جدد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، رفضه التام لما ورد في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في مصر، واعتبره جهلاً وافتراء وتدخلا سافرا غير مقبول فى الشئون الداخلية لمصر ويعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي المصري. أكد المجمع في بيانه الذي أصدره الاثنين وحصلت "المصريون" على نسخة منه، أن التقرير تضمن "العديد من المغالطات الصارخة"، قال إن بعضها يرجع إلا الجهل بحقائق الإسلام والبعض الآخر بحقائق الأقليات الدينية في مصر، مع "وجود سوء نية لدى القائمين عللا إعداد التقرير رغبة منهم في التدخل في شئون مصر الداخلية". وفند البيان الادعاءات التي وردت في التقرير، قائلاً إن مصر لا تعرف التمييز الديني ولا تقيد العبادة، مشيرا إلي أن قانون بناء دور العبادة في مصر يحكمه القانون، وأن بناء المساجد أصعب بكثير من بناء الكنائس، كما أن أعداد الكنائس مقارنة بعدد المسيحيين يفوق أعداد المساجد، وخاصة أن الكثير من الأقباط يعيشون في الخارج. وأشار إلى أن الكنائس والأديرة مفتوحة ليلا ونهارا ودون أدنى رقابة عليها ولا دخل للحكومة في تعيين القيادات الدينية المسيحية على اختلاف درجاتها، بينما يتم شغل الوظائف الإسلامية بالتعيين من قبل الدولة. أما عن توجيه أموال الأوقاف إلى بناء ورعاية المساجد، فأكد مجمع البحوث الإسلامية أن الدولة ضمت الأوقاف الإسلامية إليها منذ عام 1952 بينما ظلت الأوقاف المسيحية تحت تصرف الكنيسة للإنفاق علي أنشطتها دون أي تدخل حكومي، لذا فمن الطبيعي أن يتم توجيه أموال الأوقاف الإسلامية إلى بناء المساجد. وأكد المجمع أن الدولة شاركت مشاركة في بناء كاتدرائية العباسية التي تعد هي الأكبر في الشرق الأوسط، كما تقوم وزارة الثقافة برعاية الآثار الإسلامية والمسيحية واليهودية علي حد سواء دون أدنى تمييز بينها. وأوضح البيان أن دين الدولة فى مصر هو الإسلام وأن مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأن اللغة العربية هى اللغة القومية لمصر وجزء أصيل من تاريخها الإسلامى منذ أكثر من 14 قرنا ويعبر عن هوية الدولة والمجتمع والأمة والتى اختارتها وأقرتها القوانين المصرية والدستور بإجماع الأعضاء المخصصين لذلك وفيهم قيادات دينية مسيحية. واعتبر المجمع أن هذا النص الدستوري لا يعد تمييزا فهذا حق أصيل لتاريخ مصر الإسلامي، وأضاف أن التشريعات الإسلامية لا تجور على الخصوصيات الدينية للمواطنين غير المسلمين الذين أمرت الشريعة الإسلامية أن تكون لهم حرية العبادة، وأن مصر تحافظ على هوية مواطنيها وخصوصيتهم. وحول الادعاء بمنع الحكومة المصرية حرية التبشير بالمسيحية، أوضح البيان أن لكل صاحب دين سماوى فى مصر حرية عرض دينه والدفاع عنه والدعوة إليه، أما الممنوع فهو التنصير الذى تمارسه دوائر أجنبية غربية، والذى جاء إلى بلادنا مع الغزو الاستعمارى منذ القرن التاسع عشر. وأشار إلى أن خير شاهد على هذه الحقيقة أن المنصرين الأمريكيين -من غلاة اليمين الدينى- دخلوا إلى العراق عام 2003 على دبابات الغزو الأمريكى، وهم يمارسون نشاطهم التنصيرى فى العراق وفى أفغانستان تحت حماية جيوش الاحتلال. وأضاف: لذلك فإن هذا التنصير هو أمر مختلف عن حرية الدعوة إلى المسيحية ودخل فى إطار الغزو الفكرى الذى يقوم على ازدراء دين الأغلبية - الاسلام - ومنعه هو جزء من الحفاظ على الاستقلال الحضارى والحفاظ على الأمن الاجتماعى ومنع الفتن الطائفية وليس تعصبا إسلاميا ضد المسيحية الذى يعترف بها الإسلام ويحترم رموزها ويحمى