المجمع يتم "اغتصابه" يوميًا و"الداخلية" تكتفى بالفرجة موظفو المجمع: افتقدنا الأمان ونترقب الموت يوميًا بين لحظة وأخرى الأجهزة الأمنية اكتفت بنقل المستندات والأوراق إلى خارج المجمع مطالبات بنقل المصالح والإدارات من المجمع إلى أماكن أخرى المواطنون: لم نحصد من الثورة سوى الذعر والخوف وخراب البيوت منذ حوالى 20 سنة عرضت السينما المصرية فيلمًا بعنوان "الإرهاب والكباب"، قام فيه أحد المواطنين البسطاء بانتحال صفة "إرهابى"، واحتجر عددًا من موظفى مجمع التحرير، احتجاجًا على تلكؤ الموظفين غير المبرر فى تأدية مصلحته. وقتها تحركت أرتال من قوات الأمن المركزى والقوات الخاصة وحاصرت المكان تحت القيادة المباشرة لوزير الداخلية، وعقد مجلس الوزراء اجتماعًا طارئًا لمناقشة هذه "المصيبة"، وفوض المجلس وزير الداخلية فى التصرف وأعطاه كل الصلاحيات، واختصر وزير الداخلية الحوار مع (الإرهابيين الأبرياء) بجملة قصيرة، فقال عبر مكبر الصوت: "المجمع هايفتح أبوابه الصبح، وإذا لم تسلموا أنفسكم سنقتحم المكان، ومن يموت سنعتبره شهيدًا وندفع له تعويضًا". هكذا كان رد فعل الدولة حاسمًا ناجزًا قاطعًا، وانتهت الأزمة، أما اليوم فمجمع التحرير أصبح هدفًا "يوميًا" للبلطجية الذين يقتحمونه ويروعون من فيه، ويطردونهم ويمنعون دخول المواطنين، ويقول البعض عن هؤلاء أنهم "ثوار"، وما يقومون به "عصيان مدني" والأمر لا يعدو عن كونه تصرفات غير مسئولة وتقع تحت طائلة القانون، يقوم بها بلطجية مخربون... لكن لا يوجد رد فعل قوى وحاسم من قبل الدولة. أنشئ مجمع المصالح الحكومية المعروف باسم "مجمع التحرير" عام 1951، على مساحة 28 ألف متر مربع، وهو مبنى إداري يضم إدارات حكومية مختلفة تابعة لعدة وزارات، ويعمل به آلاف من الموظفين الحكوميين، ويقصده يوميًا عشرات الألوف من المواطنين لقضاء حوائجهم وبعضهم من خارج القاهرة. يقول محمد عبد الفتاح - موظف بالنيابة الإدارية بالمجمع - إن الموظفين يحضرون لمتابعة مهام عملهم في تمام الساعة الثامنة صباحًا وبعضهم ينصرف في الساعة الثانية عشر ظهرًا وآخرين في تمام الساعة الواحدة ظهرًا ولازال يعاني الموظفون من شعور بعدم الأمان بسبب المتظاهرين الذين لا يعلموا جيدًا المعنى الحقيقي للتظاهر السلمي والثورة الشريفة ويبذلوا قصارى جهدهم في تعطيل مهام عمل الموظفين وتعطيل مصالح الجمهور في هذا المبنى العتيق الذي يضم عديدًا من المصالح الحيوية والإدارات الخدمية التي تخدم الجمهور. وتؤكد منى السيد - موظفة بالإدارة التعليمية بالمجمع - أن الموظفين كان هدفهم الأول إنهاء مصالح المواطنين، ولكن الآن يسود بينهم حالة من القلق والتوتر، بسبب أفعال البلطجية الذين يمارسون الشغب والبلطجة مع المواطنين والموظفين وينتظر الموظفين حدوث أي أفعال للعنف، حيث يتابع بعضهم الحالة الأمنية للمجمع وكيفية تعامل المتظاهرين معه ثم يعطون لبعضهم إشارات تدل على بدء وجود عنف وأعمال شغب ليبدأ الموظفين في الانصراف من الأبواب المختلفة للمجمع داعين الله أن يصلوا لذويهم بسلام. وتضيف سلمى إبراهيم - موظفة بالمجمع - أن هناك بعض الأوراق والمستندات المهمة ببعض الإدارات المهمة كالإدارات التعليمية ومستندات تهم المصالح العامة للبلاد تم نقلها خارج المجمع خشية حدوث أي أضرار لها وهو ما يؤكد أن حالة القلق والارتباك لازالت موجودة بالمجمع. ويتابع صادق محمد - موظف بالإدارة العامة لمكافحة الآداب - أن الموظفين في انتظار إعلان حالة الطوارئ في أي لحظة ووقتها يتم إغلاق أبواب المجمع كلها سواء الرئيسية أو الخلفية، حيث يوجد بالمجمع 8 أبواب تستقبل الآلاف من المواطنين كل يوم، والمشكلة الأخطر تكمن في أن الأمن المسئول عن تأمين المجمع وسلامة المواطنين تابع لشركات