الأوراق المطلوبة للتقديم في معاهد معاوني الأمن 2024    بالصور.. محاضرة عن مبادئ الإسعافات الأولية للعاملين بمتحف شرم الشيخ    تعرف على سعر الذهب المعلن بموقع البورصة المصرية اليوم الأحد 12 مايو    حرب غزة، القسام تستهدف دبابات ميركافا الإسرائيلية شرق مدينة جباليا    تامر مصطفى ممنوع من التدريب في الدوري المصري هذا الموسم (مستند)    نهائي الكونفدرالية، 2 مليون دولار تنتظر الزمالك حال التتويج باللقب    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة CIB العالم للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    مصرع عناصر بؤرة إجرامية عقب تبادل إطلاق النار مع الأمن بأسيوط    بالصور.. نجاة 14 راكبًا من الموت بعد سقوط "ميكروباص" في ترعة ببني سويف    المخرجة منال الصيفي تكشف حقيقة عودة حنان ترك للساحة الفنية    15 عرضا مسرحيا في مهرجان إيزيس لمسرح المرأة.. تونس ضيف الشرف    بعد تسببه في تسمم جماعي، المايونيز يثير الرعب والأطباء يحذرون من تناوله    مجاني وبدون تقطيع.. مباراة مانشستر يونايتد ضد أرسنال بث مباشر | الدوري الإنجليزي 2024    حُسم الأمر.. وكيل ليفاندوفسكي يعلن مصيره النهائي    الدفاع الروسية: إسقاط 6 مروحيات و36 مسيرة للقوات الأوكرانية وتحرير 4 بلدات بخاركوف    شكري: توافق دولي حول عدم توسيع رقعة الأعمال العسكرية في رفح الفلسطينية    «ثقافة النواب» توافق على موازنة «الأعلى للإعلام».. وجدل حول بدل التدريب للصحفيين    متحدث باسم الخارجية الأمريكية لمصراوي: نبحث تعليق إرسال شحنات أسلحة جديدة إلى إسرائيل    قصور الثقافة تقدم 20 عرضا مجانيا في موسم المسرحي بالزقازيق وكفر الشيخ    رئيسة الأوبرا تصدر قرارا بتكليف خالد داغر مديرا لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    مصر تعلن اعتزامها التدخل دعما لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    محافظ قنا يشدد على تطبيق المواصفات الفنية والقياسية بأعمال الرصف    روبوت للدفاع المدنى.. مشروع لطلاب جامعة أسيوط التكنولوجية    تحصين 586 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع بالشرقية    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    مصرع شاب أسفل عجلات القطار بالمحلة الكبرى    إصابة سائق على يد 3 متهمين خلال مشاجرة بينهم بسبب خلافات سابقة    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    نقيب الأطباء البيطريين يناقش الأمور المالية والإدارية مع رؤساء الفرعيات    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    رئيس اليونان تزور المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية (صور)    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    بطاقة 600 طن يوميًا.. إنشاء مصنع لتدوير المخلفات الصلبة فى الدقهلية    8 نصائح لتقليل خطر الإصابة بسرطان المبيض    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    حريق يلتهم سيارة داخل محطة وقود في أسوان    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    مدبولي: نراقب الدين العام ووضعنا قيودا على النفقات الحكومية    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    حازم إمام: لا تذبحوا شيكابالا.. وغيابه عن نهضة بركان مؤثر علي الزمالك    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    جلسة مرتقبة بين حسين لبيب ولاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في 2010 تعزز اهتمام العمالقة الآسيويين بالمنطقة العربية
نشر في المصريون يوم 30 - 12 - 2010

يزداد اهتمام القِوى الآسيوية الصاعدة بالمنطقة العربية عموما، والمغرب العربي بشكل خاص، مع تزايُد الحاجة إلى المواد الأولية والتنافس على الأسواق التجارية في العالم، مع كل من أوروبا والولايات المتحدة.
وشكَّل عقد مؤتمرات اقتصادية عربية - يابانية وعربية - صينية في السنوات الأخيرة، بوتيرة منتظمة وحضور رفيع المستوى من الجانبين، ظاهرة جديدة ومؤشِّرا قويا، ليس فقط على المنافسة بين العملاقيْن الآسيويّيْن على توسيع نفوذهما في المنطقة، وإنما أيضا على رغبة جلية في مزاحمة الأوروبيين والأمريكيين.
