بدعوة رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون لمؤتمر دولي نهاية الشهر الجاري وبالترحيب اليمني الرسمي والمتعجل به، يدخل اليمن مرحلةً جديدةً تشير العديد من المؤشرات إلى أن نهايتها وخيمة ليلتحق اليمنُ بدول عربية سبقته في التفكك والتشرذم كالعراق والصومال، وأخرى تسابقه المسار كالسودان. اليمن والذي أصبح نظامه يتوق ويتعجل عودة الانتداب إليه –وإن بمسميات وصيغ جديدة- بعد قيادة في الحكم لعقود، فاشلة ومفزعة ومفجعة، تفتقر للحكمة وتفتقد لمقومات الحكم الأساسية وأهدافه الاستراتيجية، فليس سرًّا أن الحوثيين والذين عجز الجيش اليمني وبدعمٍ من جهات عديدة على كبح جماح تمردهم قد نالوا دعم الرئيس علي عبد الله صالح من قبلُ ليواجه بهم نفوذ الإصلاح وحضوره الشعبي، وعلى الرغم من أن الفشل العسكري أمام الحوثيين والتراجع السياسي أمام الحراك الجنوبي يستدعي تهدئة الأمور في اليمن، فإن النظام اليمني بفتحه جبهةً داخلية في مواجهة ما يسمى تنظيم "القاعدة" وبدعوته الولاياتالمتحدة والغرب لتقديم المزيد من الدعم والتأييد له يكون قد اختار طريقًا مدمرًا بالهروب من مشاكل اليمن واستحقاقات فشل قيادته الذريع في الاقتصاد والتنمية والسياسة، بالتستّر خلف شعار حرب الإرهاب والتصدي لخطر القاعدة. التعاون الأمريكي اليمني وصل لمرحلة متقدمة بلقاء الجنرال ديفيد باتريوس رئيس القيادة المركزية والمسئول عن العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط آسيا بالرئيس عبد الها صالح، وبتصريحات الرئيس أوباما في خطابه الأسبوعي والذي قال فيه بعد اتهامه القاعدة بالوقوف وراء حادثة الطائرة الأمريكية: "لقد وضعت على رأس أولوياتي تعزيز شراكتنا مع الحكومة اليمنية، في مجالات تدريب وتجهيز قواتها الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والعمل معها لقصف مواقع الإرهابيين الذين ينتمون لتنظيم القاعدة". الذي نخشاه أن يكون دخول الولاياتالمتحدة على الخط اليمني وبشكل سافرٍ ومباشر تمهيدًا لإضافة المزيد من الفوضى غير الخلَّاقة على اليمن المرهق والممتلئ بأنواع وأصناف من الأسلحة، والتي ستؤدي باليمن للدخول لمرحلة مجهولة قد تؤدي به إلى التفكك والصوملة، ومن الممكن ملاحظة أن إشعال الحروب الداخلية في عدد من الدول العربية والإسلامية يبدو نتيجةً مباشرةً لما يسمى بالحرب على الإرهاب، فالعرب والمسلمون هم الخاسر الأكبر من خلال دخول بلدانهم لمراحل من انعدام الأمن والاستقرار كما يحصل في باكستانوأفغانستان واليمن والصومال والعراق، في حين كانت الإدارة الأمريكية ترفض أي شكل من أشكال المصالحة الداخلية كما حصل حين تم نوع من التفاهم بين حكومة باكستان وحركة طالبان وما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس أكثر من مرة. وإذا كنا نرفض أخلاقيًّا وإسلاميًّا الأفعال والأعمال، والتي تُنسب للقاعدة من قتل الأبرياء ونشر الدمار ومحاولة إسقاط الطائرات، فإننا لا نستطيع إغماض عيوننا أو إلغاء عقولِنا عن علامات استفهام كثيرة تدور حول تلك العمليات وما يرافقها؛ فهناك الكثير من الأكاديميين والباحثين والإعلاميين والذين ما زالوا يطرحون أسئلةً منطقية حول أحداث سبتمبر 2001 ولا يستطيعون أن يجدوا أجوبة شافية