لم يكن اشد الناس تفاؤلا يتوقع انفجار ثورة شعبية في مصر , بعد 30 عاماً من الفقر والذل والجهل والمرض والتخلف والديكتاتورية والتعذيب, ظل النظام المصري الديكتاتوري جاثماً على صدورنا 30 عاماً , كاد أن يحول مصر إلى جمهورية رجال الأعمال العربية بدلا من جمهورية مصر العربية , زرع البطالة في قلب كل بيت , قمع الحركات الإسلامية والإخوان المسلمون ,عصف بالتعليم وقضى عليه , أقصى الأحزاب عن الساحة لينفرد الحزب الوطني بالحكم , دفع بنصف الشعب المصري إلى خط الفقر واستحوذ 1% من الأغنياء على نصف ثروات البلاد فشهدنا قتلى في طوابير الخبز وتزويرا للانتخابات واعتقالات واسعة بموجب قانون الطوارئ ومشروعا للتوريث , وهاهو النظام المصري وعلى رأسه مبارك يدفع الثمن خرج المارد المصري من القمقم بعد أن أوصلنا مبارك ونظامه إلى مرحلة اليأس التي دفعت البعض وانا منهم إلى وصف الشعب المصري بالاستكانة استنادا إلى أنه إذا كان الشعب يريد الثورة فلماذا لم يقم بها خلال 30 عاما ؟ ثم ان انهاك الشعب عبر افقاره لا يمنح لأي احد الفرصة للتفكير حتى في الثورة , لكن ما حدث اثبت خطأ النظريات المجانية , وبقيت وحدها إرادة الشعب المصري الذي استفاق وأطلق زئيره , فيما انتحرت جميع النظريات النخبوية على شاطئ الحقيقة كما تنتحر الحيتان زئير المتظاهرين البواسل يهدد جميع الفاسدين بالمحاسبة , ويؤكد أن الثوره لم تتحمل عوامل تراكمت على مدار 30 عاما من القهر والذل والفقر والتعذيب والديكتاتورية تضاعفت بعدما أطلقت قوات الشرطة الرصاص الحي على المتظاهرين لتعمق الثأر بين أهل الثورة وزبانية النظام الذين اختفوا كالجرذان وتخلوا عن بزاتهم العسكرية ليحتموا بالزي المدني , ويتواروا عن أنظار الغاضبين خطاب مبارك "الاهبل" الذي واجه الغضب الشعبي بكلمات تصلح لعيد العمال من قبيل "كنت" و"مازلت" و"سأظل" كان النقطة التي أفاضت الكأس , فالرجل وبعد مقدمة إنشائية تصلح لموضوع "تعبير" في المدرسة قال انه سيقيل الحكومة , ثم عين عمر سليمان نائباً , ثم دخل الجيش بعد انسحاب الشرطة وتم فرض حظر التجول الذي لم يمتثل له الثوار, لكن غضب ام الدنيا كان أكبر من ان يرضي بهذه الترهات , وبدا ان هناك تصميما على تغيير شامل للنظام ولرأس النظام ..هذا الغضب كان متسارعا يتمتع بالزخم ليجرف في طريقة رموز النظام , ويجبر حسنى مبارك على ان يعيش سكرات الموت من الذاكرة ومن التاريخ ومن ضمير الأمة , وأجمل ما في هذا الغضب انه عفوياً , هذا الغضب الذي حاول مبارك التصدي له أمنيا وليس سياسياً , فكان الجواب عمليا .. حسنا فلتقطع الاتصالات لكننا سنتجمع , فلتطبق سياسة الأرض المحروقة عبر إخراج المجرمين من السجون وإطلاقهم كالكلاب في شوارعنا سنشكل لجانا شعبية للتصدي لهم , فلتنسحب الشرطة ..وترتدي زيا مدنيا وتطلق النار لترويعنا في منازلنا .. انه اقذر جهاز في مصر ونحن قادرون على التصدي له , فلتفرض حظر تجول ..سنتجول ونتظاهر اكثر, فلتقل ان المجرمين يسرقون المتاجر والمحلات .."وايه يعني" فأنت ونظامك تسرق الشعب منذ 30 عاما, ..تحاول ان تجبرنا على ان نلتزم بيوتنا لحماية اسرنا ..سنخرج ونهتف بسقوطك ولن نتوقف عن ذلك الا اذا رحلت ..وعارك في يديك اصبحت الثورة عروقها في الماء , وارتفع سقف طموحات الثوار إلى السماء للمطالبة برحيل مبارك ونظامه الديكتاتوري , وفي المقابل تراجع سقف طموحات مبارك من توريث مصر إلى نجله جمال إلى مشاورات تجريها معه المؤسسة العسكرية لتنفيذ خروجا آمناً للرئيس , يتنحى وتتولى المؤسسة العسكرية قيادة البلاد بشرط الا يتم محاسبته , غضب الشعب المصري لن يتوقف بل يزداد مثل كرة الثلج يوماً بعد يوم , ليسطر صفحة من نور في تاريخ مصر , تؤكد إرادة الشعب وقدرته على التغيير , أما مبارك فمثل كل الطواغيت تبدو مزبلة التاريخ في انتظاره [email protected]