وكان لافتا، أن وزراء الخارجية والاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانيين، حرصوا قبل نهاية أعمال المنتدى الاقتصادي، العربي - الياباني، الذي استضافته تونس مؤخرا، على عقد اجتماع مع وزراء الإقتصاد المغاربيين للبحث في وسائل تطوير التعاون بين الجانبيْن، في المجالات الاقتصادية والسياسية، وهذا دليل على إدراك اليابانيين لحجْم الإمكانات المتاحة في منطقة، قِوامها 100 مليون ساكن وزاخرة بالثروات الطبيعية، التي تحتاج إليها الصناعات اليابانية.
وفي هذا السياق، أفاد عضوٌ في أحد الوفود المشاركة swissinfo.ch، أن الجانب الياباني عبَّر عن رغبته في تعزيز التعاون مع البلدان المغربية في ميْدان الطاقة والماء والبنية التحتية والتكنولوجيا بشكل خاص، وهي كلّها مجالات إستراتيجية، تستأثر بها حاليا مجموعات أوروبية وأمريكية بالأساس.
وكشف المصدر أن صيغة التعاون الثلاثي، الذي تتكوّن أطرافه من المنطقة المغاربية وإفريقيا جنوب الصحراء واليابان، طُرحت بشكل ملموس في الإجتماع، وعلى هذا الأساس، اتفق الجانبان على عقد لقاء جديد مغاربي - ياباني في غضون السنة المقبلة في طوكيو، بحضور ممثلين عن القطاع الخاص، تأسيسا لحوار دائم ومستمِر بين الجانبيْن.
التوجه نحو الشرق
وكان مؤتمر الحوار العربي الياباني الأول، عُقِد في القاهرة في نوفمبر 2007، تحت شعار «العرب واليابان فجر جديد»، بمشاركة ثلاث مائة من الوزراء والمفكِّرين والمثقفين ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني من الجانبيْن.
واعتبر الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، التي استضافت المؤتمر حينها، أنه كان "رسالة قوية بشأن التوجّه بإيجابية نحو الشرق، على نحو يُتيح الفرصة للتعرف عن كثَب على التطورات في شرق آسيا بعيون يابانية، والتعرف علي التفاعلات المهمة التي تتِم في هذه المنطقة الحيوية والدّروس المستفادة من التجربة اليابانية وتجربة الدول الآسيوية الأخرى (في التنمية)".
ووضع الدكتور سراج الدين يومها الإصبع على بُعْد مهم جدا في العلاقات بين الجانبيْن، إذ أن اليابان باتت قُدوة للعالم بما حقّقته من تقدّم مُذهل، "بعدما مارست التحديث من دون تغريب، من خلال الحفاظ على إرثها الثقافي والحضاري، وهو ما يسعى العرب لتحقيقه في عالم اليوم"، مثلما قال.
واليابان هي بلا شك، واحدة من عمالقة الصناعة والتقنية الحديثة في العالم المُعاصر، إذ تمكَّنت من ابتداع الحلول لكثير من مُعضلات العصر في شتّى المجالات، العِلمية والهندسية والتقنية. وفيما تحتاج منطقة الشرق الأوسط للتقنية الحديثة لتنمية مواردها وتوفير حلول لمشاكل النُمو والإنتاج بكفاءة، تحتاج اليابان إلى الطاقة العربية لتحريك آلتها الصناعية، إذ أنها تعتمد بشكل رئيسي في التصنيع على الطاقة المُستوردة من دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة النفط المستورَد من أبوظبي والمملكة العربية السعودية، والغاز المُسال القطري.
وأكّد ذلك وزير خارجية اليابان سيجي مائيهارا في تصريحات أدلى بها بمناسبة انعقاد المنتدى الياباني – العربي الثاني في تونس، إذ أفاد أن بلده استورَد في العام الماضي 90% من حاجاته من النفط الخام من دُول المنطقة، مُشيرا إلى أن نفط الشرق الأوسط يُعتبر رخيصا نِسبيا، بالنظر لنوعيته وكُلفة نقله. ودعا مائيهارا إلى توسيع شراكة الطاقة بين الجانبيْن، لتشمل إضافة إلى النفط والغاز الطبيعي، الطاقة المتجدِّدة وإنتاج الطاقة النووية والطاقة الشمسية.
