في بادرة تعكس اهتماما متزايدا داخل الولاياتالمتحدة بمنطقة المغرب العربي بدء مركز الدراسات السياسة والإستراتيجية www.csis.org بالعاصمة واشنطن في عقد ملتقى شهري في صورة دائرة مستدير للحوار وتبادل الآراء وللاستماع إلى خبراء بخصوص قضايا منطقة المغرب العربي. يحدث هذا في نفس الوقت الذي يتم فيه التمييز بين منطقة الشرق الوسط، ومنطقة الشمال الأفريقي على عدة أصعدة. فوزارة الدفاع الأمريكية قيادة المنطقة العسكرية الوسطى CENTCOM التي تدير معارك أفغانستان والعراق وتتخذ من مدينة تامبا بولاية فلوريدا مقرا رئيسيا لها، مع وجود مقر إقليمي في قاعدة السيلسية بدولة قطر لا يدخل إطار مهامها منطقة المغرب العربي والشمال الأفريقي باستثناء مصر. وتقع منطقة المغرب العربي تحت إشراف قيادة القوات الأمريكية في أوروبا United States European Command . أما وزارة الخارجية فتتعامل مع منطقتي (الشرق الأوسط والمغرب العربي) تحت مسمى الشرق الأدنى. طلب أمريكي متزايد يعلق السيد مصطفى خلفي الزميل الزائر بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن www.ceip.org والزميل بالكونجرس الأمريكي على هذه الظاهرة بقوله "إنه استجابة للطلب المتزايد من قبل جهات عديدة نافذة في الولاياتالمتحدة لمعرفة تفاصيل ما يحدث في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا. وقد بدأ مثل هذا الاهتمام، بعدما اقتصر الاهتمام بدول منطقة المغرب العربي تاريخيا على المراكز الأكاديمية في عدة جامعات أمريكية، نلحظ الآن تزايد هذا الاهتمام ليشمل مراكز الأبحاث الكبيرة والمؤثرة في العاصمة واشنطن". وبالإضافة إلى تزايد مظاهر التعامل الأمريكي مع دول المغرب العربي بمنأى عن منطقة الشرق الأوسط (مصر + الدول العربية الأسيوية) وذلك اعتمادا على الفروق الكبيرة بين الإقليمين والتي يأتي على رأسها البعد الجغرافي عن مركز الصراع العربي الإسرائيلي، واستعداد دول الإقليم أكثر من غيرها للتطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى التركيبة السكانية ذات الأغلبية الأمازيغية (شبه العديد في واشنطن الأمازيغ بالأكراد في العراق) زاد هذا الاهتمام وتميز عن بقية الاهتمام التقليدي بمنطقة الشرق الأوسط. كذلك يعكس هذا الاهتمام المتزايد مصالح قطاع الأعمال الأمريكي وخاصة قطاع النفط، والجهات الحكومية والأمنية في إطار حربها على الإرهاب الدولي، تركز كثيرا على المنطقة لما له من أهمية إستراتيجية في العالم اليوم. وأشار الأستاذ خلفي إلى تضاعف المساعدات الأمريكية للمغرب في السنوات الأخيرة أربع مرات بسبب الاهتمام المتزايد بالمشاريع المدعمة للممارسة الديمقراطية في المغرب، والرغبة الأمريكية في جعل المغرب نموذجا لبقية الدول العربية الأخرى خاصة مع بدء تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة والمغرب في شهر يناير 2006. وذكرت نشرة CSIS أن عقد هذه الحوارات والنقاشات جاء بهدف إلقاء نظرة على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشمال الأفريقي، بما يهدف إلى تحديد الفرص التي يمكن للولايات المتحدة معها بناء تعاون مفيد مع دول هذه المنطقة. وتتنوع المصالح الأمريكية في منطقة الشمال الأفريقي وتتسع كما ذكر السيد خلفي لتشمل: دعم المبادرات الأمريكية للترويج للديمقراطية في الدول العربية عموما. توثيق التحالف بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة لتامين منطقة الشمال الأفريقي من أي أنشطة إرهابية، خاصة ما يتعلق منها بجماعات موالية لمنظمة القاعدة. وكانت العديد من التقارير أشارت إلى تحالفات بين جماعة (الجماعة السلفية للتبشير والقتال) الجزائرية ومنظمة القاعدة. تأمين أبار النفط (خاصة الجزائرية) لضمان تدفقها للأسواق الغربية، مع الأخذ في الحسبان أن غالبية الاستثمارات في هذا المجال أمريكية. الحصول على تسهيلات عسكرية بعد إعلان خطط خفض القوات الأمريكية في القارة الأوربية ويتم ذلك في ضوء ترتيبات برامج الشراكة بين حلف الناتو ودول جنوب حوض المتوسط. الحصول على حصة في سوق السلاح خاصة الجزائري منه (عقدت الجزائر مؤخرا صفقة عسكرية تبلغ قيمتها مليارين دولار مع روسيا)، لذا ترغب الولاياتالمتحدة في الحصول على نصيب من طلب دول المغرب العربي على السلاح خاصة في ظل استمرار الأسعار المرتفعة للبترول. وعقد مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية حلقتين نقاش حتى الآن، وبداية عرف المركز منطقة الاهتمام بدول محددة هي ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، وستعقد دوائر النقاش تلك بصورة شهرية منتظمة، ويجتمع فيها خبراء من المنطقة