتي أفضل للغرب من ممارسة "الإرهاب" (لاحظ استخدامه كلمة الإراب) من جانب بعض الجماعات الإسلامية.
وطبقاً لكتابه "الحروب غير المقدسة" لجون كولي فإن بريجنسكي قدم مجموعة من الحجج لإقناع السادات بمشاركة مصر في هذه العملية منها أن "السادات كرئيس لمصر يملك سلطاناً علي الأزهر الذي يقبل المسلمون مرجعيته، وكسياسي يحتفظ بعلاقات طيبة مع بعض زعماء جماعة الاخوان المسلمين التي تأثرت بها أو تفرغت منها جماعات اسلامية عاملة في باكستان وأفغانستان.. ويستطيع ميدان الجهاد الاسلامي في أفغانستان أن يجمع السلطة المصرية والأزهر والاخوان علي عمل مشترك ضد شرور الإلحاد من ناحية، ومن ناحية أخري تذوب به الحساسيات مع جماعات الاسلام السياسي.
توريد السلاح والبشر والفتاوي
ووفقاً لبريجينسكي فإن مصر تستطيع أن تستفيد من "الجهاد" ببيع الأسلحة سوفيتية الصنع لديها التي لم تعد تريدها، وفوق ذلك ستستفيض "أجر الجهاد وثوابه"، كما سيستطيع السادات أن يرد بذلك علي أولئك الذين يتهمونه بالتفريط في فلسطين، كما سيوفر "الجهاد" للسعودية القيادة العربية الاسلامية دون أن يفرض عليها بالضرورة أن تتحمل مسئولية المواجهة مع اسرائيل، وفي هذا الصدد يقول هيكل إن "هؤلاء الذين وجدوا في الإلحاد فرصة سانحة للدعوة للاسلام بمقتضي فتوي من زيجينيو بريجينسكي"!، فمن غرائب ما جري باسم الاسلام في هذه العملية أن زعماء "الجهاد" تم اعتمادهم بإجراءات اقترحتها المخابرات الامريكية بأن يفتح باب الكعبة للقائد المرشح ليؤدي الصلاة ثم يخرج وقد تم ترسيمه أميراً للجهاد ضد الإلحاد؟!!
ولم تتخلف مصر تحت قيادة السادات "ونائبه حسني مبارك" عن القيام بما عُهد إليهما من مهام بتوريد السلاح والمعدات والذخائر السوفييتية الصنع مما تملكه وحاربت وانتصرت به في حرب أكتوبر 1973، وبالدعم الاعلامي والديني حيث صدرت التعليمات للمؤسسات الدينية بتقديم اجتهادات وفتاوي تؤيد "أسبقية" الجهاد ضد الإلحاد وفتحت مؤسسات اعلامية أبواباً ثابتة تنادي للجهاد في أفغانستان وتجمع الأموال له.
ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل تضمن تشجيع العناصر الإسلامية علي أن تهرع الي الساحة، ويحوي جون كولي في هذا الصدد أن السادات كلف نائبه حسني مبارك المسئول وقتها عن أجهزة الأمن الداخلي والخارجي بالاشراف علي المجهود المصري في الجهاد الأفغاني، قبل أن يترك المهمة بعد شهور الي المشير عبد الحليم أبو غزالة، وبدوره أحالها أبو غزالة الي غيره، وفي تلك الأثناء أعطي السادات في يناير 1980 إذنا باستعمال مطار قنا العسكري قاعدة للتخزين والتشوين لخدمة "العمل الجهادي في أفغانستان" ولنقل طائرات الشحن الأمريكية الاسلحة والذخائر إلي المطارات العسكرية الباكستانية وكان هناك "أفراد مصريون" يصحبون هذه الشاحنات وذلك كله كان يتم وسط خطاب ديني "دعائي" يحرض علي القتال في أفغانستان غافلاً أو عارفاً أنه يتم تحت توجيه واشراف ال CIA.
ففي اطار تلك العملية التنسيقية أنشأت السعودية ما يسمي ب "مكتب الخدمات العامة" كواجهة للعملية، وقد كانت مهمته استقبال المتطوعين للجهاد وترتيب اقامتهم بالسعودية حتي تتم اجراءات الحاقهم بصفوف المجاهدين، وأهم هذه الاجراءات سحب جوازات سفرهم وتزويدهم ببطاقات خدمة معها تصريحات مرور خاصة تمكنهم من السفر إلي باكستان والوصول الي بيشاور حيث يتولي أمرهم هناك فرع أمامي مكتب مهمته توزيع المتطوعين علي "مواقع الجهاد".