أمن خاصة، وفشل في حمايته وحماية أرواح المواطنين والموظفين من البلطجية، كما أن هناك بوابة واحدة تابعة لوزارة الداخلية ولها بوابات إلكترونية خاصة، وهناك أفراد أمن مهمتهم الوحيدة تفتيش من يدخل إدارة الجوازات بهدف تأمين مصالح الشعب. ويدخل في الحديث سيد خليل - موظف بإدارة الأموال العامة بالمجمع -، ويقول: نحن كموظفين أصبحنا خائفين على مكان عملنا وأنفسنا بعد الثورة التي لم نحصد منها شيئًا سوى الذعر والخوف والانقسامات والبلبلة وبسبب المليونيات المختلفة تعرضنا لهجوم البلطجية، وتعرضت حياتنا للموت الذي أصبحنا نراه في كل لحظة، وشاهدنا الكثير من المواقف المؤلمة لزملائنا الذين قام البلطجية بإصابتهم في أجسادهم دون ذنب ليتم إغلاق أبواب المجمع بالحديد والجنازير ونجد أنفسنا محبوسين داخل مكاتبنا ننتظر لحظة إطلاق سراحنا وكل ذنبنا أننا نسعى على أقوات عائلتنا. ويوضح هشام أمين موظف بإدارة الجوازات بالمجمع أنه قبل فكرة إغلاق المجمع حاول أحد البلطجية التسلل إلى مكاتب الموظفين وسرقة بعضهم، وكأنه كان يعطى إنذارًا لما سيحدث بعد ذلك. ويقول أحمد راشد - موظف بالمجمع - إن معظم البلطجية الموجودين بالميدان والذين يسعون للخراب هم من الباعة الجائلين الذين افترشوا الأرض عنوة وتفننوا في ابتكار أحدث الطرق للبلطجة وسرقة الموظفين والمواطنين بالإكراه وتحت تهديد السلاح في وضح النهار وفي غياب واضح من الأمن. ويؤكد قاسم مدبولي - موظف بالإدارة التعليمية بباب الشعرية الموجودة بالمجمع - إصابة معظم الموظفين بأمراض رئوية وصدرية، بسبب رجال الشرطة الذين يقذفون القنابل المسيلة للدموع، مما يؤدى إلى استنشاقهم رائحة الغاز الذي يؤذي العين والجهاز التنفسي ويسبب اختناق وأمراض صدرية ورئوية خطيرة. ويقول مدبولي أنه بسبب أعمال البلطجة والعنف انقطعت الاتصالات نهائيًا بين الإدارات التعليمية الثلاثة الموجودة بمجمع التحرير، وهي عابدين وغرب القاهرة وباب الشعرية والمدارس التابعة لها بسبب إغلاق مجمع التحرير وعدم تمكن الموظفين العاملين بالإدارات من الصعود إلى مكاتبهم، وهو ما أجبر مديرو عموم الإدارات من الاستعانة بأجهزة المحمول لإجراء اتصالات بالمتابعين والموجهين لزيارة المدارس الواقع أغلبها في محيط التحرير ووزارة الداخلية، وهو ما أدى إلى زيادة حدة القلق في نفوس أولياء الأمور لدرجة أنهم منعوا أبناءهم من الذهاب لمدارسهم في حين اضطرت إدارات المدارس إلى صرف التلاميذ مبكرًا قبل موعد خروجهم الرسمي استجابة لضغوط أولياء الأمور. وتقول هايدي حسن - موظفة بإدارة الشئون المالية بالمجمع - غضب الموظفون جميعًا عندما سمعوا عن فكرة نقل المجمع إلى محافظة 6 أكتوبر في عهد النظام البائد، أما الآن وبسبب ما نتعرض له يوميًا فنحن جميعًا نطالب بتفريغ الإدارات الموجودة بالمجمع ونقلنا إلى أي مكان آخر بعيد عن ميدان التحرير بما يحويه من كل مظاهر للشغب والبلطجة. ويشير مجدي غلاب - موظف بالمجمع - إلى أنه تم نقل قيادات ومديري العموم بالإدارات التعليمية المختلفة من مجمع التحرير إلى إداراتهم المركزية بديوان الوزارة بالفعل بعد إغلاق أبواب المجمع أمام المواطنين والموظفين من قبل المتظاهرين، موضحًا أن هذا الإجراء ليس بجديد حيث سبق نقل الموظفين بعد تعذر عملهم جراء دخول دخان الغاز المسيل للدموع إلى المجمع أثناء التظاهرات المختلفة التي شهدها ميدان التحرير عقب الثورة، وبعد إعادة فتح المجمع عاد بعض الموظفين بينما طالب آخرون ببقائهم في ديوان الوزارة خوفًا على أرواحهم التي لم تعد في مأمن. ويوضح أحمد محمود - موظف بإدارة الرعاية والحماية الاجتماعية بالمجمع - أن إدارة الرعاية والحماية الاجتماعية وإدارة شئون المديريات بدأت في تقديم خدمات للمواطنين بعد