في دولة يغيب عنها حكم القانون وتنحي أحكام الدستور، وتحكم الشارع عصابات مارقة تحرق وتخرب تروع وتعطل مسارات حياة الناس وتستبيح الأموال والأعراض بلا روادع ولا زواجر؛ فليس ثمة ما يمنع أن أعلن نفسي رئيسًا للبلاد، وأنازع الرئيس الشرعي المنتخب أمر الحكم وسلطانه، وأن أضرب بقواعد صناديق الانتخاب، وخيارات الشعب عرض الحائط؛ حتى أعيد للقانون هيبته وللشارع انضباطه؛ فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وضبط البلاد يحتاج إلى قبضة من حديد، فليس من الحكمة أن نتمسك بأهداب الدستور بدعاوى إشباع الحريات، ونترك إشباع البطون التي تتضور جوعًا، والاقتصاد الذي يترنح، وقيم الأمن التي غابت. وقطعًا سأجد لنفسي العون والنصرة من جهات عديدة، وستتحلق حوالي وسائل الإعلام، وستتغنى الخشب المسندة فيها بفطنتي وحصافتي أن استنقذت الوطن من الخطر الداهم الذي يشكله رئيس الإخوان، الذي شرع في بيع سيناء وتأجير الآثار ورهن القناة! ولاشك أنني سأستفيد من تجارب من سبقني في حكم البلاد، فلن أعلن نفسي الرئيس الشرعي الأول المنتخب بعد الثورة، بل سأعترف للرئيس الحالي بلقب الرئيس السابق ولكني سأجري انتخابات ثورية، وقد أرفع نسبة نجاحي ل 99% حتى أكون رئيسًا لكل المصريين كما فعل ناصر؛ ولكي أحمي مصالح الشعب من عبث العابثين؛ فلابد من بتر بعض الأعضاء من أجل سلامة باقي الجسد، وقد أجمد العمل بالدستور الإخواني من أجل صالح البلاد والعباد، وليس هناك ما يمنع من أجل وباسم الصالح العام أن تكون الأحكام العرفية لفترات محددة بدقة، هي دستوري لحكم البلاد. ولتدين لي الأمور وتستقر؛ قد ألجأ مضطرًا إلى عمل ثورة تصحيح كما فعل السادات، وأجمع رؤوس الفتنة ومراكز القوى التي أينعت من العهد البائد وألقي بهم في ظلمات الاعتقال. ولكني لن ألجأ لرهن إرادة البلاد وتسليم خيراتها للخارج للحفاظ على الكرسي كما فعل المخلوع، وسأمنع أسرتي من المتاجرة بالدين العام أو القوت العام، أو الشراكة الجبرية في كل مشروعات البلاد؛ فلا أريد أن تبلغ مسامعي لعنات شعبي، وأعيش ذليلًا مزدرى تلاحقني تهم القتل والنهب والخيانة ودعوات المظلومين. لكني قطعًا سأغير نخبتي وأركان دولتي ولن أسمح لهم أن يمكروا بي؛ لأني أعرف من خصالهم؛ أنهم في كل بلاط حاكم يهيمون، ويقولون مالا يفعلون، فقد رأيت منهم عجبًا، فقد مثلوا دور المعارضة أيام المخلوع، يهاجموه نهارًا ويقتاتون على فتات موائد فساده ليلًا وعندما دنا خلعه؛ نادوا بسقوطه مع الثائرين ولما سقط تبرءوا منه نفاقًا وتقية، ثم ذرفوا عليه الدموع! ولما لا وقد صنعهم وصنع أحزابهم وصحفهم وألقابهم على عين. ولما آلت سلطة الحكم للمجلس العسكري بحكم الواقع، وتقلصت مكاسبهم لصالح الشعب رفعوا لاءات الرفض، نادوا بسقوط حكم العسكر، وشكلوا ميليشات ولغت في دماء رجال الجيش، وأحرقوا المجمع العلمي وما يحوي من ذخائر العلوم، وشواهد الحضارة وتاريخ الإنسان. ثم عندما رحل المجلس العسكري، وأسقط الشعب في انتخابات حرة، وكلاء الفساد وجاء برئيس منتخب؛ إذا هم على أعقابهم ينكصون، فيرفضون النتائج ويتحدون الشرعية، ليس من خلال الفاعليات السياسية، ولكن من خلال رعاية الإجرام، والخروج على القانون لنشاهد ولأول مرة في تاريخ مصر، تشكيلات إجرامية مسلحة، تحجب وجوهها وتتوارى خلف الأقنعة السوداء، كقلوب من وظفهم للحرق والقتل واستحلال الحرمات، ويقف من تلك الجرائم أصحاب الألقاب العالمية والمناصب الرفيعة، ودعاة الوطنية والزعامة موقف الداعم بتوفير الغطاء السياسي والإعلامي لبث حالة من الرعب وعدم الاستقرار، والخاسر الوحيد مصر وشعبها الصابر، وما محاولاتهم لإقحام جيش مصر في السياسة إلا درب جديد من دروب الفتنة وإسقاط البلاد، كما فعل أقرانهم في العراق. ولقناعتي بأن الأوطان تضيع بين الإفراط والتفريط، وأن خير الأمور الوسط؛ فلابد من التضحية ببعض الحقوق المتوهمة، لصالح تثبيت الحقوق الحقيقية، حقوق شعبي في الأمن والراحة والبناء والاستقرار، فلن أمد يدي في يد فاسد ولو أعاد كل ما سرق، ولن أعتمد في تنفيذ سياساتي على من يخطط لخيانتي، فالقاعدة الشرعية تقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن ثم فلا بديل عن التطهير ليغلق الجرح على نظافة، لأن مرور الوقت بلا علاج ساهم وعزز انتشار الجراثيم في جسد الوطن. قد يكون ثمن الإصلاح حياتي، فلا شك أن الصفقة رابحة ومصر تستحق أن نفتديها بمهج القلوب، وان تركها للضياع خلف للعهد مع الله وتضييع للأمانة يوجب سخط الله وغضبه قال تعالى" إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ" . والله من وراء القصد ،،،