هل حان الوقت لتقييم التجربة الإسلامية على مدار عدة عقود ؟ , وخاصة في ظل النهاية الكارثية التي مني بها الإسلاميون بعد أن تمكنوا من الوصول إلى الحكم - ولو شكليا - أم إن الأصوات ذاتها ستعاود ترديد العبارات المأثورة والتي سمعناها كثيرا :" ليس الآن احتراما لخطورة وجلال الموقف ." لقد كنا نحاول في كل مرحلة أن نعبر عن وجهات نظر مخالفة لما كان يعتقده ويمارسه الكثيرون منهم في ظل حالة النشوة التي أعقبت ثورة يناير , وما تلاها من انتصارات انتخابية اتضح فيما بعد أنها كانت فخاخا منصوبة بتخطيط محكم لاصطياد السذج – وهم كثر – ممن ضبطوا متلبسين بجريمة عشق الثورة والانتماء إليها . لقد اكتشفنا جميعا أن الأسلحة التي استخدمها الإسلاميون في معركة السلطة لم تكن غير مجموعة من الشعارات الحماسية , والأناشيد الإسلامية التي تشبه جرعات التخدير قبل إجراء العمليات الجراحية , وبعد زوال مفعول وأثر تلك المسكنات أدركنا أن الجرح مؤلم إلى الحد الذي لا يستطيع أن يصدقه البعض حتى الآن أو كما يقول علماء النفس وفقا لنظرية الحيل الدفاعية أننا أو أنهم – لا فرق - في حالة إنكارأو Denial أمام هذا المشهد العبثي . وبمراجعة موجزة لما خاضه الإسلاميون من معارك , فإننا سوف نصاب بقدر كبير من الدهشة , لأنها فيما يبدو معارك شكلية لا تتعلق بالقضايا الكبرى التي قاتل من أجلها العالم الغربي والتي دفع فيها ثمنا باهظا لكي ينال حريته واستقلاله وكرامته . لقد كانت معاركنا (الإسلامية ) تدور حول النقاب واللحية والغناء وحكم الإسلام في الاحتفال بعيد الأم والمولد النبوي وغيرها من الأمور التي لا ننكر أهميتها لكننا لا نقر بأولويتها وما استنزفته من جهد ووقت وإلهاء للأمة عن القضايا الكبرى التي من خلالها تنهض الأمم وتشارك في مسيرة التطور الحضاري . لقد كنا – ولا زلنا – عالة ومتطفلين على هذا العالم , نختزل فكرة الخيرية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هامش ضيق يتعلق بصوت المرأة وزيها , مع أن قضايا الأمر بالمعروف أوسع من ذلك بكثير , فإتقان العمل والانضباط والابتكار والعدل والمساواة , من أهم قضايا الأمر بالمعروف , كما أن السطحية والكسل والفهلوة والغش والواسطة والخرافة من أهم قضايا النهي عن المنكر . لقد كان الإمام الشافعي قديما يعاني من ضحالة اهتمام هذه الأمة بالطب , وتركيزهم على الأمور الفقهية الجدلية التي جعلت الفجوة بين العقل الإسلامي والتطور التاريخي تزداد يوما بعد يوم , حتى استيقظ العالم الإسلامي ومنارته التي تسمى "الأزهر " بعد مئات السنين من مقولة الشافعي ليكتشف أنه كان في غيبوبة أنتجت أحد شعاراته التي لا يجيد غيرها مثل " يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف " في مواجهة مدافع الحملة الفرنسية . وبدلا من إكمال المسيرة العلمية التي بدأها محمد علي بعد صدمة الحملة الفرنسية , تحولت المعركة إلى نوع من الجدل العقيم بين المحافظين والتغريبيبن حول قضايا تراثية ولغوية لا علاقة لها بالعلم التجريبي , ثم تطور الأمر إلى ذلك الصدام الدموي الذي حدث بين الإسلاميين وبين العسكر بسبب إصرار الإسلاميين على تقديم نموذجهم وهم على كراسي الحكم لا كراسي الشعب مما سبب حالة من التشكك والقلق من نواياهم , فليس بالضرورة أن تكون حاكما لتقدم مشروعك , بل يمكنك أن تكون محكوما وتابعا , مما أدى إلى استنزاف مرير ومتبادل لطاقات الأمة بين السلطة التي لا ننكر استبدادها والإسلاميين الذين لم يستطيعوا طمأنتها في أنهم غير طامعين في بريقها , , ولم تجد السلطة صعوبة في استدعاء المؤسسة الدينية الرسمية لمواجهة مزاعم وادعاءات منظري المشروع الإسلامي , وهكذا تم توريط الأمة كلها في أن تكون ضحية هذا الصراع والصدام , ففي الوقت الذي كان يتنافس فيه غيرنا في الصعود إلى القمر , كانت الأمة مشغولة بقضاياها المعتادة من لحية ونقاب وغناء , وكان الإسلاميون أشبه "بسيزيف" بطل الأسطورة اليونانية ذلك البائس الذي يحمل صخرة على كتفه ليصعد بها جبلا , وكلما اقترب من الوصول إلى أعلى الجبل , سقطت الصخرة إلى سفح الجبل , لينزل ثانية ويحملها على كتفه دون أن يحقق شيئا , في الوقت الذي يواصل فيه المشروع الصهيو أمريكي شعوره بالزهو والنشوة والارتياح وهو يرى أننا نقوم بالنيابة والوكالة عنه في احترابنا الداخلي . فمتى يدرك الإسلاميون أنهم لم يخوضوا إلا معارك وهمية , أدت إلى أن نصبح نحن تلك البقع المظلمة في ذلك العالم المضيء بتعبير توماس فريدمان .