تزداد أعداد أطفال الشوارع فى مصر كل يوم، وبالتحديد فى الآونة الأخيرة، فقد وجدنا الكثير من المخربين والمندسين فى المظاهرات السلمية والاعتصامات الفئوية، وعندما نركز فى الخراب وإلقاء زجاجات المولوتوف نجدها تصدر من قبل أطفال لن يتعدى عمرهم الخمسة عشر عاما، ونشعر بأنهم يريدون الخراب، حتى وإن كانوا غير مؤيدين لأشخاص أو أحزاب ولكنهم يريدون أن تستمر الفوضى فى مصر، فمن هؤلاء الأطفال؟ ومن هم؟ وما الذى يجعلهم يفعلون هذا؟ فمعظم هؤلاء الأطفال من أطفال الملاجئ الذين عاشوا طفولة يائسة تخلو من كل معانى الحياة الجميلة، ويشعرون دائما أن المجتمع هو السبب فى كل ما يحدث لهم من تدمير فى طفولتهم وضياع لمستقبلهم. ففى أحدث الإحصائيات الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بشأن أعداد الملاجئ فى مصر، جاءت كالتالى محافظة القاهرة، توجد بها 38 جمعية, الإسكندرية 17 جمعية, بورسعيد 10 جمعيات, حلوان 6 جمعيات, مدينة 6 أكتوبر 2 جمعية, دمياط 10 جمعيات, الدقهلية 19 جمعية, الشرقية 7 جمعيات, القليوبية 9 جمعيات, كفر الشيخ 14 جمعية, الغربية 23 جمعية, المنوفية 8 جمعيات, البحيرة 15 جمعية, الإسماعيلية 9 جمعيات, الجيزة 14 جمعية, بنى سويف 7 جمعيات, الفيوم 5 جمعيات، المنيا 23 جمعية, أسيوط 10 جمعيات, سوهاج 38 جمعية, قنا 12 جمعية, أسوان 9 جمعيات, الأقصر 7 جمعيات, البحر الأحمر 2 جمعية, الوادى الجديد 9 جمعيات, مطروح 4 جمعيات, شمال سيناء 2 جمعية, جنوب سيناء 1 جمعية. وفى إطار ذلك، رصدت (المصريون) آراء أخصائيى جمعيات الملاجئ والخبراء الاجتماعيين للوقوف على أسباب رفض أطفال الملاجئ للمجتمع والرغبة فى الانتقام منهم، ومن المسئول عن تدمير طفولتهم ومستقبلهم. فى البداية، تقول عبير محمد أنور، أخصائية اجتماعية بجمعية المواساة، إن أطفال الملاجئ دائما رافضين للمجتمع حتى وهم داخل الجمعية، فهم دائما خائفون ورافضون الاختلاط بأى شخص خارج الجمعية ودائما ما أقول لهم إنهم أحسن حالا من أطفال الشوارع، لأن المؤسسة لدينا تقوم برعاية الأطفال الذين ينتمون إلى أسر، ولكن أهاليهم مواطنون غير قادرين على تربيتهم وكله بسبب ظروف مالية ومعيشية. ودائما ما يكون السبب وراء إيداع هؤلاء الأطفال داخل الملاجئ هى الأم، فهناك من تكون والدته متوفاة، وهناك من تكون والدته أرملة أو مطلقة، ولا تستطيع تربيته ورعايته، لأنها سوف تتزوج، فتأتى به إلى هنا وتتركه، ومن وقت إلى آخر تأتى لتطمئن عليه وهكذا. وهناك من يأتون به أهله ويوعدونه بأنهم سوف يأتون لزيارته، ولم يسألوا عنه، وهناك أطفال يذهبون لزيارة أهاليهم ويشاهدون بأعينهم كيف يعانى باقى إخوتهم من الجوع والمرض وعدم التعليم، فيحمدون الله ويشكرون أهاليهم بأنهم أودعوهم فى تلك المؤسسة، ولدينا الأطفال يستمرون معنا من فترة الروضة إلى المرحلة الإعدادية، وهناك من يريد أن يكمل ثانوية عامة، وأغلبهم لا يريد أن يكمل دراسته ويكتفى بالمرحلة الإعدادية، وهناك من يكمل دراسته إلى المرحله الثانوية ويحصل على دبلوم، ومنهم من يتركنا ويقرر الاعتماد على نفسه، ومنهم من يعمل معنا، ونقوم بتوفير فرص عمل له، وهناك من يعمل خارج المؤسسة، ولكنه يعود كل يوم للمبيت هنا. وبالنسبة للبنات عندما ينتهين من دراستهن، فيخترن أن يذهبوا لأهلهم، ولكنهن يتزوجن على الفور، فنقوم نحن بتجهيزهن وتوفير كل متطلباتهن من الجمعية، حتى نطمئن على الفتاة فى منزلها مع زوجها أو مع أسرتها. فى السياق ذاته، تقول نيفين عادل، أخصائية الجمعيات والملاجئ التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية إن ملاجئ الأطفال غير آدمية بالمرة، وليس لديها القدرة على تربية أجيال جديدة، وذلك لأن المدرسين الذين يعملون بها وحتى المشرفين والمشرفات لا يتقاضون رواتب ترضيهم، ولا تلبى احتياجاتهم، فبالتالى لا يشعرون بالرضا ويكون لديهم اكتئاب من وظيفتهم. أما المؤسسات والملاجئ الخاصة فهى تتلقى تبرعات كبيرة من رجال أعمال، وذلك لترويج الملاجئ والمؤسسات عن طريق الإعلانات المدفوعة الأجر وغيرها، وبالتالى يعطون رواتب كبيرة للعاملين والموظفين