انتهت جولة اولى من جولات الصراع بين الشعب المصرى ، بكامل قواه الحية ، الذى التف حول قضاة مصر الشرفاء فى معركة استقلال القضاء المصرى ، وضد تزييف إرادة الشعب وتزوير مصيره ومستقبله ، وبين قوى التسلط والاستبداد التى حاولت بكل ما امتلكته من قدرة إحكام سيطرتها على الهيئة القضائية المصرية ، لأنها كانت تعرف أن استقلال هذه المؤسسة الجليلة سينعكس بشكل بالغ الإيجابية على معادلات القوى التى تحكم التوازن بين الشعب والسلطة وبما يرجح كافة أبناء الوطن ، الذين طال اشتياقهم للعدل والحرية . جماهير الشعب المصرى التى كانت محاطة بالقمع والتسلط من كل جهة ، والمسحوقة فى الشوارع تحت ضربات غاشمة لقوى الجهل والبلطحة التى استباحت العاصمة ، وعاثت فيها شرا ً وعدوانا ً ، كانت تصرخ من أعماق روحها الجريحة : يا قضاه . . يا قضاه خلصونا . . من الطغاه لأنها كانت تعرف أن فى قضاء مصر الشامخ المستقل أكبر ضمانة لها فى مواجهة العسف والتعذيب وإهانة إنسانيتها وإبتزازها ، التى عاشت فى ظلها على امتداد القرون والعقود ، وبالذات فى الأعوام الأخيرة ، حيث تحولت أقسام البوليس والمعتقلات وزنازين التحقيق إلى مسالخ بشرية ، الداخل إليها مفقود ، والخارج منها مولود ، لا فرق فى ذلك بين إسلامى وشيوعى ، أو بين قومى وليبرالى ، فالكل تحت حذاء القمع مصريون !. انتصر القضاة فى الجولة الأولى من معركتهم ، ومعركة الشعب ، الاستقلالية ، لأسباب عديدة من أهمها : وحدة صفوفهم التى نجحت فى مواجهة كل محاولات الاختراق وتفتيت الصف وشراء الذمم ، ونجحوا كذلك لأنهم حازوا ثقة الشعب فالتفوا من حولهم صفوفا ً صفوف ، لا فرق فى ذلك أيضا ً بين شباب حركة " كفايه " الذين ناموا فى الشوارع على امتداد نحو أسبوعين أمام نادى القضاه ، معتصمين بموازاة اعتصامهم ، وتأكيدا ً على تضامن شعب مصر معهم ، وشباب جماعة الأخوان المسلمين الذين أبلوا بلاءا ً حسنا ً فى موقعة أيام الخميس المتتالية ، تضامنا ًمع مطالب القضاة العادلة ، وشباب باقى القوى الوطنية والديمقراطية الذين تحملوا وطأة إرهاب الدولة ، الذى حول القاهرة إلى عاصمة محتلة بجيوش الأمن المركزى ، وفرق مكافحة " الشغب " ، وفرق مكافحة " الإرهاب " وجماعات " الكاراتية " المزودة بالعصى الكهربائية ، التى انتشرت فى شوارع القاهرة مثل " فرق الموت " ، تختطف المطالبين بالحرية ، محاولة أن تسرق – فى وضح النهار – حلم الديمقراطية ، الذى برق فى ليل الوطن المقهور . إن الصدق والنزاهة اللذين استشعرهما كل أبناء الشعب المصرى فى الجماعة القضائية الشريفة ومطالبها المشروعة ، جمعا من خلفهما خلاصة هذا الشعب الطيب التواق إلى حياة كريمة تليق بالبشر ، وكانت وفود أبناء الشعب من مختلف التجمعات والفصائل والاتجاهات السياسية والفكرية والطبقات الاجتماعية ، أبلغ دليل على المكانة السامية التى احتلها قضاة مصر الشرفاء فى الوجدان الجمعى للأمة ، أكدها تقاطر المئات على المستشفى التى احتضنت المستشار البسطاويسى حينما ألمت به الوعكة الصحية العارضة ، كان قلب مصر يخفق مع خيرة أبنائه المدافعين عن حقه فى مجتمع العدل والحرية ، ويوجه رسالة إلى العالم أجمع ، تقول بوضوح أن ليل العبودية فى مصر يوشك على المضى ، وأن صبحا ً مشرقا ً قد آذن على الطلوع . علينا جميعا ً أن نعكف على دراسة معركة القضاة الظافرة ، هذه المعركة التى انتصر فيها الشعب الأعزل إلا من إيمانه بحقه ، على قوى باطشة تفوقه عددا ً وعدة ً وعتادا ً بآلاف المرات ، لأبلغ دليل على أن إرادة الشعوب أقوى من كل قوى القمع والاستبداد ، وأن للحرية جنودا ً إذا تقدموا اهتزت زنازين الطغاة ، وتراجعت جيوش الظلام فى مواجهة نور الحق والحقيقة . مصر الجديدة التى بدأت تنهض من نعاسها منذ أقل من عامين تتعرض الآن لمؤامرة كبرى يشارك فيها كل أعداء الحرية فى مصر وفى العالم ، وما حلف الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الأنظمة الديكتاتورية المحلية إلا دليل على أبعاد هذه المؤامرة ، التى لا يمكن التصدى لها بدون استيعاب دروس " معركة استقلال القضاء " ، درسا ً درسا ً ، وهذه هى مهمة كل الحالمين بمستقبل مشرق لمصر وللأمة . [email protected]