يُذكر أن أكبر استثمار ياباني في منطقتَيْ الشرق الأوسط وإفريقيا، هو المشروع الذي أقامته في المملكة العربية السعودية شركة «بترو رابغ» المشتركة بين «سوميتومو للكيمائيات» ومجموعة «أرامكو» السعودية. أما على صعيد الغاز الطبيعي المسال، فتُعتبر اليابان أكبر مستورِد له في العالم، إذ تستأثر ب 40% من الإنتاج العالمي. وتستورد اليابان 24% من الغاز الطبيعي اللاّزم لها من دول عربية، هي قطر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. وتجدُر الإشارة في هذا الصّدد، إلى أن التكنولوجيا اليابانية ساهمت في تأسيس مُنشأة استخراج الغاز المسال في قطر، التي تبلغ طاقتها 77 مليون طن.
الصين أيضا..
أما الصين، فسبقت اليابان إلى البلدان العربية والإفريقية، عارضة المساعدة الفنية في الستينات على أيام قائد الثورة الشيوعية ماو تسي تونغ، وأخذ رئيسُ وزرائِه شوان لاي حقيبته وجال مرّات عدة على عواصم بلدان "تُقدُّمية" في إفريقيا والشرق الأوسط، من بينها الجزائر ومصر والكونغو الديمقراطية وتنزانيا وغينيا... ولم تكن الصناعة الصينية قادِرة في تلك الفترة على تعويض السلع الغربية، عدا المجال العسكري، فأنشأ المهندِسون والعمّال الصينيون الجسور والسّدود ودُور الثقافة والملاعب والمجمَّعات الرياضية.
على متْن هذا القطار التنموي، دخل الصينيون إلى المنطقة ووجدوا الأرضية جاهِزة في أكثر من بلد، ليُروِّجوا منتوجات صناعاتهم الناشئة، ذات الأسعار الزهيدة، ولكن أيضا لتأمين المواد الأولية لتلك الصناعات من البلدان الغنية بالثروات، مثل السودان والجزائر ونيجيريا. ولوحِظ حضورٌ مكثَّف للصينيين في البلدان التي اختارت المساعدة الفنية الصينية، مثل الجزائر التي عهدت لشركات صينية ببناء عشرات الآلاف من المساكن. ومع أن وجود الصينيين الكثيف أدى في بعض المناسبات إلى احتكاكات مع السكان المحليين، ما زالت الشركات الصينية تحصد الكثير من صفقات المشاريع الضخمة، ليس فقط في الجزائر، وإنما في بلدان أخرى.
ويُثير هذا التمدّد الصيني والآسيوي عموما، حفيظة الغربيين الذين يروْن فيه منافَسة في مناطق إستراتيجية، ظلّت تاريخيا حِكرا على شرِكاتهم. وتذهب بعض التحاليل إلى اعتبار الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان منذ عشر سنوات، أحد وجوه الصراع الصيني الغربي في القارة الإفريقية، بالنظر إلى أن الشركات الصينية باتت المُستفيد الأول من الثروة النفطية السودانية.
صيغ جماعية
وتعدّدت الوفود الصينية، التي زارت العواصم العربية والإفريقية، سواء بقيادة رئيس الدولة أو في مستوى وزير الخارجية. وفي هذا الإطار، بدأ الصينيون يفكِّرون منذ وقت مبكّر في صِيغ جماعية، لتعزيز التعاون بين الجانبيْن، فتوصَّلوا منذ مطلع عام 1999 إلى مذكّرة تفاهُم، وقَّع عليها الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية الصين، تضمَّنت آليات لتطوير التَّشاور السياسي بين الجانبين.
