أظهر المؤتمر العالمي حول تعداد السكان في العالم، الذي عقد مؤخرا في مدينة تور الفرنسية، أن أوروبا التي كانت تعد ربع سكان العالم سنة 1914، لن تتعدى نسبة سكانها ال5 في المائة في عام 2050، حيث سيتراجع عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي ال25 الى 445 مليون نسمة، بينما يبلغ الآن 461 مليون شخص، وستخسر أوروبا خلال العقود الأربعة المقبلة، وفق خبراء السكان، 29 مليون شاب، بينما سيزيد عدد المسنين ما فوق الثمانين عاما 35 مليونا. وهكذا فإن الهرم السكاني في الدول الأوروبية الخمس والعشرين سيواصل انعكاسه والسبب الرئيسي هو انخفاض معدل الولادات في هذه الدول، حيث يبلغ المعدل الوسطي لإنجاب الأوروبيات 1.5 طفلا لكل امرأة، وهذا المعدل ينخفض الى 1.3 طفلا لكل اسبانية أو إيطالية أو بولونية، وكانت السيدات ينجبن الكثير من الأطفال في هذه الدول بفعل تأثير الديانة المسيحية الكاثوليكية، وستفقد إيطاليا مليون شخص من الآن وحتى عام 2025 وبولونيا مليونا ونصف المليون، وهذا الرقم كبير جدا بالنسبة لبلد يعد أكثر من أربعين مليون نسمة بقليل، وبولونيا ليست الدولة الوحيدة في دول المعسكر الاشتراكي السابق، التي تعاني من تراجع عدد الولادات. ويؤكد خبراء السكان أن أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تراجع الولادات في أوروبا هو التغيرات الاجتماعية التي طرأت على عادات المجتمع في الدول الأوروبية، والى غياب سياسات الأسرة في الأغلبية الساحقة من دول الاتحاد الأوروبي، ففي حالات أسبانيا وإيطاليا والمانيا وبولونيا وغيرها يقوم تطلع المرأة الى الاستقلال الاقتصادي والتحرر الاجتماعي بدور أساسي في تراجع الولادات، فالازدهار والنمو الاقتصاديان في هذه الدول لم يواكبا بتغيير العادات لدى مجتمعاتها، التي لا تزال ترفض ولادة أطفال خارج مؤسسة الزواج، وتضغط على المرأة لتتوقف عن العمل بعد إنجاب أول طفل، وهكذا فإن الكثيرات من النساء يرفضن فكرة الزواج والإنجاب لكي يتمكن من مواصلة عملهن. ( القبس الكويتية 7/7/1426). * * * في طوكيو نقلت وكالة رويتر عن وزارة الصحة اليابانية أن معدلات الوفيات تخطت معدلات المواليد في اليابان بنحو 31.034 شخصا في النصف الأول من العام الجاري الأمر الذي يزيد من احتمال أن يبدأ عدد السكان في الانخفاض في عام 2005 قبل عامين مما كان متوقعا. وأثار انخفاض معدل المواليد وارتفاع أعداد المعمرين مخاوف بخصوص النمو المستقبلي لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقال خبراء في وقت سابق إن عدد السكان يحتمل أن يبدأ في الانكماش في عام 2007م. وسجل معدل الخصوبة في اليابان أكبر انخفاض له في فترة ما بعد الحرب حيث بلغ في عام 2004 بلغ 1.3 طفل، ومعدل الخصوبة هو العدد المتوسط للأطفال الذين تلدهم المرأة في حياتها، ويضع خبراء السكان بصفة عامة معدل 2.1 باعتباره "معدل إحلال " ضروريا للحفاظ على عدد السكان دون انخفاض، ويعزى انخفاض معدلات الخصوبة عادة الى تأخر الزواج وارتفاع أعداد الراغبين في البقاء من دون زواج إضافة الى ارتفاع تكاليف التعليم والازدحام السكاني وطول ساعات العمل. ( الوطن 19/7/1426). * * * في كلمات سابقة من هذه الزاوية، نقلت للقراء الكرام تراجع الصين الشيوعية عن نهجها القديم الصارم، الذي اتبعته بكل شدة طوال عقود، بألا يزيد إنجاب الأسرة عن مولود واحد وإلا تعرضت لعقوبات قاسية، وأن الصين الآن بدأت بتشجيع مواطنيها وحثهم على إنجاب طفلين أي مضاعفة معدل الإنجاب القديم، إذ اكتشفت الحكومة الصينية أن هذه الصرامة والغلو في تحديد النسل حتى في مجتمع تجاوز تعداده البليون نسمة، سيؤدي مع الزمن الى انخفاض مريع في القوة العاملة المنتجة من الشباب، وتزايد في الطبقة المتقاعدة عن العمل من المسنين وزيادة كبيرة في تكاليف العناية بهم كلما تقدم بهم السن. * * * لقد كان الأستاذ أبو الأعلى المودودي يرحمه الله في طليعة علماء الإسلام ومفكري الأمة، الذين حذروا من خطورة تحديد النسل، وذلك في دراسة موسعة اصدرها قبل حوالي 40 بعنوان ( حركة تحديد النسل )، واعتمد فيها على أوضاع وإحصائيات المجتمعات الغربية وشهادات علمائها ومفكريها، واليوم تعود النذر فتأتينا من المجتمعات الصناعية المتقدمة التي تملك أكبر اقتصاديات في العالم، بأن علاج انخفاض مستويات المعيشة ومشكلات الاقتصاد، ليس بتحديد النسل، وتحويل المجتمعات الشابة التي أنعم الله بها علينا ( 50% - 60% شباب ) الى مجتمعات للمسنين، بل بتنمية الموارد، والعمل الدؤوب، وحسن استغلال الثروات وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية. المدينة