المخدرات تمول الجهاد والمجاهدين
وكيف تدبرت الولايات المتحدة تكاليف هذه العملية "المقدسة" لتمويل شراء السلاح والدفع "للمتطوعين" (المجاهدين) بالمشاركة مع السعودية؟ يروي كتاب الحرب غير المقدسة أن الرئيس الأمريكي رونالد ريجان تلقي أفكاراً مبدعة - علي حد تعبيره - من رئيس المخابرات الفرنسية الأسبق الكسندر دي ميدانس تقضي بتصدير جزء من مضبوطات وكالة مكافحة المخدرات ومكتب التحقيقات الفيدرالية وهيئة الجمارك الي افغانستان لنشرها في أوساط الجنود السوفييت لتدمير قواعده القتالية، وإعادة تصدير الجزء الباقي الي الأسواق العالمية ليكون عائده فائضا يدفع نصيب واشنطن في "الجهاد الإسلامي المقدس".
ويقول هيكل في هذا الصدد: "إن المخدرات لم تكن بعيدة عن أفغانستان ولا غريبة علي جماعات "المجاهدين" الذين يقاتلون الإلحاد، فأفغانستان واحداً من بلدين الأخري "بورما" لهما النصيب الأكبر عالمياً في زراعة وصناعة الأفيون"، وقد كان انتاجها وقتها يصل سنوياً الي ما بين 2200 الي 2400 طن حسب تقدير الأمم المتحدة، وقد زاد الانتاج عدة مرات تحت ضغط مطالب الجهاد.. حيث كانت زراعة الخشخاش وصناعة وتقطير الأفيون هي شغل معظم زعماء القبائل والعشائر الأفغانية الذين أصبحوا في مقدمة صفوف الجهاد".. و"زعماء الجهاد الاسلامي المقدس"!!؟
ويضيف: (أنه طوال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي كانت أموال الجهاد "هذه" تتدفق سيلاً علي العالم العربي فالمصادر اصبحت سخية والحسابات طرية، والفرص المفتوحة علي الآخر لمن يستطيع الوصول والدخول.. والشاهد أن ثروات هائلة تحققت لأصحابها في هذه الفترة في مصر "ودول عربية أخري هي السعودية ولبنان والأردن والمغرب" والأساس فيها هو فيض الخير من "أموال الجهاد" في أفغانستان).
ويستطرد: "ففي مصر فإن هذه الأموال أغرت كثيرين تواجدوا في ميدان الأعمال أصلاً أوسعوا إليه خفافاً باعتقاد أن هناك فرصة متاحة للغني الفوري.." وتظهر التقارير أن عدداً من رجال الأعمال القدامي والجدد عرفوا باتصالاتهم أن هناك طلباً علي أنواع من الأسلحة لم يعد منها كفاية في المخازن فسارعوا الي توريدها وقصد بعضهم بلدان أوروبا الشرقية - آنذاك - وبالذات بلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا يشترون من هناك ما أصبح نادراً هنا. وكانت فوارق الأسعار في بعض الأوقات خرافية لكن احتياجات الجهاد المقدس كانت ملحة وطلباته عاجلة".
ومن غرائب تلك الأيام الجهادية أن الجهاد في أفغانستان احتاج الي بغال تألف مسالك الجبال، فأفتي أحد العارفين بالبغال أن البغال المصرية لا تصلح وأن أنسب البغال التي تفي بأغراض الجهاد موجودة في قبرص لأن طبيعتها جبلية أيضا وحصلت بالمران منذ أيام ثورة الاسقف مكاريوس ضد بريطانيا علي خصائص تفيد الجهاد الاسلامي مثلما أفادت ثورة الأسقف الأرثوذكسي! وتوجه رجل أعمال مصري وقتها الي قبرص ليشتري ألفي بغل قبرص.
وكان بادياً أن اغراء الربح وفير وسريعاً يدفع الأسعار بطريقة مبالغ فيها، ووضعت المخابرات الامريكية ضمن هيئة سفارتها بالقاهرة ممثلاً لمجلس الامن القومي برتبة وزير مفوض اسمه جوكس كوفي مسئولا عن الاشراف علي تزويد "الجهاد" بما يحتاجه من مصر أو عن طريقها وله سلطة الإذن بالصرف من اعتمادات الصندوق المشترك "مع السعودية" في جنيف، ولاحظ كوفي أن رجال الاعمال المصريين المشتغلين بتوفير احتياجات الجهاد يبالغون "في تقدير أسعار الاحتياجات" وكان يتندر بكلمة مشهورة تقول "إن الجهاد ايضا يحتاج الي حوافز"!!، وقد كان "بنك الاعتماد والتجارة" وقتها يقوم بدور "الممر المالي" لأموال الجهاد الاسلامي المقدس في أفغانستان والذي مولت المخدرات النصيب الأكبر فيه، فقد كان البنك غارقاً في أموال تجارة الأفيون وفي تحويل مسار جزء كبير منها الي عمليات الجهاد الاسلامي!
المجاهدون.. والإرهاب!