ومن تلك الآليات، الندوة التي أقامتها مؤخّرا المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "أليكسو" حول العلاقات الثقافية العربية الصينية، إلى جانب مبادرات مماثلة، قامت بها المنظمات العربية المتخصِّصة الأخرى في مجالات نشاطها. وأثمرت هذه المبادرات إنشاء منتدىً عربي – صيني، يُعتقد أنه مخبَر للحوار بين الثقافتيْن. ويمكن اعتبار قرار شبكة "تلفزيون الصين المركزي" دخول منطقة الشرق الأوسط وافتتاح مقرّها الإقليمي الجديد في دبي هذا الشهر، رسالة قوية على تصميم بيكين على وضْع قدَم ثابتة في المنطقة العربية.
وكان سان يوشينغ، نائب رئيس الشبكة، واضحا حين قال في الحفل الذي أقِيم بحضور كبار المسؤولين في إمارة دبي، إن افتتاح مكتب الشبكة في الشرق الأوسط يهدف إلى «القيام بدور إيجابي في تسريع وتيرة الاتصالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية بين الصين والشرق الأوسط». وسيُشرف المكتب الإقليمي الجديد على المراسلين العاملين في المنطقة، كما سيتولّى تنسيق عملية إعداد التقارير من مناطق غرب آسيا وشمال إفريقيا، ليكون بمثابة مركز لتجميع البرامج الإقليمية وتوجيه الأخبار العاجلة، وهذا مؤشِّر على أن الصين دخلت بقوّة سوق المنافسة التليفزيونية مع "فرانس 24" و"روسيا اليوم" و"يورونيوز العربية" وحتى "بي بي سي" العريقة.
وحملت زيادة الضغط الياباني والصيني على القارّة، كلا من أوروبا والولايات المتحدة، إلى التفكير في صِيغ جديدة لكسْب ودِّ الشركاء العرب والأفارقة، الذين بدؤوا يلتفِتون إلى القِوى الصاعدة، مثل الصين والهند والبرازيل واليابان. وفي هذا الإطار، قام خوزي فرنانديز، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية المكلّف بالشؤون الاقتصادية، بجولة مغاربية في مطلع شهر ديسمبر 2010، كانت أهمّ محطة فيها، هي الندوة التي رعاها في الجزائر بيْن رجال أعمال أمريكيين ومغاربيين، لبناء شراكة إقليمية تُزيل الحواجِز بين الجانبيْن، وتكون في مثابة قناة موازية للشراكة مع الإتحاد الأوروبي.
وتأتي هذه الندوة في سياق "المبادرة المغاربية من أجل الفرص الإقتصادية" «North Africa Partnership For Economic Opportunity» (NAPEO)، التي أطلقتها واشنطن وتُديرها مؤسسة مستقلة تضُم مندوبين أمريكيين وأعضاء من الدياسبورا المغاربية في أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى رجال أعمال مغاربيين. وقال فرنانديز جوابا على سؤال ل swissinfo.ch أثناء توقُّفه في تونس، "إن الولايات المتحدة تُراهن كثيرا على هذه المبادرة الجديدة، التي استفادت فيها من التّجارب السابقة، ومنها المبادرة التي قادها ستيوارت أيزنستات على أيام الرئيس كلينتون في تسعينات القرن الماضي، لتشكيل سوق إقليمية مغاربية".
الصين البديل القادم؟
مع ذلك، يتحدث الأوروبيون عن "نهاية الهيْمنة الأمريكية"، مُؤكِّدين أن "الصين هي البديل القادم". واعتبر التقرير السنوي لعام 2011، الذي يصدره المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الهيْمنة الغربية على العالم «تصِل الآن إلى نهايتها»، بفعل صعود قِوى دولية جديدة، كالصين والهند والبرازيل، متوقِّعا أن تكون منطقة الشرق الأوسط مَسرحا لمواجهة مستقبَلية بين الفاعلين الدوليين الأساسيين.
وقال تييري دو مونبريال، مدير المعهد أثناء مؤتمر صحفي عقده مؤخرا في باريس لتقديم التقرير، إن كل المؤشرات التي رصدتها مؤسسته خلال عامي 2009 و2010 تؤكِّد ميلاد عالم متعدِّد الأقطاب، بفعل انحسار نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية عموما، وظهور قِوى عالمية جديدة، كالصين والهند والبرازيل وتركيا وعودة روسيا كفاعِل دولي أساسي.