المغربية، وسياسيون ورجال أعمال، وأكاديميين. وستتمحور المناقشات حول الحركات الإسلامية، والحرب على الإرهاب وعمليات التحول الديمقراطي، والأهمية الإستراتيجية لمنطقة الغرب العربي، والمهاجرين العرب في أوروبا، وعلاقات دول المنطقة بالجيران الأفارقة. ديمقراطيون أم أوتوقراطيون في حلقة النقاش الأولي التي عقدت في 18 نوفمبر تحت عنوان "ديمقراطيون أم أوتوقراطيون- الإسلاميون في سياسات الشمال الأفريقي" وتناولت مسألة الجدل حول ضرورة أن تضم العملية السياسية في دول المغرب السياسيين الإسلاميين ليمارسوا دورا سياسيا طبقا للقواعد الديمقراطية من ناحية، أو ضرورة استبعاد الإسلاميين تحت دعوى الخوف من إمكانية خطفهم لهذه المرحلة الانتقالية ليحلوا محل النظم الشمولية الحاكمة من ناحية أخرى. وتحدث كلا من مايكل ويلز الأستاذ بكلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد البريطانية والمتخصص في الشئون المغربية، والأستاذة ماليكا زاغال أستاذة الدراسات الإنسانية بجامعة شيكاغو والمتخصصة في الشئون الإسلامية في الشمال الأفريقي. وذكرت زاغال "أن الإسلاميين في دول المغرب العربي من الممكن أن يصبحوا ديمقراطيون أو أوتوقراطيون بناءا على ما قد يواجهونه من عقبات ومصاعب، لأن حكومات المنطقة مازالت تشكل البيئة التي يعمل وينشط فيها الإسلاميين" . أما الأستاذ ويلز فقد ذكر أن "هناك ملامح تسلطية داخل الأحزاب الإسلامية تعكس حقيقة أن هذه الأحزاب تعمل في داخل نظام شمولي أكبر". الكل يستغل الإسلام سياسيا في المغرب "كل الأنظمة الحاكمة تستغل الإسلام في خطابها السياسي"" هكذا ذكرت الأستاذة زاغال التي ترى أن النظم الحاكمة تسعى دائما إلى مفاوضات وترتيبات مع قادة ورموز المؤسسات الدينية مما يتيح لهم مجال للحركة المستقلة في الوقت الذي يكون عليهم دعم النظام الحاكم. والمغرب يمثل استثناءا كون الملك رأس الدولة هو أيضا "أمير المؤمنين". ويمثل التوافق الحادث بين الحكومة المغربية والإسلاميين في المغرب حالة توافق فريدة من نوعها، والعامل الهام وراء هذا التوافق يتمثل في "التجربة الجزائرية". فالصعود المفاجئ للإسلاميين في الجزائر وما تلاه من تعامل عنيف من النظام الجزائري مع الأحزاب الإسلامية والذي تتطور لما يشبه الحرب الأهلية خلفت أكثر من 100 ألف قتيل، تلك التجربة الجزائرية خلقت خوفا في المغرب من البديل العنيف للمواجهة، لذا ينمو الإسلاميون في المغرب بصورة حذرة للغاية. الأستاذ ويلز من ناحيته تحدث عن حاجة الغرب الأوروبي والولاياتالمتحدة لبحث قضايا هامة مع الإسلاميين، قضايا مثل حقوق المرأة والفقر والفساد. ويري ويلز أن التعامل مع الإسلاميين من شأنه أن يدعم القوى المعتدلة في الأحزاب الإسلامية، ويحد من سطوة الفكر الراديكالي المتطرف على هذه الأحزاب، وأن رغبة الأحزاب الإسلامية في عقد ائتلافات مع غيرها من الأحزاب العلمانية واليسارية يشير إلى توجهاتهم المستقبلية والرغبة في المشاركة في الحكم. إلا أن الخبير البريطاني يعود ويلقي باللائمة على الأنظمة الحاكمة إذ يقول "أن النظم الحاكمة في دول المغرب العربي لا يبدي أي استعداد أو رغبة في إمكانية مشاركة أي حزب أو جماعة أخري في الحكم، وهذا ينطبق على الإسلاميين وعلى غيرهم." المستقبل المغاربي لمن... الإسلاميين أم الجماعات العلمانية؟ في ندوة النقاش الثانية التي عقدت يوم 16 ديسمبر، دار نقاش حاد بين ممثلي وجهتي نظر متناقضتين، عبر عن وجهة النظر الأولى القائلة بأن (من حق الإسلاميين الذين لا يستخدمون العنف كوسيلة ويدينون العنف أن يتمتعوا بكل حقوق اللعبة السياسية، وانه إذا ما تم ذلك فلا مناص من فوز الإسلاميين بالحكم في كل دول المغرب العربي) أستاذ العلوم السياسية بجامعة فوردهام بمدينة نيويورك جون إنتيليس، حيث ذكر أن "الأيديولوجية الوحيدة ذات المصداقية في شمال أفريقيا وتستطيع أن تعبئ شعوب المنطقة هي الإسلام". على العكس من وجهة النظر هذه، جادلت أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوفال بكندا ميز جارون "أن الجماعات العلمانية الليبرالية لديها مصداقية أكبر، وعلى المدى الطويل ستنجح في عرض نفسها كمخرج وحيد من الأزمة" وتقصد الباحثة أزمة عدم وجود بديل للأنظمة الحاكمة سوى الأحزاب الإسلامية. وأثارت أطروحة إنتليس جدلا داخل القاعة حول ما يضمن التزام الإسلاميين بمعايير الممارسات الديمقراطية، والخوف من انقلابهم على الديمقراطية بعد وصولهم للحكم. واتفق الخبيران على ضعف جماعات المجتمع المدني في دول المغرب العربي كلها، وإن تم الإشارة على تميز المغرب النسبي عن بقية الدول في هذا المجال. المصدر : تقرير واشنطن