قررت المحكمة الدستورية العليا، الأربعاء، وبشكل "مؤقت" وقف تنفيذ حكم الإدارية العليا الذي يلزم البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمنح تصاريح بالزواج الثاني للأقباط المطلقين، بحسب لائحة 1938 التي تنظم الأحوال الشخصية للمسيحيين، لحين الفصل في موضوع دعوى التنازع، الأمر الذي أثار ارتياحًا داخل الكنيسة وخاصة لدى البابا الذي سارع على الفور لإجراء اتصال هاتفي بجهة سيادية عبر خلاله عن سعادته بالحكم الذي أثلج صدره – بحسب قوله-، وتقديم الشكر على دعمها المستمر له والحفاظ على وحدة الكنيسة، على حد تعبيره. وقالت المحكمة في بيان صحفي أمس، إنها اتخذت قرارها بموجب السلطة المخولة لها بمقتضى المادة 32 من قانون المحكمة التي تكفل لها نظر التنازع بين الجهات المختلفة، مؤكدة أن رئيسها المستشار فاروق سلطان له الحق في وقف حكم الإدارية العليا الخاص بدعوى مسيحي يدعي هاني وصفي، وآخر يدعي مجدي وليم- طليق الفنانة هالة صدقي- اختصما البابا شنودة ليحصلا علي تصريح بالزواج الثاني بعد طلاقهما. وجاء صدور القرار على نحو مفاجئ للمراقبين، خاصة وأن المحكمة الدستورية العليا- أعلى جهة للتقاضي في مصر- لا تقبل استشكالات الأفراد على الأحكام، حيث تتعامل مع محاكم أو رئيس الوزراء بصفته فحسب، كما أنها لا تصدر أحكامها سريعًا – في أقل من شهر – حيث تستغرق أحكامها قرابة العامين على الأقل، كما في أحكام سابقة. وكان البابا شنودة الثالث لجأ إلى المحكمة الدستورية العليا برفع دعوى تنازع، طالبًا الفصل في النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين إعمالا لحكم المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية. وكان الحكم الأول قد أصدرته محكمة القضاء الإداري في جلسة 20 فبراير من عام 2007 بإلزام البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس بمنح مقيم الدعوى تصريحا بالزواج الثاني من الكنيسة الأرثوذكسية، وأيدت المحكمة الإدارية العليا في 29 مايو الماضي هذا الحكم، ليصبح نهائيًا، وغير قابل للطعن عليه بأي وجه من أوجه التقاضي. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن "الحق في تكوين الأسرة، حق دستوري يعلو فوق كل الاعتبارات، وأن المحكمة إذ تحترم المشاعر الدينية، غير أنها تحكم وفقاً لما قرره القانون"، مشيرةً إلى أن "القاضي لا مفر أمامه إلا تنفيذ ما نص عليه القانون وقواعده". وجاء الحكم، باعتبار أن القضاء الإداري مستقر على اعتبار المؤسسات الكنسية هيئات عامة منذ سنة 1984، حين حكمت المحكمة العليا باختصاصها بنظر قرار "الفرز"، أي الفصل من عضوية الكنيسة، والذي يعتبر أقسى قرار لما يتضمنه من حرمان المفصول من أية رابطة تربطه بالكنيسة الإنجيلية، أما الأقباط الأرثوذكس فطعونهم في قرارات كنيستهم أقل، وكانت أوائل الأحكام التي صدرت في هذا الصدد حكم محكمة القضاء الإداري عام 1954 في الدعوى التي انتهت فيها المحكمة إلى أن بطركخانة الأقباط الأرثوذكس تعتبر من أشخاص القانون العام، وأن ما يتفرع منها يعتبر هيئات إدارية. إلا أن البابا شنودة أبدى تحديه للحكم منذ صدوره، مؤكدًا أن لا قوة في الأرض تستطيع إجباره علي تنفيذ الحكم، وقام بتدشين حملة توقيعات في الكنائس للحصول علي تأييد الأقباط لرأيه في مواجهة الدولة، كما عقد اجتماعًا طارئًاَ للمجمع المقدس تمخض عن بيان زعم فيه أن الدولة "تضغط على الأقباط في دينهم". واستجابت الدولة بالفعل لضغوط البابا، حيث زاره الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، اللذين حملا رسالة "طمأنة" من الرئيس حسني مبارك له، وبأنه عليه "ألا يقلق"، كما صرح البابا بنفسه. كما أصدر المستشار ممدوح مرعي وزير العدل قرارًا بتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد الذي يبيح الطلاق لعلة الزنا فقط، متوافقًا مع مفهوم البابا شنودة للإنجيل، وهو ما يلاقي رفضًا من أتباع الطائفة الإنجيلية والعلمانيون الأقباط الذي يؤيدون استمرار العمل بلائحة 1938 لأنها الأقرب لروح الإنجيل. يلتقون وزير العدل لتسليمه نسخة منه صباح اليوم