ألم ممزوج بأمل ، تلك حال أغلب من على أرض مصر الآن قاتلا كان أو مقتولا ، مفوضا للقاتل أو مؤيدا للشرعية . يألم القاتل- إن أحسنا به الظن - أن صار مجرما عديم الضمير و الانسانية و المروءة ، يألم لوحشيته و لساديته في تلذذه بقتل بني جلده و دينه ، يألم لأنه يعلم و إن كان يحاول أن ينكر عقاب الله الذي توعده به (( و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما )) فأين يذهب من مكر الله به و من استحقاقه العذاب لا محالة و إن زهزهت له الدنيا و ظن أنه قد ملكها ، و حسب أن آلة بطشه المتترس خلفها لخبث طباعه و خسة نفسه و جبن أخلاقه منجية له من الخزي و النكال في الدنيا و لعذاب الآخرة أشد و أبقى ، و العجيب أنه يأمل .. يأمل أن يصير صالحا بعد أن حسب أنه قد قضى على خصومه قتلا و ترويعا و سجنا و تعذيبا ، يأمل أن يبني بلدا سويا على أنقاض جثث و جماجم مناوئيه ، و على مررات الثكالى و اليتامى و الحيارى ، فهل تستقيم له حياة ، أو يستطيع أن يبني بلدا على الكراهية و الحقد و الانتقام و التشفي ... يهذي من حاله كذلك. أما المقتول فحاله أفضل من قاتله ، فقد قتل مظلوما صالح النية فيما يُرى و إن أخطأ في نظر البعض ، يدافع عن ما يراه حقا سلب و شرعية تُعدي عليها و لما تكمل عامها الأول ، و حرمات انتهكت ، و سجون فتحت أبوابها بغير حق ، و شباب غيب عن الدنيا عدوانا و بغيا ، و يأمل في جنة عرضها السموات و الأرض و غفران و رضوان من الله أكبر ، فاللهم ارحمهم و اغفر لهم و تقبلهم في الصالحين و اعف عنهم و تجاوز عما تعلم إنك أنت العز الأكرم. و المفوضون الشامتون أكثرهم يتألمون لاضطراب أحوالهم المعيشية و التنغيص على حياتهم الدنيوية و كبت حرياتهم التي أقض مضجعها الارهابيون – زعموا - !! و هم أصناف و جلهم مغيبون فمنهم المطحون المتألم من كيد كيشه و قلة رزقه و سوء معيشته ، و المترف المنعم الذي يحزن لمصيفه و يتألم لرفاهيته السليبة و يضيق صدره بحريته المقيدة ... و يأملون .. فيأمل فقيرهم في غد أفضل على يد الأقوياء حاملي أسلحة البطش و التركيع و لو بتقبيل الأيادي و الأرجل فالأمل منعقد في رغيف لا يقطع دعمه و أرز و لو بسوسه على بطاقته التمونية و زجاجة زيت قد عفرها تراب معصرتها و رداءة بذورها و مع ذلك يرضون به و يتمنون دوامه !! فاللهم لا تحرمهم ما رضوا به من الفتات ... و يأمل غنيهم بعودة الأمن لمصنعه و متجره كي يسوق لبني جلدته ما ينعش خزينته و يملأ جعبته ، و يأمل في سهرات و قعدات و سمرات قد حرمها بفعل الارهابيين الأوباش !! ، فلم لا يأمل في حياة رخيصة رخص طبعه و خسة نفسه بعد التخلص منهم و التشفي في قتيلهم و إقصائهم من حياة يريد أن يسعد بها و لو على أنقاض الآخرين ، فهل ينعم و هذا حاله أم أن دماء بني وطنه التي اشترك في سفكها و لو بشطر كلمة ستقض مضجعه و تحرمه لذة ما يرجو؟!. أما المؤيدون للشرعية فحالهم أعجب، فهم يألمون لوطن جريح حسبوا أنه قد خطى على طريق التقدم ، و بدأ في سلوك سبيل الدول المتقدمة في الكرامة و الحرية و حقوق الانسان و العدالة الاجتماعية و لو على بعض غبش كانوا يرجون زوال أسبابه و تصحيح مسيرته و لكن على ما خطه المصلحون و شيد بنيانه الراشدون المخلصون و رضي به الشعب و لو في فترة من الفترات و ظنوا أنها هكذا ما يسمى بالديمقراطية تغلب بها مرة و تلعب بك مرات و لكن في صندوق الاقتراع !! ، فإذا به يرتد القهقرى و ينكص على عقبيه على يد من كان يؤمل فيه خيرا و يعول عليه سندا و ظهيرا ، يألمون لشباب سقط بين أيديهم و قد كانوا أنوارا متلئلئة و زهورا يانعة ، يألمون لحق سليب و أمة مستباحة و طريق يرون أنهم مضطرون لسلوكه و يعلمون أنه ملغم و محفوف بالمكاره ، يتألمون لمساجد انتهكت و مصاحف أحرقت و أشلاء مزقت أمام أعينهم ... و يأملون أن ينصر الله شريعته و أن يعلي دينه و أن تستعاد الشرعية المفقودة و الحقوق المسلوبة .. و يأملون أن يشفي الله صدورهم ممن غدر بهم و قتل شبابهم و استباح أعراضهم ... يأملون في أمن و سلام و وئام بين أطراف شعب ممزق و عائلات قد دب بينهم الشقاق و الاختلاف و فرقت بينهم الأهواء. آلام و آمال ، نوقن من ورائها يقينا لا تزعزع جوانبه الحوادث ، و لا تقوض بنيانه النوازل أن الله ناصر دينه و معلي كلمته ، و أن دولة الظلم ساعة و دولة الحق إلى قيام الساعة ، و أن ما يحدث حولنا في مصر و سوريا على الأخص إنما هي محن و ابتلاءات من ورائها منح و تمحيص للصف و تمييز للخبيث من الطيب حتى يكون جيل التمكين صافيا قلبه من أدران الحقد و الغل و البغضاء و الكراهية ، نقيا منهجه من اعوجاج الأهواء و المنكرات التي لحقت بنا و التي أعاقت مسيرتنا.