عند اتباع ما يحدث فى بعض مناطق مصر، من أعمال عنف وشدة وفوضى وتخريب عام متعمدة ومخطط لها، من ذى قبل، أتذكر ما تابعته - كمراقب إعلامى – خلال سنوات 2004-2007 فى مدن أسطنبول وأنقرة وإزمير بتركيا. الفرق بين أحداث مصر وأحداث تركيا، هو أن مظاهرات اليسار العلمانى التركى آنذاك، كانت سلمية فى مظهرها العام، عنيفة سرًا، وكانت ترمى لإقناع وحث الجيش التركى على القيام بانقلاب عسكرى ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، لإبعاد التيار (الإسلامى) المحافظ عن سدة حكم تركيا، بينما المظاهرات فى مصر التى يقودها اليسار العلمانى المصرى، تحولت لأعمال عنف وشدة وتخريب وقتل علنى لخلق اضطرابات عامة، لإجبار الجيش على قلب الرئيس محمد مرسى وحكومته، فيتحقق لليسار هدف إبعاد التيار الإسلامى عن سدة حكم مصر. نحن بهذا الشكل، أمام نفس السيناريو الهدّام لمسيرة الحياة الديمقراطية وضرب إرادة الأغلبية لصالح النخبة العلمانية، نفس الادعاءات ونفس الحجج ونفس الأسلوب، الفارق هو التكتيك واللغة. فى سيناريو تركيا الذى دام بين سنوات 2004-2007، كان الهدف هو إبعاد حزب العدالة والتنمية(المحافظ) المدعوم شعبيًا من الأغلبية عن سدة الحكم بواسطة انقلاب للجيش، ليحل مكانه حزب علمانى – الجمهورى – صاحب الأقلية، حيث أدرك اليسار العلمانى التركى، استحالة نيّل ثقة أغلبية الجمهور (المحافظ المتديّن)، وبلوغ الحكم عبر آلية صندوق الانتخاب. سيناريو اليسار التركى، المدعوم من الإعلام الخاص، فشل فشلًا ذريعًا، برفض رئيس الأركان الأسبق الفريق حلمى أوزكوك تنفيذ انقلاب عسكرى ضد حكومة مدنية منتخبة، تساندها أغلبية شعبية، وكان موقف رئيس الأركان آنذاك، جديدًا وتاريخيًا، على الساحة التركية التى شهدت 3 انقلابات عسكرية دموية بين سنوات 60-1980، حيث قرأ الرجل جيّدًا الواقع التركى الجديد والمتغيرات، ففضّل احترام الإرادة الشعبية وتعزيز مسيرة الحياة الديمقراطية، ورفض تورط الجيش الوطنى، وقصر دوره على حماية البلاد من أعدائها الخارجيين، وترك الحياة السياسية للسياسيين. الموقف الإيجابى لرئيس الأركان، كان مدخلًا لتحقيق دولة القانون وسيادته على المخالفين والمحرضين على حالة الاضطرابات العامة ودعوتهم لقلب حكومة مدنية منتخبة، ومن ثم، قامت النيابة العامة – خاصة وكلاء النائب العام أصحاب السلطة الخاصة – بتقديم العشرات من كبار ضباط الجيش العاملين أو المتقاعدين ونشطاء سياسيين وصحفيين ومحامين وأطباء ورجال أعمال وقضاة، لمحكمة الجنايات، بتهمة التحريض على والتخطيط لقلب الحكومة بالقوة والسعى لقتل السياسيين وخلق حالة اضطرابات عامة، مما جعل تركيا، تشهد لأول مرة بتاريخها الجمهورى، حبس رئيس أركان سابق -الفريق إلكر باش بوغ – وقادة أسلحة الطيران والقوات البرية والبحرية وقادة جيوش، فيما يعرف إعلاميًا بدعوى تنظيم أرّجاناكون، مثلما تشهد تركيا أيضًا حالة استقرار سياسى ونمو اقتصادى ملحوظ، نتيجة لحسم معركة التخريب لصالح معركة البناء والديمقراطية. فى السيناريو المصرى الجارية أحداثه حاليًا، نجد نفس الهدف، سعى اليسار العلمانى لقلب الرئيس المنتخب وحكومته، وإبعاد التيار الإسلامى، عبر تدخل عسكرى إجبارى، ناتج عن حالة فوضى واضطرابات عامة، وذلك بعد تأكد اليسار المصرى، من خلال نتائج الصندوق الديمقراطى، استحالة تحقيقه هدف نيّل ثقة الأغلبية وبلوغ الحكم عبر الصناديق الديمقراطية. لقد كان موقف القيادات العسكرية المصرية بعد خلع الرئيس المحبوس، تاريخيًا بوقوفهم جوار الشعب والتخلى عن نخبة حاكمة فاسدة، فهل يستمر الجيش المصرى الوطنى فى موقفه الإيجابى، ليفسد مخطط النخبة اليسارية العلمانية، لضرب التجربة الديمقراطية والحياة المدنية، وينتصر لإرادة ألأغلبية الشعبية ولآلية التغيير السلمى عبر صناديق الانتخابات والاستفتاءات؟