ورجَّح أن تتصدّر الصين القِوى العالمية بعد عقدين من الآن، مُشيرا إلى أن المقارنة بين أداء الإقتصاديْن، الأمريكي والصيني، تسمح بهذا «الإستنتاج»، إذ أن الصين على حدِّ قول الباحث، «تسجِّل منذ ثلاثين عاما نُموا اقتصاديا مرتفِعا يقدّر سنويا ب 10%، بينما تعرف الولايات المتحدة تفاقُما مطَّرَدا في الدّين العام ولا يُتوقَّع أن تتجاوز نسبة النمو فيها 4%».
ويعتقد الخبير الإستراتيجي أن انتقال الريادة العالمية إلى الصين من الولايات المتحدة، قد لا يلحظه الناس إلا بعد سنوات طويلة من حدوثه فعليا، مُدلِّلا على صحة رأيه بكون الولايات المتحدة نفسها بدأت في انتزاع الهيْمنة العالمية من بريطانيا إبّان حرب الانفصال الأمريكية (1861-1865)، «إلا أن هذا التّداول بين القوتيْن، لم يصبح جلِيا إلا بعد خمسين عاما من ذلك التاريخ».
الإتحاد من أجل المتوسط.. يترنح
وما يُعزِّز فُرص الإنتشار الآسيوي في المنطقة المغاربية، الإحباط الذي أصاب الأوروبيين بسبب إخفاق مشاريعهم الإقليمية من "مسار برشلونة"، الذي انطلق في 1995 إلى "الإتحاد من أجل المتوسط"، الذي أبْصر النور في باريس في يوليو 2008. واعتُبر تأجيل قمة "الإتحاد من أجل المتوسط"، التي كانت مقرّرة في برشلونة يوم 21 نوفمبر الماضي إلى تاريخ غيْر مسمى، بعدما كانت أرجِئت في 7 يونيو الماضي، ضرْبة قاضِية للمشروع الإقليمي، الذي دافع عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كي يكون وريثا لمسار برشلونة. والمؤكّد، أن هذا الإتحاد يترنَّح وأن آفاق إنعاشه في المرحلة المقبلة في ظل اشتداد تأزم الصراع العربي الإسرائيلي، معدومة.
واعترف جورج جوفي، الباحث في مركز الدراسات الدولية في جامعة كامبريدج، بأن سياسات الاتحاد الأوروبي حِيال حوض المتوسِّط، توجد في ورطة كبيرة. وقال في تصريح ل swissinfo.ch، إن عملية برشلونة (المعروفة رسمياً بالشراكة الأورو - متوسطية)، التي بدأت عام 1995 كوسيلة للحدّ من الهجرة والتهديد الخارجي عبْر إنشاء مساحة من "السلام والازدهار والاستقرار المشتركة"، اصطدمت بمُشكلات المنطقة، السياسية والاقتصادية، العصية على الحل. وسياسة الجوار الأوروبي، التي أُطلِقت عام 2003 لإشراك دول جنوب المتوسط على مستوى ثنائي مع التعهُّد بتعزيز روابطها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، لم تحقّق الكثير.
وأوضح جوفي أن "اقتراح الرئيس الفرنسي ساركوزي إنشاء اتحاد متوسطي، كرّر فكرة فرنسية قديمة حول التعامل مع جنوب المتوسط بصورة منفصِلة عن شرقه، من أجل تجنّب المشكلات المتعلِّقة بإسرائيل وفلسطين، مع إعادة تأكيد التزام فرنسا حِيال مُستعمَراتها السابقة، لكن الاقتراح تعرّض للتعديل عدّة مرات منذ ذلك الوقت"، كما توقّع أن "يتحوّل الاتحاد المتوسطي بكل بساطة، إلى مجرد مكان لتبادُل الحديث، على غِرار مجموعة "خمسة زائد خمسة"، التي توسَّعت الآن لتُصبح "ستة زائد ستة" بعد انضمام اليونان ومصر إليها. وفي نهاية سنة 2010، يمكن أن تُلخَّص هذه الجملة التي قالها جوفي حالة "الإتحاد من أجل المتوسط"، إذ قال: "باختصار، لم يبقَ سوى النزر اليسير من الاقتراح الفرنسي الأصلي".
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.