مقدساتها على النحو الذى يعرفه الجميع. ورأى مجمع البحوث الإسلامية، أن الإشارة في التقرير إلى وجود اتصال بين المسئولين الأمريكيين وبعض الأقباط والبهائيين والشيعة والقرآنيين والنوبيين يعد "اعترافا صريحا عن ممارسة أمريكا سياسات تفتيت النسيج الوطني والثقافي للمجتمع المصري لخلق نوع من الفوضى لتحويل المجتمع إلي طوائف متناحرة يسهل اختراقها". وأشار أن هذا ما دعا إليه المستشرق الأمريكي برنارد لويز بتحويل المجتمعات العربية والإسلامية إلي هياكل ورقيه لضمان تحقق الأمن والتفوق الإسرائيلي دائما علي المسلمين، وانتقد المجمع ما اعتبره اغتصابا من الإدارة الأمريكية اختصاصات الشرعية الدولية، وإصداره تقارير سنوية بشان الحريات والنظم الدولية في حين أن ذلك من اختصاص الأممالمتحدة. وفي رده على التقرير، أوضح البيان أن ضعف مشاركة المسيحيين في الانتخابات البرلمانية "جزء من السلبية العامة في المجتمع التي أفرزتها عوامل سياسية لا علاقة لها بالتمييز الديني لغير المسلمين، علاوة على أنها تعود إلى توجه المسيحيين إلى مجال الاستثمارات الاقتصادية التي يمثلون فيها ثقلا وثراء يفوق نسبتهم العددية أضعافا مضاعفة. وعبر الأزهر في بيانه عن استنكاره لانتقاد التقرير الأمريكي للحجاب، مؤكدا أنه زي إسلامي ويدخل ضمن الحرية الشخصية، وتساءل في بيانه: لماذا يسمح الغرب بالعري في حين يحارب الالتزام. وأضاف: إذا كان الغرب يعتبر حرية المرأة فى الزي مقصورة على العرى فإن الإسلام والمسيحية واليهودية تدعو إلى الحشمة دون أن تفرض هذه الحشمة، وإنما فقط تحبذها وترغب فيها، وفى مصر تتفق الأسر المصرية على اختلاف دياناتها فى الريف الذى يمثل 85% من السكان وفى الأحياء الشعبية فى المدن وفى البادية يتفقون على الحشمة التى يسميها البعض الحجاب. أما عن منع الأقباط من الدراسة بالأزهر، فأكد مجمع البحوث الإسلامية أن ذلك راجع لعدم حصولهم علي الثانوية الأزهرية، ولأن من شروط الالتحاق بالجامعة الحصول على الثانوية الأزهرية. وقال إن هذا لا يعد تمييزا دينيا ضد غير المسلمين أو التعصب الدينى، لأن جامعة الأزهر ترفض قبول الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة على الرغم من كونهم مسلمين، ولأن مناهج الدراسة فى جامعة الأزهر بما فيها الكليات العملية هى مناهج دينية إسلامية، ومما ينافى حرية الضمير والإعتقاد بفرض دراسة الدين الإسلامى فى هذه الجامعة على غير المسلمين، وخاصة فى المراحل العمرية الأولى. وأشاره في رده أيضا إلى أن هذا هو الوضع السائد والمتعارف عليه فى معاهد اللاهوت والكليات الأمريكية المسيحية التى لاتفرض دراسة مناهجها الدينية على غير المسيحيين. وحول إباحة الشريعة الإسلامية زواج المسلم بالمسيحية واليهودية ومنعها زواج المسلمة من غير المسلم، أوضح المجمع أنه لا علاقة له بالتمييز السلبى ولا بالتعصب الدينى، وإنما مرجعه أن المسلم بحكم عقيدته يعترف بالمسيحية واليهودية ديانات سماوية ويحترم ويعظم رموزها، ومن ثم فالمسلم مؤتمن على عقيدة زوجته المسيحية واليهودية، ومطالب دينيا باحترام عقيدتها وتمكينها من أداء شعائرها، بينما غير المسلم لا يعترف بالاسلام دينا سماويا ولايقدس رموزه، ومن ثم فإنه غير مطالب - دينيا - باحترام عقيدة المسلمة الأمر الذى يشكل مخاوف على عقيدتها وحريتها الدينية وإيذاء لمشاعرها إذا هى أقترنت بمن لايعترف بدينها ولايعظم رموز هذا الدين، فالقضية أقرب إلى الكفاءة بين الازواج منها إلى التعصب أو التسامح الدينى. وحول مطالبة التقرير الأمريكى مصر بأن تسمح بالزواج بين