إن خصائص النخبة ومواصفاتها تختلف من عصر إلي عصر ومن واقع إلي أخر ومن أفكار؛ أخر ومن أمراض الأمم قي ضوء حاجات الأمة ومشكلاتها وعمرها الحضاري الأمر الذي يقتضي إن ينال التجديد النخبة بالدرجة الأولي التي تصبح مع الزمن جزءا من الواقع وتعجز عن الانفلات من قيوده وتثقلها ثقافة مجتمعها إن الموصفات والخصائص المطلوبة لنخب الدفاع وحماية الحدود والمرابطة علي الثغور واسترداد الأرض وحماية العرض غير الموصفات المطلوبة لعملية البناء والنهوض وإعادة التشكيل وممارسة التجديد والاجتهاد وتقويم الواقع يشرع الله ووضع الخطط والأوعية الشرعية لحركة الأمة إن ورش البناء والتغيير هي بطبيعة الحال غير ورش الهدم وترحيل الأنقاض وهنا قضية أو هي إشكالية حقيقية في عالم المسلمين اليوم وهي : إن الكثير من المتخصصين في فروع المعرفة المختلفة تلقوا تعليمهم وتدريبهم في معاهد وجامعات غير إسلامية بالمعني الأدق لكلمة إسلام فارتهنوا لفلسفتها في الحياة ومناهجها وكتبها ومدارسها ومراجعها وأنظمتها المعرفية دون أن يتحققوا بالقدر المطلوب من المرجعية الشرعية والمنطلقات الإسلامية السليمة أنهم يفتقدون مركز الرؤية لذلك نري إن الكثير منهم قد يحكمون علي الإسلام ويتنكرون لقيمة عن جهل خاصة إذا عجزوا عن قولبة الإسلام بالقوالب الحضارية الغربية وافتقدوا الاستجابة المطلوبة في عالم المسلمين ناسين أو متناسين أدب المعرفة ومنطق الأشياء العلمي :بأن الحكم علي الشئ فرع عن تصوره إن منطق الحياة البشرية ووضعها الصحيح في العالم يقتضيان توازنا يقتضيان تلبية لكل الأشواق وتغطية لكافة المطالب الجسدية والحسية والعقلية والوجدانية والعاطفية والروحية وكل محاولة لاقتحام هذه الحالة وتمزيق خيوطها وإحراق أو تجميد جانب منها كل عبث بمقدرات الإنسان وغاية وجوده في الأرض سيؤؤل إلي الانحراف والانحسار والميل والتضحل وسيكون في نهاية الأمر خسارة للحياة البشرية ولا يمكن بحال من الأحوال إن يكون ربحا للإنسان بل انه سيحمل الحياة حشودا من المتاعب والتناقضات واللام والنعاسات والإحزان أنة فضلا عن تدمير الإنسان الغربي وتفكيك روابطه الاجتماعية واستلاب أمنه وتوحده وسعادته ينعكس سلبا وبشكل متزايد علي معدلات الانجاز والعلاقات الأفقية العامة التي تمثل نقطة التألق في المدينةالغربية فأخذت تفقد الكثير من عناصر ضبطها وثقلها وديمومتها وازدهارها من مثل الامانه والصدق والإتقان والسلام الاجتماعي ويتسأل المرء: ماذا لو اجتمع البعدان الأفقي والعمقي في هندسة الحياة " الم يكن الإسلام ذلك الدين القيم قد دعا إلي هذا الوفاق المفقود الم يكن قد قدم برنامج عمل لتنفيذه في واقع الحياة بل الم يكن تاريخ الأمة التي انتمت إلية في عصور التزامها وتألقها وإبداعها انعكاسا صادقا للقاء القطبين في حياة متوازنة سعيدة سخية العطاء يلتقي فيها ويتعاشق الأفقي والعمقي معا فماذا لو حاول أولئك المفكرون والفلاسفة والأدباء والزعماء المحتجون علي انحراف وتسطح الحياة الغربية دخول الدور من أبوابها أليس هذا الدخول المشروع ذو النتائج المضمونة هو لصالحهم وصالح مستقبلهم و لوحظ أن هناك تياران يحاولان تحديد المشكلة أهي مشكلة أخلاق أم مشكلة أفكار ؛ أي : هل أن المسلمين يعرفون الأمور الصحيحة و مشكلتهم إنما هي أمر تربويٌ و حَملٌ على ما يعرفون ؟ أم أن المشكلة ليست مشكلة التزام بما يعرفون فهم ملتزمون و لكن ما يعرفونه فيه أغلاط كثيرة تحتاج إلى صياغة جديدة؛ أي بناء عالم الأفكار الصحيحة بدل عالم الأفكار المغلوطة التي يعيشون خلالها. إن الخطاب الإسلامي المعاصر و الذي يطمح إلى حمل أمانة الاستخلاف في الأرض لم يتمكن بعد من استيعاب أقرب الناس إليه علاوة عن كسب الآخرين بسبب قصور نظرته ، و بدل فتح مصاريع الأبواب المغلقة ازدادت الأقفال ، و فكر الهداية انكمش أحياناً ليتوه الناس في مزالق أفكار شاردة ؛ دُفع الكثيرون إليها لقصور الخطاب الإسلامي الذي لا بد أنه قادر على النماء و التجدد الدائم و الاستيعاب للأفراد و المجتمعات و الثقافات و الأنماط المجتمعية المتباينة و ليس هدفه حصر الأمور في أودية اجتهاداتٍ مهما حلقت فإنها تبقى وليدة الاجتهاد البشري فالرؤية الجماعية لحل المشاكل واستخراج الأحكام، توصل إلى جمع الكلمة ورأب الصدع وتوحيد الصف وإن اختلفت الآراء في المجالس الفقهية، ولكن المطاف الأخير يؤدي إلى الأخذ بقول الأغلبية الذي يمثِّل الخط الأغلبي للأمة أو الخط الكلي بسبب انتشاره وتأثيره على أفراد الأمة، بخلاف الرؤية الفردية التي قد تؤدي إلى الفوضى التشريعية، حيث تتشعب الآراء وتختلف الأنظار وتزداد الاختلافات، مما يؤدي إلى تفرق الأمة وتمزيقها بدل وحدتها. وهذا لا يعني أننا نرفض الاختلاف، بل هو أمر واقع لا يتجاهل، ولكن نريد تنظيم هذا الاختلاف ضمن أطر تعود مصلحته إلى الأمة، لتقريب وجهات النظر ولاتحاد الرؤية بعد ذلك. إن الاجتهاد الجماعي أمر يتعدى حالة الفرد وقضيته الخاصة إلى حالة المجتمع والأمة وقضاياها. فالموضوع الذي يُطرح على الفريق الفقهي يناقَش من كل الوجوه ومن كل الزوايا، وكل باحث يأتي من نافذة لم يأت منها الآخر، ويتعمَّق البحث وتُعرض الأدلة والآراء وتقلَّب وتمحَّص، ويغدو البحث أكثر إثراء، ويتركَّز البحث ولا يخرج عن الموضوع وتوضع النقاط والمقدمات والنتائج، وتظهر أدلة الأقوى. هذا المنهج القويم والسليم، اتبعه الملهم عمر الفاروق رضي الله عنه. كان إذا وقعت نازلة ليس فيها نص عن الله سبحانه وتعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم. وكان يأمر أتباعه أن يتمثَّلوا هذا المنهج، فكان مما كتبه للقاضي شُريح: "إن أتاك ما ليس في كتاب الله، ولم يسنَّه رسول الله، فاقض بما أجمع عليه الناس". هو اجتهاد منضبِط يتكوَّن من كبار فقهاء الأمة، تتوفَّر فيهم شروط البحث ودرجة الاجتهاد الوسطى.