الجدل الذى تشهده مصر حول الرقابة الدولية على الانتخابات يقسم الناس بين مؤيد للرقابة ومعارض لها. والسبب فى نشاة فكرة الرقابة أصلاً هو الشك الذى تسنده التجارب فى نزاهة الانتخابات وعدم استعداد الحكومة لتقديم ضمانات لنزاهتها، مما يشكك فى اتجاه النية إلى تزويرها. وهذا منطقى لأن الحكم يريد أن يستمر ولايريد أن يعرض نفسه للأقتلاع إذا جرت الانتخابات بنزاهة، أو ان يتعرض النظام للاحراج مع الخارج إذا التزم بحد أدنى من النزاهة ثم زور الانتخابات على مرأى ومسمع من العالم كله. فالأصل هو رغبة النظام فى استمراره فى الحكم مع عدم قدرته أو استعداده لتبرير وجوده بتحسين الأوضاع سوى فى وعود جربها الشعب فكانت النتائج معاكسة تماماً. ولايريد النظام أن يراجع نفسه بأمانة فيقرر بشرف إعداد البلاد لانتخابات نزيهة تخرجها من المأزق القاتل الذى يتهددها، فهو مقتنع بأنه باق رغم أنف الشعب وبلا أى شرعية تسنده وهو فى نفس الوقت غير راغب فى الإصلاح ووقف الفساد. هذه هى الإشكالية الحقيقية التى تواجهها مصر الآن. وقد أحسن النظام إلى المصرين من حيث لايدرى حيث تحول المصريون بعد أن انكشف سترهم إلى تحدى السلطة فلم يكن المصريون يطمحون إلى المشاركة فى السلطة أو إقامة نظام ديمقراطى من قبل وأن ما دفعهم الآن إلى ذلك هو الفساد وغياب المرجعية السياسية والدينية لمظالمهم، فاستعلوا على الخوف بعد أن رخصت عندهم الحياة، فى ظل كافة الظروف التى تهددها. فى هذا المناخ ثار الجدل حول الرقابة الدولية، فعارضها رموز النظام وظلالهم، كما عارضها غير المدركين والعارفين بملفها. أما المؤيدون للرقابة الدولية فهم العارفون بشيوعها فى الحياة الدولية والمشككين فى نوايا الحكومة. ومن المهم للرأى العام أن يعرف الحقيقة خاصة بعد أن دخل فى الجدل رموز قانونية يفترض فيها العلم بالحقائق التى لاخلاف عليها، وإن احترمنا رأيهم السياسى، ولكنى حريص على الفصل بين الحقائق والآراء، فالحقائق ثابتة لايمارى فيها إلا متحرف لخطأ، اما الآراء فمتباينة، وهى مناط الحق فى حرية الرأى والتعبير عنه رغم أن هذه الرموز احتكرت ساحة الإعلان عن الرأى دون أصحاب الحقائق والرأى الآخر. حجج المعارضين للرقابة الدولية تساق للإقناع بموقف، فإذا فسدت الحجج انهار الموقف من أساسه. الحجة الأولى، هى أن الرقابة الدولية لايطلبها أويقبل بها إلا دول صغيرة تافهة، والرد أن الرقابة مورست فى انتخابات دول صغيرة وكبيرة جداً مثل الولاياتالمتحدة وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والمكسيك والبرازيل، والكونغو والستغال مما يضيق المقام عن تعدادها. الحجة الثانية، هى أن الرقابة الدولية تدل على الشك فى نزاهة الدولة وقدرتها على إجراء انتخابات حرة. والرد هو أن الرافضين لم يجرؤوا على نفى التزوير باعتباره تقليدا ثابتاً بل إن بعضهم تحلى بالشجاعة الآدبية فاعترف بوقوعه ولكنه يأمل فقط فى ألا يتكرر فى المستقبل دون أن تظهر فى الأفق علامات تعزز هذا الأمل أو تجعله محتملاً. والرد الثانى، هو أن الرقابة مورست فى دول ديمقراطية على سبيل التباهى ولتكسر عقدة عند النظم الدكتاتورية التى تأبى الرقابة خوفاً من الزوال من السلطة أو الفضيحة. الحجة الثالثة، هى أن الرقابة تعد تدخلاً فى الشئون الداخلية فى مصر ومساساً بسيادة مصر. وردى هو 1- أن الرقابة تدخل فى إطار الاجراءات والمداولات التى لبلتها مصر فى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى وهى من مخرجات علاقة التحالف بين مصر والولاياتالمتحدة. 2- أن هذه الرقابة لاتفرض على مصر وإنما تطلب من مصر وتوافق عليها ولذلك لامحل للحديث عن المساس بالسيادة مادامت الدولة هى التى قبلتها، والأذكى أن تطلبها الدولة كما فعل العراق والسودان وعشرات الدول الأخرى التى تتمتع هى الأخرى مثل مصر بالسيادة. 3- أن علاقة الحاكم بالمحكوم، وحق المحكوم فى اختيار حاكمه النظيف الذى يسهر على مصالحه لم تعد شأناً داخلياً وإنما أصبحت قضية تؤرق المجتمع الدولى الذى تحرص مؤسساته على سلامة العملية الانتخابية باعتبارها أحد أدوات الديمقراطية. 4- أن المراقبين الدوليين لديهم مدونة سلوك صارمة تلزمهم باحترام قانون الدولة المضيفة ومؤسساتها فلاشبهة فى أى تدخل فى شئونها أو انتهاك لسيادتها. 5- أصبحت الرقابة الدولية سلوكا مألوفاً فى العلاقات الدولية وأظن أن هذه المعلومة يجب أن تكون معروفة للرموز بالضرورة، فلايجوز أخلاقياً أن ينكروا هذه الحقيقة الساطعة أمام القارئ والمشاهد لمجرد معاداتهم بحكم مواقعهم للرقابة الدولية. 6- أن فكرة السيادة والاستقلال والشئون الداخلية قد جرى عليها الكثير فى عصر العولمة من ناحية، وأصابها الكثير من المرونة فى علاقات مصر الخارجية خاصة مع الولاياتالمتحدة،من ناحية أخري.