المسلمين وأهل الديانات الوضعية - غير السماوية – اعتبر المجمع أنها تكشف عن جهل وافتراء، فمصر ليس بها ديانات غيرسماوية، ثم إن الخلاف مع التقرير الأمريكى - هنا وفي كثير من القضايا ليس مرده الخلاف حول "درجة الحرية والحقوق" إنما حول مفهوم الحرية والحقوق، فالمرجعية الوضعية الغربية تجعل الشذوذ الجنسى وزواج المثليين - مثلا - من الحرية وحقوق الإنسان، بينما المرجعية الدينية - فى الديانات السماوية الثلاث - تنكر ذلك كل الانكار فالخلاف هو فى "مفهوم الحرية " وليس فى درجة الحرية. وحول الحديث عن أوضاع المتحولين من الإسلام أو إليه، أوضح المجمع أن المجتمعات الشرقية لا تنظر إلى الدين كشأن فردي وشخصىييتم تغييره دون مشكلات بل أنه يعبر عن هوية اجتماعية يماثل "العرض والشرف" وقد يعلو عليهما، وبذلك فإن الانسلاخ عنه والتحول منه إنما يمثل مشكلة عائلية وإجتماعية، وفى هذا يتفق الشرقيون جميعا. وأشار إلى أنه ربما كان موقف الأوساط المسيحية فى مصر من هذه القضية أكثر تشددا، والقانون فى أى مجتمع من المجتمعات إنما يعبر عن الواقع الاجتماعى ليضبط حركة هذا الواقع الإجتماعى، ودون مراعاة العادات والتقاليد والقيم الدينية والإجتماعية السائدة لايمكن للقانون أن يحقق السلام الإجتماعى. .أما عن انتقاد التقرير الأمريكي لنسبة مشاركة المسيحيين في المجلس القومي لحقوق الإنسان، فأكد الأزهر أنه حسب إحصاء مركز "بيو" الأمريكي يقدر عدد المسيحيين في مصر 4.5 مليون نسمة من السكان، أي أن نسبتهم في المجتمع المصر حوالي 5% وبالرغم من ذلك فان نسبة مشاركتهم في المجلس 20% حيث يضم في عضويته 5 أعضاء من اصل 25 عضوا. وحول الادعاءات بظلم الإسلام للمرأة فى الميراث، أشار المجمع إلى أن ذلك ينم عن جهل مركب بفلسفة الإسلام فى الميراث فالأنثى -فى الشريعة الإسلامية- ترث مثل الذكر أو أكثر من الذكر أو ترث، ولا يرث الذكر فى أكثر من ثلاثين حالة من حالات الميراث بينما ترث نصف نصيب الذكر فى أربع حالات هى التى يكون العبء المالى فيها ملقى على الذكور دون الاناث. وأوضح أن الذين يعرفون القواعد الشرعية فى الميراث يعرفون أن الإسلام يقدم الإناث على الذكور عندما يجعل أنصبتهن فى "الفروض"، بينما يؤخر الذكور عندما يضع أنصبتهم فى "التعصب" أى فيما بقي بعد الفروض، ولكنه الجهل المركب الذى انطلق منه الذين أعدوا التقرير الأمريكي، كما جاء في بيان المجمع. وحول ذبح الخنازير تفاديا لانتشار مرض أنفلونزا الخنازير، واعتبار ذلك تمييزا وإضطهادا للمسيحيين ، فإنه لون من ألوان الهزل الذى يثير السخرية، فأكد الأزهر في رده على أن هذه مسألة صحية لها علاقة بالصحة العامة، والخنازير ليس لها دين حتى يدخل ذبحها فى التمييز ضد المسيحيين. وحول انتقادات التقرير لولاية الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية على الشأن الديني، والادعاء بمنعه للكتب والمطبوعات، اعتبر مجمع البحوث الإسلامي أن ذلك جهل كبير وإفتراء شديد، ذلك أن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة تستشيره الدولة فى الشأن الدينى، كما تستشير أى مؤسسة من مؤسسات المجمتع فيما تختص به، وتتخصص فيه من خبرات. وقال إنه ليس من سلطة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية منع أى كتاب من الكتب أو أى مصنف من المصنفات الفنية، فقط يبدى رأيه الإستشارى أما منع الكتب والمصنفات الفنية فى مصر فهو شأن من شئون القضاء وحده يطبق فيه القانون الوضعى الذى سنته المؤسسة التشريعية المنتخبة والممثلة للشعب على إختلاف ديانته وتيارات الفكر فيه.