عودة فتح المجمع وبدء انتظام العمل به ولكن على استحياء نتيجة إضراب مواعيد العمل الرسمية وتوقع وجود عنف أو شغب في أي وقت بعد أن تم القبض على عدد من المتظاهرين. أما أحمد السوهاجي - مجند بشرطة الضرائب بالمجمع - فيقول: الحياة بالمجمع أصبحت غير آمنة تمامًا، بسبب المتظاهرين الذين أثاروا الرعب والهلع في نفوس جميع العاملين بالمجمع ويقومون بوضع الأسلاك الشائكة لمنع دخول الموظفين والمواطنين، والمتضرر النهائي هو المواطن الذي تتعطل مصالحة لدرجة أن الموظفين كانوا يحاولون إقناع المتظاهرين بالدخول للمجمع لأداء مهام عملهم لكن المتظاهرين البلطجية اعتدوا عليهم بالضرب والألفاظ الخادشة للحياء. وعلى الجانب الآخر يؤكد أحد المواطنين ويدعى إبراهيم الأيوبي - 35 سنة - أن ما يفعله البلطجية من أعمال شغب وعنف بمجمع التحرير دلالة على وجود أيادٍ خفية تقوم بتأجيرهم للإضرار بمصلحة البلد والمواطنين الذين صاروا يتجرعون الخوف بسبب هؤلاء البلطجية، وأوضح الأيوبي أنه حضر لإنهاء أوراق سفره إلى المغرب حيث يعمل هناك، وهو مرتبط بمواعيد لا ينبغي تأخيرها، ففوجئ بعدم استطاعته دخول المجمع وإنهاء أوراقه، واستمر يتردد على المجمع لمدة يومين فيجده مغلقًا مما أدخلة في مشكلات مع رؤسائه في عمله بالمغرب، أسفرت عن توقيع شرط جزائي علية والسبب البلطجية الذين فقدوا ضمائرهم واجتهدوا في خراب بيوت مواطنين لا حول لهم ولا قوة، والذين أيضًا أطلقوا على أنفسهم لقب "متظاهرين". وتحكى عبير يحيى - 33 سنة - عن مأساتها فتقول: زوجي يعمل بالخارج وطلب منى مرارًا وتكرارًا أن أسافر إليه لكنني رفضت، ولما وجدت أن مصر تمر بظروف عصيبة قررت السفر إلى زوجي بصحبة ابني الوحيد وأمي المسنة التي حضرت معي إلى الجوازات لإنهاء أوراق سفرنا للخارج، وشاء القدر وقتها أن يتم إغلاق المجمع ويمنع المواطنين من الدخول رغم أننا كنا قادمين من محافظة الشرقية ولم ينته الأمر عند هذا، بل قام أحد البلطجية بالاعتداء علي وعلى أمي المسنة ولم يرحم ضعفنا واستولى على ما معنا من نقود. ويتساءل عبد العظيم عسر - أحد المواطنين - عن المتسبب الحقيقي في تعطيل مصالح المواطنين الذين ذاقوا الأمرين بمصر بعد ثورة 25 يناير، والتي تسببت في الانفلات الأمني وقلب نظام المصالح الحكومية الحيوية التي باتت تشهد حالة واضحة من التفكك والضياع وضاع معها حقوق المواطنين. ويؤكد محمد رمضان محام أنه حضر لمجمع التحرير عدة مرات لإتمام أوراق متعلقة بجنسية زوجته السورية الأصل لكنه اكتشف أن الموظفين أعلنوا عن خوفهم الشديد جراء ما يحدث وانصرفوا مبكرًا من مكاتبهم غير مهتمين بمصالح العامة ولكن انصب اهتمامهم في حماية أرواحهم. ويبدي المحاسب محمد فاضل - أحد المواطنين - الذين نجحوا بالكاد في الحصول على فرصة عمل بالخارج غضبه من ما يحدث بمجمع التحرير، مشيرًا إلى أنه تعب كثيراً لاستكمال أوراق هجرته، وعندما أوشك على الانتهاء من استكمالها وتقرر موعد سفرة فوجئ بالبلطجية يغلقون المجمع وتعطلت أوراقه، وهو ما أصابه بالحسرة والندامة على حد قوله وأضاع عليه فرصة عمله وأعاده لنقطة الصفر من جديد. ذهبنا إلى مدير عام المجمع أسامة عبد العال، فأكد أنه يتوقع الهجوم على مجمع التحرير خلال الأيام المقبلة، وبخاصة بعد الحملة الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية وتمكنت خلالها من إعادة فتح مداخل ومخارج المجمع وإزالة الحواجز الحديدية والأسلاك الشائكة التي كانت موجودة وقتذاك وألقت القبض على مجموعة من الباعة الجائلين ومعتصمي الميدان وهو ما قد يتسبب في نشوب اشتباكات أو أعمال عنف حتى يتم الإفراج عن المعتقلين. وطالب عبد العال وزير الداخلية بضرورة الاهتمام بمجمع التحرير وفرض حراسة خاصة ومشددة عليه.