عندما يتاجر شخص أو مؤسسة بأحلام آلاف الشباب فهذا شيء ليس بجديد، شاهدناه في الواقع وتناولته الدراما مئات المرات، ولكن ان تدخل وزارة الداخلية على الخط فتكون ظهيرا للمحتالين فهذا هو الجديد والخطير والمثير في هذه القضية. انها بطاقات رقم قومي لمن يريد ...وظيفة اعلامي او محرر صحفي مقدم برامج او مصور . ناهيك عن نوعية اخرى بصفة مستشار تحكيم دولي - سنتناولها في مقال آخر- انتشرت مؤخرا وبتحصيل مبالغ تتعدى الالف جنيه من جهات غير مهنية مقابل ختم يوضع على الاستمارة الرسمية المقدمة للحصول على بطاقة الرقم القومي والمقدمة لمصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية .
والسؤال: كيف اصبح الاحتيال قانونا ؟؟ الاجابة : فقط من خلال طلب تقدم به شخص يدعى ياسر طنطاوي واخر اسمه سيد الشاذلي بكيانين احدهم النقابة العامة للاعلام الالكتروني والثاني نقابة العاملين بوسائل الاعلام الى وزارة الداخلية باعتماد اختامهم لقيد هذه الوظائف بالرقم القومي مقابل مبلغ الف ومائة وخمسين جنيها تحصلها نقابتهما المستقلة من الراغبين، ربما لم يتضمن منشور الداخلية بالموافقة المقابل المالي لتمرير هذه البطاقات، لكن المثير للاستغراب هو حرص الاحوال المدنية واصرارها على تضمين فاتورة الكاش الذي اخذته "العصابة" مرفقة بالاستمارة الرسمية المقدمة للبطاقة، وهو مايعتبره البعض دليلا واضحا على وجود نسبة مالية تصل للوزارة مقابل تمرير هذه الوظائف بالبطاقات .
المثير للدهشة ان هذه البطاقات تعطي صورة رسمية لأصحابها دون وجود نقابة مهنية للاعلاميين تكون معنية بهذا الاعتماد، طبعا قانون نقابة الصحفيين الحالي وهي النقابة المهنية الوحيدة لا يتضمن اشكال وانواع الاعلام الجديد ويقتصر اعضائها على العاملين بالصحف الورقية المعتمدة من المجلس الاعلى للصحافة .
وعليه فإننا جميعا كإعلاميين دون نقابة الصحفيين نمارس المهنة من خلال كيانات مستقلة أو عضو بالاتحاد العام للنقابات العمالية وتحديدا النقابة العامة للصحافة والطباعة والنشر ، وفي انتظار مشروع قانون لنقابة الاعلاميين بمجلس الشعب حتى يتثنى لنا ادراج هذه المهن الصحفية الجديدة الى البطاقة الشخصية مع اجراء تنظيمية حول مواصفات وحقوق وواجبات الراغبين في الانضمام والقيد بجداول المشتغلين بهذه المهنة.
خلاصة القول انه ينبغي على الداخلية عدم اعطاء جهة اعلامية مستقلة ميزة اعتماد بطاقات الرقم القومي في ظل عدم وجود نقابة مهنية لنا حتى الآن ولاتزال احلامنا مشروعا تحت التأسيس ، وان يبقى الجميع متساوون ككيانات "عمالية" أو "مستقلة" للاعلاميين تعبر وتدافع عن من ينضمون اليها من خلال بطاقات العضوية الصادرة من هذه الكيانات، الى ان يصدر القانون بنقابة اعلاميين يمكنها اثبات الصفة في البطاقة الرقم القومي مع تحصيل رسوم تصل الى صندوق الاعضاء واستثماراتهم وفق قوانين وقواعد محددة ، وليس الى جيوب "العصابة".
جدير بالذكر انه في اطار محاولتنا العملية للقضاء على هذه "المافيا" كان تقدمنا بمشروع قانون نقابة الاعلاميين الى اول برلمان بعد الثورة حيث تم مناقشة المشروع في جلسة خاصة وكنت حاضرا بنفسي أبوبكر خلاف ممثلا لنقابة الاعلام الالكتروني "العمالية" التي تضم اكثر من الف اعلامي بالانترنت و بحضور د.عادل نور الدين رحمه الله وكيلا عن وزارة الإعلام، وفي أروقة لجنة الصحافة والإعلام بالمجلس التي كان يراسها حينها النائبين محسن راضي ومحمد الصاوي حيث تمت المناقشة للمشروع وكاد ان يخرج للنور بعد تعديلات وملاحظات طفيفة ولكن جاء حل المجلس دون تحقيق هذا الحلم.