بها، ويكون رد فعل المدرسين والمشرفين من هذا الرضا هو المعاملة الحسنة للأطفال. وحتى التبرعات التى كانت تأتى لنا من فاعلى الخير قلت، بل انعدمت تمامًا، وذلك نظرا للظروف الاقتصادية بمصر وكل هذا بالطبع يؤثر بالسلبى على سلوكيات هؤلاء الأطفال، ولكن المؤسسات الخاصة من الممكن أنهم يخرجون أجيالا من الممكن أن يكونوا صالحين ونافعين للمجتمع، ولأنفسهم، لأن فاقد الشىء لا يعطيه. ويقول أشرف سعيد، مشرف اجتماعى بإحدى الجمعيات، إن الأطفال الموجودين داخل المؤسسات لا يشعرون بالرضا من أى شىء يقدم لهم، فهم كارهون لكل شىء، وكل شىء يقدم لهم سواء سلبيا أو إيجابيا، فهو بالنسبة لهم لا يعنى أى تقدير، ولا يمثل لهم أى فرحة، وذلك لأن الشىء المقدم لهم ليس من ذويهم، فكل هدف هؤلاء الأطفال هو الخروج من الملاجئ والمؤسسات والذهاب للعيش مع أهاليهم. فهناك طفل فى الصف الثالث الإبتدائى جاءت والدته لتودعه عندنا لعدم قدرتها على الإنفاق عليه، ومن وقت لآخر تأتى هذه الأم لترى ابنها وتطمئن عليه، ففى الفترة التى لم تكن الأم معه، لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم، فقط يبكى، وعندما يأتى أهل الخير ليعطوه بعض الحلوى يرفض ويأخذ يصرخ ويبكى، ولكن عندما تأتى أمه ومعها شىء بسيط له مثل كيس شيبسى يكون فى قمة سعادته ويأكل ويضحك ويلعب، وعندما تمشى الأم يستمر فى البكاء، وهكذا، فهذا الطفل مهما قدمنا له من رعاية وغيرها فهو لن يكون راضيا عنها على الإطلاق. من زاوية أخرى، قالت الدكتورة عزه كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن نوعية المؤسسات تختلف فى تبنيها للأطفال حسب ظروفهم الاجتماعية، فهناك مؤسسات لرعاية الأطفال اليتامى، وهناك مؤسسات لرعاية اللقطاء أو مفقودى النسب، وهناك مؤسسات لرعاية الأطفال الضالين أو التائهين عن أهاليهم، وهؤلاء الأطفال يتم توزيعهم على حسب المؤسسة. ولكن القضية هى أنه إلى وقتنا هذا، فإن المؤسسات الموجودة فى مصر، وللأسف الشديد لا تستطيع تأهيل أجيال جيدة وإبرازها للمجتمع بسبب عدم توافر الرعاية الطبية والتعليمية والنفسية والتربوية، نظرا لأن من يقوم بالعمل سواء مدرسين أو مشرفين أو أخصائيين اجتماعيين هم غير مؤهلين ولا متدربون على هذا العمل بشكل لائق، والدليل على هذا أن هؤلاء الأطفال لا يطيقون العيش داخل المؤسسة أو الملجأ فترة طويلة، فنجد أن الطفل عندما يصل إلى عمر معين يهرب على الفور من المؤسسة، ولا يطيق العيش هناك، حتى وإن وجدنا أن هناك بعض الأطفال يكملون المدة داخل المؤسسة ويخرجون منها بعد انتهاء الفترة المسموح لهم للعيش داخلها، ويخرجون للتعامل مع المجتمع، لا يستطيعون أن يكونوا أسرة ولا يستمرون فى العمل أو فى وظيفة، وإن أكملوا لا يستطيعون أن يكونوا أولياء أمور، لا آباء صالحون ولا أمهات، وذلك كله يرجع إلى المعاملة القاسية والتربية غير الصحيحة التى تلقوها داخل المؤسسة أو الملجأ. غير أننا قمنا بعمل بحث منذ فترة مع هؤلاء الأطفال، وكان ردهم واحدا، نحن نشعر أننا داخل سجن، أو مجندون فى الجيش من كثرة النظام، فالأكل بمواعيد والنوم بمواعيد والاستيقاظ بمواعيد، والضحك بمواعيد والبكاء بمواعيد، وهم يمثلون شريحة كبيرة فى المجتمع، فنجد أنه فى أى أسرة طبيعية لا يوجد بها هذا النظام القاتل، فحياتهم أسهل بكثير من هذا الروتين الذى تضعه المؤسسات والملاجئ لهؤلاء الأطفال، وللأسف هذا النظام تخضع له جميع الجمعيات والمؤسسات والملاجئ الحكومية والأهلية. فنحن لا نجد وزيرا أو شخصية عامة فى مصر كان أصله موجودا داخل مؤسسة أو ملجأ، وكل هذا لأن القائمين على عملية التربية والتأهيل لهؤلاء الأطفال غير مؤهلين لهذا، ولو نظرنا إلى الدول الغربية، فنجد أن الأطفال اللقطاء يخرج منهم الوزير والشخصيات العامة. فأبرز الشخصيات العامة فى الغرب كان أصلهم لقطاء، وتربوا فى ملاجئ، وذلك لأن الجمعيات أو المؤسسات والملاجئ الموجودة فى البلدان الغربية تعامل الطفل معاملة آدمية وتحترم هؤلاء الأطفال، لأن ليس لهم أى ذنب فيما ولدوا عليه، ولأن الشخص لديهم مهما كانت ظروفه فهو يعنى لهم الكثير.