ويلفت هيكل هنا الي أن حروب العقائد تحتاج الي الايمان قبل أن تحتاج الي المال فالمجاهدون في سبيل "الله" لا يحرصون علي المال، وعندما أصبح أمراء الحرب "المجاهدون" طلاب ثروة تجري حولهم انهار فان جماعات الجهاد الاسلامي تحولت الي قوات مرتزقة، ويشير في هذا الصدد الي فقرة من كتاب "الأمير" لماكيافيللي يقول فيها لأمير فلورنسا لورنزو العظيم "إن الجنود المرتزقة بلا فائدة "للأمير" وهم خطر عليه".
وهكذا أصبحت استراتيجية جماعات الجهاد بغير استثناء هي الانتظار والاحتفاظ بالقوة حتي تكون هذه القوة اداة للسلطة عندما تنتهي الحرب.. وعندما كانت ضرورات الحصول علي الدعم المادي والعسكري تقتضي قدراً من العمل يزكي اصحابه ويرفع بالتالي مخصصاتهم من المال والسلاح والمؤن فان بعضهم كان "يجاهد" بالقدر الضروري لمجرد حفظ الحق في المستقبل".
وقد كان القدر الأكبر والأصعب من الجهاد من نصيب المتطوعين الباكستانيين والعرب الذين تم ارسالهم تكليفاً أو تطوعاً الي مقر قيادة الجهاد في السعودية، وكانوا ثلاث جماعات، الاولي: جماعة من افضل الرماة المسرحين من الجيش الباكستاني والمصري وغيرهما من جيوش دول عربية واسلامية، والثانية: جماعة من المنتمين الي تنظيمات اسلامية قصدت أفغانستان إثر ضربات أمنية وجهت الي تنظيماتهم، والثالثة: جماعة من المتطوعين حلت لهم فكرة الجهاد في سبيل الاسلام وقد زينها لهم إعلام كثيف، وبلغ العدد من الجماعات الثلاثة عشرات من الألوف بينهم ما بين خمسة الي سبعة آلاف شاب مصري نفذوا عمليات ضد السوفييت.
لكن جزءا من هذه العمليات لم يكن جهاداً خالصاً "لثوابه" والشاهد واقعة شديدة الأهمية جرت في ذلك الوقت "1984" فقد حدث أن تقدمت عناصر من المجاهدين الي قادتهم بطلبات تتعلق بمستقبلهم.. وعندما تأخر الرد عليهم أعلنوا "الاضراب" عن الجهاد! حتي حضر اليهم ممثل رسمي للمخابرات المركزية الامريكية أعلن أمامهم باسم حكومته أن هناك ألفي "2000" موافقة علي منح الجنسية الأمريكية لأكفأ العناصر الجهادية! وتسليم أول دفعة من البطاقات الخضراء التي تمهد للمواطنة الامريكية الكاملة "دخول الجنة" للأكثر استحقاقا من المجاهدين، ومن المفارقات أن احداً من الذين حصلوا علي هذه البطاقة في هذه المناسبة كان الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي جماعات الجهاد المصرية الذي تكررت زياراته لبيشاور وعلا صوته فيها كثيراً يحث ويحرض علي الجهاد.
حققت الولايات المتحدة الأمريكية انتصاراً كاملاً في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي وفي الجهاد الاسلامي المقدس الذي تصرفت ازاؤه بسرعة متناهية وهجرت ساحة الجهاد وكأنها لم تكن هناك، فقد تصرفت - كما يقول الاستاذ هيكل - بفهم لطبيعة العقائد حين يقع استخدامها لأهداف سياسية حيث عوامل السياسة متحولة بينما العقائد ثابتة، وبحس استراتيجي يدرك متي بداية الأشياء ومتي نهايتها.
أما بالنسبة لمصر وللدول العربية (التي شاركت في أنجح عملية مخابراتية في القرن العشرين تحت ستار "الجهاد الاسلامي المقدس")، فقد أرادت أن تخرج من المغامرة الأفغانية وتقطع كل صلة بها لكن الحقائق التي نشأت في أفغانستان راحت تطاردها ذلك أن العناصر التي جري شحنها وتعبئتها وتحريضها علي الجهاد ضد الإلحاد ضجت الي الظن بأنه لم يعد أمامها غير أن تجاهد في أوطانها وكانت لهذه الظنون نتائج مأساوية بالذات في أوطان مثل الجزائر ومصر.
ولاتزال مصر تعاني من تلك الارتدادات برغم ما قيل عن مراجعات قد جرت فالظنون في المقابل - استثناء لكل ما سبق - تدفع الي الشك، حيث لم تجر مع المراجعة - بالضرورة - اعترافات واعتذارات كاملة، الأمر الذي يستدعي فتح هذا الملف علي أساس من المصارحة والمكاشفة، فالتاريخ دروس للاستفادة منها، والا فإن التاريخ يكرر نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.