عليها، وبعيدًا عن تلك الأحداث والتي شكَّلت انعطافةً كبيرةً ومدخلًا لعودة الاستعمار العسكري القديم وإن كان بصيغٍ وذرائعَ جديدة، فإن قصة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تحمل هي الأخرى الكثيرَ من علامات التعجب والحيرة والاستفهام، فالحادثة جاءت بعد أيام من توزيع شريط تليفزيوني من اليمن منسوب لأعضاء من القاعدة، ووالد المتهم قام بنفسه بإبلاغ السفارة الأمريكية عن نوايا ابنه، كما أن الشاب النيجيري على قائمة الممنوعين من السفر جوًّا في قاعدة البيانات الأمريكية والتي تظهر أن اسمه مدرج بقائمة الأشخاص المحظور سفرهم، لوجود شبهاتٍ بأنهم ربما على صلة بتنظيمات متشددة. وعلى الرغم من إدراج عبد المطلب منذ نوفمبر الماضي ضمن لائحة تضم أشخاص متهمين بتورطهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في "أعمال الإرهاب"، فإن الرجل استطاع أن يحصل على تأشيرة دخول إلى الولاياتالمتحدة، في حين رفضت بريطانيا منحه تأشيرة دخول طلابية في مايو الماضي، كما كشفت تقارير أمريكيَّة أن الولاياتالمتحدة كانت قد علمت باستعدادات "نيجيري في اليمن" لشنّ هجوم إرهابي على أراضيها، حتى قبل أسابيع من محاولة إسقاط الطائرة. في حين كتبت صحيفة "واشنطن بوست" أن عمر عبد المطلب اتخذ لنفسه على موقع "جواهر كوم" اسمًا مستعارًا هو "فاروق 1986"، وقد كتب منذ عام 2005 نحو 310 رسالة على منتديات إسلامية تشير لتوجهاته الجهادية، فكيف يستطيع شخص بهذه المواصفات ضمن هذه الظروف تهريب عبوة متفجرة لطائرة أمريكية؟ كثيرةٌ تلك الدراسات والتحليلات والمقالات، والتي تتحدث عن نجاح أجهزة استخبارات محلية ودولية في اختراق تنظيمات العنف وتوجيه أفرادها وعملياتهم فيما يصب في مصلحة تلك الأجهزة وأجندتها، ولعل غياب المعلومات المنطقية والمترابطة حول طائرة ديترويت تعزّز وتؤيد مواقف المساندين لنظرية المؤامرة. فالحادثة بإيقاعاتها وأجوائها المرعبة تعطي القوات الغربيةوالأمريكية في أفغانستان دعمًا شعبيًّا غربيًّا هي في أمسّ الحاجة له، وهي تزود بالذخيرة الحية التيارات اليمينية الداعية للتضييق على المسلمين في الغرب ومحاصرتهم ومراقبتهم والانتقاص من حقوقهم والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة، كما تشكِّل المزاعمَ بتلقِّي المتهم تدريباته باليمن الذريعة للتدخل العسكري في اليمن وتدويل البحر الأحمر بحجة محاربة الإرهاب واجتثاث جذورِه، توقيت حادثة ديترويت ينقل الاهتمام العالمي والغربي عن متابعة التجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية استيطانًا وحصارًا إلى الإرهاب الإسلامي مجددًا والذي يراد للوعي الغربي أن يعتبر المقاومة الفلسطينية جزءًا منه. وبغض النظر عن الاجتهادات والمعطيات لحوادث الإرهاب المفترضة وعن توظيفاتها، يبقى العرب والمسلمون هم الخاسر الأكبر، فهم المتهمون والمرتاب بهم، وعلى أراضيهم تصول الطائرات وتجول الصواريخ الأمريكية لتنشر الرعب والموت والدمار، فيما مستقبل أجيالهم تختطفه في العديد من بلادهم أنظمة فاسدة وفاشلة، رصيدها الأساسي وربما الوحيد تفانيها في الحرب على "الإرهاب" وإخلاصها في السلام مع الاحتلال الصهيوني دون تردُّد برغم جرائمِه واستهتارِه بها. المصدر: الإسلام اليوم